-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يامنة بن شايب.. شهيدة بلا جسد وقبر

فاروق كداش
  • 2070
  • 0
يامنة بن شايب.. شهيدة بلا جسد وقبر

في مذكرات كفاح المرأة الجزائرية، آلاف حكايات الصمود. فهي ليست كباقي النسوة.. لقد ولدت من رحم المأساة، وترعرت في كنف المعاناة، وتزوجت القضية، وأنجبت الأسود لا الحملان.. الشروق العربي، تروي قصة أخرى من قصص نضال المرأة. قصة الشهيدة التي اختفى جسدها الطاهر، بين الأرض والسماء.

ولدت الشهيدة يامنة شايب، المعروفة باسمها النضالي، زوليخة عدي، في السابع ماي عام 1911، بمدينة حجوط. وترعرعت وصقلت شخصيتها في مدينة شرشال العريقة، في كنف عائلة عرفت بالنضال. فيامنة، ليست الشهيدة الوحيدة التي قدمتها عائلة شايب، في سبيل تحرير الوطن. فقد سبقها ابنها البكر، لحبيب، في الاستشهاد، يليه زوجها سي الحاج، الذي سقط في ميدان الشرف.

عاشت يامنة، كغيرها من الجزائريين، إبان الاستعمار، في الفقر والحرمان والاضطهاد والظلم.. حالتها المزرية لم تكسرها، بل ساعدتها على ترسيخ قناعة واحدة، أنه لا مجال لكسب الحرية، إلا بالثورة والجهاد، في سبيل هذا البلد، الذي أخذ عنوة، ولا بد من أن يسترجع كما أخذ، عنوة، وببذل الروح والجسد.

ساعد هذا الوعي السياسي يامنة على نشر الوعي الوطني حولها، وإفشال مخططات لاصاص، وهو القسم الفرنسي الخاص، الذي كان أسلوبه قائما على سياسة الأرض المحروقة، لكسر شوكة الثورة، وعزلها عن الشعب، خاصة أن هذا بات ممكنا في الأرياف المجاورة لمدينة شرشال، وغيرها من مدن الجزائر، التي كانت تحت وطأة عدو لا يعرف الإنسانية والرحمة، وخوفه اللاواعي من الخسارة أمام شعب قوي العزيمة، كان يعمي بصره وبصيرته.

كانت زوليخة تقوم بجمع الأموال، وتوفير الأدوية والمؤونة للمجاهدين. وقد حاولت السلطات الاستعمارية، على رأسها الكولونيل جيرار لوكوانت، بكل الوسائل، مطاردتها وإلقاء القبض عليها، ولم يتمكن العدو من معرفة نشاطها، ودورها في الإعداد للثورة.

التحقت بصفوف الثورة في جبل “سيدي سميان”، بالمنطقة الرابعة.

وتقول بعض المصادر إنها خلفت “أبو القاسم العليوي”، عندما استشهد في قيادة الجيش الجزائري، في شرشال، في الحرب ضد المستعمر.

في 15 أكتوبر عام 1957، سقطت يامنة المجاهدة في سبيل الله والوطن، المناضلة في سبيل الحرية، في أيدي الجنود الفرنسيين، بعد عملية تمشيط واسعة النطاق، استهدفت المناطق الجبلية لشرشال.

ولمدة عشرة أيام كاملة، تعرضت يامنة لأبشع أساليب التعذيب التي عرفت بها فرنسا، وتحمل جسدها الطاهر، رغم هزله وضعفه، ما لا يتحمله أعتى الرجال، لكنها لم تحرك ساكنا، وكتمت ألمها وأسكتت صراخها… ولكن، ما السبيل إلى كسر جبروت هذه المرأة.. وكدأبها، أرادت فرنسا أن تجعل منها عبرة لتثبيط عزيمة المجاهدين في المنطقة، فربطتها إلى شاحنة، كي يرى عذابها الداني والقاصي. كانت مربوطة إلى شاحنة فرنسية، لكن نظراتها الشرسة المتحدية حولت مدرعات وشاحنات وعتاد فرنسا إلى ألعاب أطفال، لا تطلق سوى الضجيج… وكانت تصرخ بأعلى صوتها: “يا الخاوة.. اطلعوا للجبل.. اطلعوا الجبل”.. جملة، صارت شعارا للنضال.. فالجبل هو موطن الثورة، وأرواح الشهداء كانت رصاصه وذخيرته.

في 25 أكتوبر، في الساعة الثالثة زوالا، لفظت يامنة أنفاسها الأخيرة، بعد أن رميت حية من مروحية عسكرية… واختفى جسد يامنة، بين الأرض والسماء، ولم يعثر عليه أحد.. وكأنه تبخر مع قطرات المطر.

صارت يامنة شهيدة بلا جسد، وبلا قبر، إلى أن تذكر فلاح من فلاحي المنطقة أنه دفن جثة امرأة، ارتطم جسدها على الأرض، ذات يوم من أيام عام 1957.. وبعد 27 سنة، عثر على رفاتها الطاهرة في المكان الذي دل عليه الفلاح. لم يتبق منها سوى عظام وثوب بال، لكن روحها دثرت بكفن من نور، وصعدت إلى السماء السرمدية، فلا عذاب بعد الآن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!