-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يأكلون مع الذئاب ويبكون مع الراعي

يأكلون مع الذئاب ويبكون مع الراعي

ما حدث في غزة طوال أيام التقتيل والتهجير والتجويع، هو أبعد ما يمكن للإنسان أن يتصوّره في عالم الشر والنفاق، ونكاد نجزم بأن إبليس ما عاد له دور في هذه الدنيا، بعد أن “تأبْلَس” البشر، وأتوا بما لم يأت به.

منظر الطائرات الأمريكية، وهي تحلق في سماء غزة، وبيدها كل مفاتيح المعابر البرية، لتنثر طعاما للصابرين والصائمين من ضحايا محرقتها، يضعنا في موقف حُزن على ما آلت إليه الإنسانية التي صارت تأكل مع الذئب بشراهة، وتبكي مع الراعي بنحيب، وسيكون من المستحيل ترميم الشَّرخ الأخلاقي العالمي الذي أصاب العالم خلال شهور حرب الإبادة المعلنة على أبناء فلسطين.

لقد كانت أمريكا هي أول من هاجم “الأونروا”، وحرمها من الإمدادات المالية وأقام عليها بلدانا وحكومات ولم يقعدها، لحرمانها من تقديم المساعدة الإنسانية لغزة، وكانت أمريكا هي التي أغلقت المعابر البرية المحيطة بغزة، بأوامر سرية وأخرى علنية، أسمعت الصمّ، بل إنها هي من هندست وأشرفت على حصار القطاع منذ 17 سنة، وكان دائما همّها الأول هو كيفية القضاء على المقاومة الفلسطينية، أكثر من جيوب الإرهاب التي شاركت في بعثها، من القاعدة إلى “داعش”. وتقوم الآن بهذا الاستعراض الرخيص، عبر طائرات تلقي ما تسميه هي “الإعانات الإنسانية”، وهو في الحقيقة قمة الإهانة الإنسانية، والانحطاط الذي بلغته هذه الإمبراطورية، التي لا تمتلك من الإمبراطورية، غير الجبروت وجنون العظمة.

صحيح أن قوة أمريكا في ضعف من يحيطون بها، وخاصة الأمة الإسلامية التي تتابع هذه المشاهد الرهيبة وهذا التناقض الصارخ في التعامل مع أبناء فلسطين، من دون أن يكون فيها رجل رشيد، فحتى الأمريكيون صاروا يسخرون ويتذمرون من هذا السلوك غير السوي لدولة دفع جنونها شابا أمريكيا إلى صبّ البنزين على جسده وإلهابه بالنار، وتوديع دنيا الشر من دون ندم، بعد أن طاله العار من بلاده التي فجّرت آخر براميل “الكاوبوي” التي كانت موضوعة على رفات الهنود الحمر، وأحفاد “كونتا كينتي”، وأعلنتها صراحة بأنها لا تريد للعرب ولا للمسلمين أن يواصلوا العيش حيث تعيش. وإذا كانت الإبادة الجماعية التي تشرف عليها في فلسطين قد دخلت مرحلة الجدّ، فإن غد “البقية” لناظره، قريب جدا.

مع الاعتذار لفعل الأكل، الذي هو وظيفة بيولوجية يراد منها الصحة والعافية، ولحيوان الذئب المخلوق الماكر الصبور، ولفعل البكاء المنبثق من مشاعر الحزن والحسرة، فإن ما يحدث الآن في غزة من مسرحية فتح الجو والبحر لإطعام أبناء فلسطين بهندسة أمريكية وإشراف صهيوني، لا هو أكل مع الذئب ولا بكاء مع الراعي، وإنما احتقار للمشاعر ولكل المخلوقات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!