-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ياو عليكم حرية “التعنتير”!

جمال لعلامي
  • 1436
  • 0
ياو عليكم حرية “التعنتير”!

لم تعد حرية التعبير وحتى “التعنتير” حكرا وإرثا متوارثا، على معشر الصحفيين فقط، في كلّ بقاع العالم، وهذه بطبيعة الحال ليست ظاهرة جزائرية، ولذلك يحق للإعلاميين والسياسيين والاقتصاديين والنقابيين والفنانين والفلاحين والمحامين والمستثمرين ورجال المال والأعمال، قادة الأحزاب والجمعيات، الأميار، النواب والوزراء، الاحتفال جميعا باليوم العالمي لحرية التعبير المصادف للثالث ماي من كلّ سنة، الذكرى التي لا أدري لماذا تذكرتها قبل أسابيع من حلولها علينا وعليكم وعليهم.

المذكورون وغيرهم كثير، يُفرغون حرياتهم التعبيرية عبر وسائل الإعلام، ثم يُخاطبون الصحافيين بالقول بأنهم استفادوا من حرية التعبير، والحال، أن هذه الحرية، استفاد منها غير الإعلاميين، أكثر من الإعلاميين، ولكلّ مشكك أن يعود إلى التنابز بالألقاب والتبارز بالأيادي والتراشق بالاتهامات والشهادات، بين سياسيين ورؤساء أحزاب، وجنرالات ومسؤولين سابقين، ليقف عند حقيقة مفادها أن هؤلاء “الرهط” هم الذين استفادوا أكثر من حرية التعبير!

مهما كان المستفيد، فإن حرية التعبير تبقى مكسبا غير قابل دون شكّ، للتنازل أو التفاوض، لكن هل هذه الحرية تفرض “السرّية” في النقد والانتقاد، وهل حرية التعبير تعطي الحقّ للحرية في “التدمير” و”التمسمير” و”التعنتير”، باسم ممارسة حق من الحقوق السامية التي يكفلها الدستور؟

ليس سبقا ولا اختراعا، لو قال قائل، بأن هناك أفرادا وجماعات، في الإعلام كما في السياسة والاقتصاد والنقابات والأحزاب والمجالس المنتخبة، وفي البرلمان والحكومة، اعتدوا على هذه الحرية، وتمرّدوا على المبدأ المقدّس: “حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين”!

هكذا هي الحرية الجديدة، تشويه واتهام وقذف وتشكيك و”نيران صديقة” وضرب تحت الحزام، تجريح و”تجييح” و”تبراح”، وكل هذه المعاني يُدرجها “الأحرار” ضمن حرية التعبير، التي تعني الحقّ والحقيقة، لكن وفق الاحترام والمصداقية والنزاهة وشفافية الأشياء، وعدم الخلط بين حرية التعبير و”حرية التبعير”!

الدخلاء هم وحدهم من يتحملون مسؤولية خلط الماء بالزيت، وهم وحدهم من شوّهوا معنى هذه الحرية التي تـُؤخذ ولا تعطى، لكنها تبقى في كلّ الميادين، مفتاح التهدئة والخدمة والدفع نحو الإصلاح وتغيير الأمور بالتي هي أحسن، وليس معولا للتكسير والتخريب وتصفية الحسابات وإذكاء نيران الفتنة وتسمين الأحقاد والكراهية والضغائن!

لكن، للأسف، ولتلك الأسباب وغيرها، الصحافة وحدها هي من يدفع ثمن هذه الحرية المشوّهة، والصحافيون والإعلاميون وحدهم هم من يجنون فشل الآخرين ونزاعاتهم وحروبهم، ولذلك لم يعد للثالث ماي من كلّ عام، في مختلف بقاع العالم، أثر أو جميل، يُحفز الباقي المتبقي من البقية الباقية لبقايا أبناء المهنة الأصليين، حتى يحتفلوا بعيد ميلاد هذه الحرية المسلوبة و”المحلوبة” والمضروبة والمغلوبة والمرعوبة والسالبة والسلبية!

هكذا هي الحرية بالنسبة للذين يعرفونها ومارسوها أو اكتسبوها أو استرجعوها، مثل النار، المبتعد عنها “يبرد”، والمقترب إليها “يسخن”، وربما يحترق، وفي الحالتين، قد تكون النهاية مأساوية، فالبرد والنار، كلاهما يقتل، وبعدها يصبح الضحية على ما هو فاعل من النادمين!


رغم، كل ما قيل وسيُقال، علينا جميعا، وعلى كلّ المذكورين بخير وحتى بشرّ، أن يحتفوا ويحتفلوا بالثالث ماي عندما يعود قريبا، فهو يبقى إلى أن يثبت العكس، رمزا لحرية التعبير وفقط، أمّا المحتفلين بالحريات الأخرى، من “تدمير” و”تمنشير” و”تعنتير”، فلهم أن يبحثوا عن تواريخ جديدة ومتجدّدة قد تنجيهم من “عذاب” هذه الحرية التي لا يعرف قيمتها سوى من لا يتمتع بها أو من ضيّعها!

إن حرية التعبير والصحافة، مكسب لا ينبغي التفريط فيه أبدا، فهو الأوكسجين الذي يتنفسه كلّ صحفي حرّ ومحترف، باحث عن الحقيقة، ومسلّح بالثقة في النفس أولا، والصدق والنزاهة ثانيا، والموضوعية والحقيقة دوما وأبدا.. معادلة لا “تحول ولا تزول”، وقد تكون صالحة لكلّ مكان وزمان، وإن كانت تتطلب ربما أحيانا شروطا معيّنة!

الحرية هي حرية في أيّ بلد وأيّ قطاع، وأيّ بيت، لكن تذوّق هذه “الطبخة اللذيذة” يختلف من فم إلى فم، حسب حاسة التذوّق عند كلّ واحد يعتقد أن الحرية كاللسان، إذا قـُطع فإنه يستحيل خياطته أو عودته إلى حالته الطبيعية، ولذلك يجب حماية حرية التعبير من أيّ مكروه وسوء، وتأمينها من الاستغلال ومحاولات التفجير، أو استعمال كحقّ يُراد به باطلا.. وهذا هو بيت القصيد في كلّ 3 ماي، أعاده الله علينا وعليكم بالخير والعافية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!