الرأي

وَهْمُ تهديد الفن وعَودة الأصولية!

محمد سليم قلالة
  • 1759
  • 14

يُحاول البعض التركيز على أن رفض المهرجانات الفنية أو الاحتجاج عليها إنما هو لأسبابٍ دينية. ويقوم الكثير بإيهام الناس بأن مجرد احتجاج مواطنين على مهرجان غنائي إنما هو بداية عودة الأصولية. ويُحذّر آخرون من أن تكون بداية عودة التطرف كالذي حدث في بداية التسعينيات… ونكاد بمثل هذا التفسير غير الموضوعي للأحداث نثير تخوفات كبيرة لدى الرأي العام تجاوزها الزمن، ولم تعُد لها أي مكانة في قاموس الناس.
بكل تأكيد، رفض مهرجان غناء، لا يعني رفض الثقافة، والصلاة في مكان المهرجان التي حدثت في مدينة ورقلة لم تكن أبدا مبرمَجة لتمرير رسالة “الدين ضد الفن” كما بلغنا من أهل المدينة، إنما جاءت لأن وقت الصلاة قد حان، وأقامها حتى الذين حضروا لمشاهدة الحفل، بما يعني أن المسألة لا علاقة لها بمن يعادون الفن، إنما هي احتجاجٌ اجتماعي رأى في مثل هذا النشاط القطرة التي أفاضت الكأس، حيث إن تبديد المال العام يتم على أكثر من مستوى (التجمعات الجماهيرية، المآدب، الزيارات الرسمية وغير الرسمية، الأعياد، المناسبات، المشاريع الوهمية…) وآخرها الحفلات الغنائية.
إذن علينا وضع هذه الأمور ضمن نصابها من غير إفراط ولا تفريط، ومن غير الوصول إلى تهديد المُحتَجِّين بالحبس أو بالعقوبات، لأن هذا يُعدُّ مساسا بحرية التعبير وحرية الرأي، ولا يمكن لأي كان منع مواطنين من التعبير سلميا عن رفضهم لأي نشاط رسمي أو غير رسمي ما دامت غالبية منهم لا ترى فيه منفعة.
وكان الأجدر بمن هدَّد بمعاقبة المحتجين، واتَّهمهم بالأصولية أو بالتطرف، أو بغيرها من الصفات، التوجه إليهم والاستماع إلى انشغالاتهم، وفهم حقيقة السلوك الذي قاموا به دون محاولة تغليط الرأي العام وتأليبه ضد هؤلاء من خلال الزَّعمِ بأن الوضع إذا استمر بهذا الشكل سيعود بنا إلى بداية التسعينيات.
ينبغي لهؤلاء أن يعلموا أن شيئا واحدا لا يُمكن أن يسمح الجزائريون بالمساس به اليوم وغدا، هو أمنهم واستقرارهم، أي أن المواطن الجزائري قد أصبح بحكم خبرة العشرية السوداء، وبحُكم وَعْيِهِ، مُحصَّنا ضد كل محاولة للزِّج به في متاهات التطرُّف أو العنف أو رفض الآخر، وأنه إذا ما احتج على أمر فإنه لا يفعل ذلك إلا ضمن إطار احترام القانون والنظام العام ورفض كل التجاوزات..
ولذا أقول، إنه ليس من الصواب إيهام الناس بأن ما حصل في ورقلة أو بجاية أو بلعباس أو غيرها من الأماكن هو إشارة حاملة لمستقبل مظلم فيه تهديد للثقافة والنظام العام، بل الصواب هو اعتبار ذلك حركة احتجاجية حضارية في مستوى وعي المواطنين، بل هي حركة حاملة لمزيد من الأمل في أن وعي المواطنين بمخاطر وتهديدات المرحلة وصل إلى اعتبار أننا لا يمكن التصدي لها إلا من خلال تنمية شاملة تكون الثقافة بمفهومها الواسع أحد مكوناتها وليس فقط بالغناء، حتى ولو حمل معه بعض الطرب والترويح عن النفس.

مقالات ذات صلة