-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا حصراه.. !

جمال لعلامي
  • 1685
  • 0
يا حصراه.. !

كان يوما جميلا، صافيا، هادئا.. تأكدنا بعدها أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.. توجهنا كعادتنا إلى المدرسة، في ذلك الخميس الذي أمسى “أسود”، وطلبوا منا العودة إلى المنازل، بعد ما بدأت روائح الخوف تتسلّل إلى نفوس المواطنين.. ولم نستوعب ما الذي حصل وسيحصل.

 هو الخامس أكتوبر 1988.. قال البعض أنها مجرّد أحداث، وقال آخرون إنها “ثورة خبز”، وقال آخرون إنها “انتفاضة شعبية”، وقال رهط آخر إنها “عملية مفبركة ومدبّرة”.. وبدأت النار والتكسار، وانتشر الفزع والرعب، ولزم البعض بيوتهم، فيما خرج محتجون ومعهم فضوليون إلى الشارع، إمّا للمشاركة، وإما للتفرّج، وإمّا لفهم ماذا يحدث.

ولم ينتظر الجزائريون كثيرا، حتى خرج رئيس الدولة آنذاك، الراحل الشاذلي بن جديد، وهو “يبكي” على شاشة التلفزيون، ويسأل ويتساءل – ربما ككل الجزائريين ـ: “لصالح من هذا؟”.. وتأثر جزء من الجزائريين بذلك الخطاب الشهير، فخرجوا في صبيحة اليوم الموالي إلى الشارع.. هذه المرّة ليس للاحتجاج، لكن لمساندة صاحب الشعر الأبيض!

الأحداث أو الثورة أو الانتفاضة أو “المسرحية”، لم تستمر كثيرا، فقد توقفت، عند نهاية البداية، وكانت بتسليم الحزب الواحد شهادة وفاته بالإعلان عن ميلاد تعددية حزبية مشكلة من نحو 50 حزبا، تحت مسمّى “الديمقراطية”، موازاة مع الإعلان عن التفتح الاقتصادي وإصلاحات سياسية وتعدّد إعلامي، لم نفهم في البداية لونه وشكله ولا دينه ولا ملته!

وانطلق “العرس”.. تهليل وتصفيق ورقص.. ابتهاجا بهذه “الغنائم”، التي لم يحمل من أجلها الشباب الذي سقط ضحية في 5 أكتوبر، يافطات ولافتات، تنادي بها، وترافع لأجلها.. “ثورة الخبز” تحوّلت فجأة إلى سياسة، وأحزاب، وديمقراطية، وصحافة متعدّدة، كانت تجربة جميلة، وغير منتظرة، لكنها كانت أيضا “مباغتة” وربما قيصرية في نظر المتشائمين الذين قيّموها بعد عشرية من الزمن!

وانتهى أكتوبر، ولم يفهم “جيل جديد” ماذا حدث إلى اليوم؟ واندلعت تصريحات وتصريحات مضادة، اتهامات واتهامات مضادة، ولم يستوعب المتخاصمون الهوشة التي سقط فيها فيها عشرات الشبان الأبرياء، واستفادت الأحزاب والصحافة والجمعيات والحكومة نفسها، من وضع جديد، غذته “ريوع” الخامس أكتوبر الذي لم يُطعم الزوالية ولم يغنهم من جوع!

..27 سنة، كانت مفيدة بالنسبة لجزائريين، وأحالت جزائريين آخرين على غرفة الانتظار، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.. مرحلة، بل مراحل جديدة، وعديدة، أعقبت 5 أكتوبر، مجلس أعلى للدولة، حرب مفتوحة على الرعب والإرهاب، عشرات الحكومات ومئات الوزراء، انتخابات متعددة ومتجددة، في القمة والقاعدة، وملفات قديمة مازالت معلقة إلى اليوم من عرقوبها!

الخامس أكتوبر، وما لحقه من مكاسب ومصائب، روّع البعض، جوّع البعض الآخر، “دمّع” آخرين، لمّع طائفة من المنتفعين والانتهازيين.. لم تكن التعددية والديمقراطية، التي تسلمتا شهادة ميلادهما في خضم الأحداث، بردا وسلاما بالنسبة للأغلبية المسحوقة، بينما استغلها سياسيون واستثمر فيها مستفيدون، فكانت الإفادة بلا استفادة حتما مقضيا!

ماذا لو التقت كلّ الحكومات بوزرائها وولاتها، والبرلمانات بنوابها، والمجالس “المخلية”، البلدية والولائية بأميارها ومنتخبيها، السابقون منهم واللاحقون، وحتى الأحياء و”الأموات”، وكلّ الجمعيات والأحزاب، التي عمّت عليها نعمة أكتوبر 1988؟

لن يجتمع هؤلاء وأولئك، حتى وإن ظهر المسيح الدجّال أو عاد مسيلمة الكذاب، فأكتوبر الذي انفجر لتغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وترقية القدرة الشرائية، سرعان ما تحوّل إلى كابوس مفزع، قضى على الأحلام الوردية لمعشر الجزائريين الذين تذوّقوا طعم الزمن الجميل.

..يا حسراه على سوق الفلاح.. وعلى “لوناكو” و”السونباك” و”السونيباك” و”السونيتاكس”.. يا حسراه على “لاشان الجميل” من أجل الحصول على علبة قهوة أو كيلو سكر.. يا حسراه على تضامن الجزائريين في طابور الخبز.. يا حسراه على الدينار عندما كان “بشلاغمو” وكان أغلى من “الدوفيز”!


هي، مؤشرات “تجرح وتداوي”.. فاليوم، بعد 27 سنة من “ثورة التغيير”، هناك من مازال يبحث عن “الحقيقة”، وهناك من يعرفها جيّدا، لكنه أصبح في عداد الموتى، وهناك من استفاد منها بالطول والعرض، وهناك فئات مازالت معذبة في الأرض لم تنتفع لا قليلا ولا كثيرا، وهناك آخرون “ضربوا النحّ” للحفاظ على ما جنوه وحلبوه من تداعيات 5 أكتوبر!

..نحّ وبحّ وأحّ وشحّ.. مفردات جديدة تعلمها جزائريون وحفظوها عن ظهر قلب، وألحقوها بقاموس أضحى بحاجة إلى معجم لتفسير مصطلحاته التي لا تختلف عن الطلاسم التي تحتاج إلى جهاز المورس لتشفيرها!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • الاسم

    الله يجيب الخير،آآآآآآآآآآآآآآآمييييييييييييييييين.