-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا عباد الله!.. اتّقوا الله في الأعراض

سلطان بركاني
  • 8149
  • 0
يا عباد الله!.. اتّقوا الله في الأعراض
ح. م

يتداول النّاشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الأيام مقطعا مصورا لقصّة يرويها شابّ مسلم مقيم في بلاد الغرب، تزوّج فتاة يَظهر عليها الحياء، واصطحبها معه إلى حيث يُقيم، لكنّه وخلال زيارة له إلى بلده الأصليّ فوجئ بأنّها تخلّت عنه لصالح شابّ آخر، من دون أن تطلب من زوجها الطّلاق أو تخبره بالأمر، بعد أن أخذت معها حليّها وكلّ ما تملك، وهو ما فهم منه الزّوج أنّ زوجته قد خدعته واتّخذته معبرا يحقّق لها حلمها في السّفر إلى بلاد الغرب، ثمّ تخلّت عنه بتلك الطّريقة المزرية.

هذه القصّة لقيت استهجانا واسعا في أوساط النّاشطين على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وخاصّة بين الشّباب الذين أطلق بعضهم دعوة على الأنترنت للعزوف عن الزّواج وتوفير الأموال لأجل السّفر إلى الخارج، شعارها “لن أتزوّج، سأجمع المال وأسافر”!، وهي الدّعوة التي استنكرها الأئمّة والدّعاة واستهجنها عقلاء الشّباب الذين قالوا إنّها تُخالف ديننا الحنيف وتزيد الطّين بلّة وتفتح بابا من الفساد يصعب إغلاقه، وتحرّض الشّباب –خاصّة- على سلوك طريق الرّذيلة الذي يصوّره الشّيطان بأنّه البديل الأسهل والأيسر والأقصر لطريق الزّواج الذي وُضعت عليه كثير من العقبات التي لا مبرّر لها سوى التّقليد الأعمى والرّضوخ للعادات والاهتمام الزّائد بالمظاهر الزّائفة.

 

الخيانة مرفوضة.. لكن! 

بعيدا عن أحداث هذه القصّة التي ما كان ينبغي للشّباب أن يتداولوها على مواقع التّواصل الاجتماعيّ قبل التثبّت من حقيقتها وتفاصيلها، خاصّة وأنّها تتضمّن أسماءَ وصورَ المعنيين بالأمر، وتمسّ أعراضًا لا يجوز الحديث عنها إلا ببيّنة لا تقبل النّقض؛ بعيدا عن أحداث هذه القصّة التي ينبغي للشّباب أن يُوقفوا تداولها ونشرها والخوض في تفاصيلها، فإنّ خيانة الزّوجة لزوجها، كبيرة من كبائر الذّنوب، تأباها الفطر السّليمة وتمجّها الأعراف السويّة، ولا يمكن أبدا أن تبرّر بأيّ حال من الأحوال؛ فليس يُقبل أبدا للزّوجة أن تتخلّى عن زوجها مهما كانت أخطاؤه، بسبيل آخر غير الطّلاق، وليس يسوغ أبدا أن تتخلّى عنه طلبا للمال أو لهثا خلف عرض آخر من أعراض الدّنيا، بعد أن تزوّجته وأخذت منه ميثاقا غليظا ((وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا))، ويزداد الأمر شناعة إذا كان الزّوج إنّما اختار هذه المرأة لدينها وحيائها لتكون زوجة له تحفظه في غيبته وتصونه في ماله وبيته وعرضه؛ نعم، الزّوجة ملومة ومدانة إن هي فعلت هذا أيا تكن الأسباب والدّوافع، لكنّ اللّوم الأكبر يقع على الزّوج إذا كان يهتمّ بدنيا زوجته وينسى دينها؛ يهتمّ بما يُرضيها من مُتع الحياة الدّنيا، ويتفانى في إسعادها بالملذّات والرّحلات والجولات، ويغضّ الطّرف عن دينها وحجابها، بل ربّما يؤزّها إلى التّخفيف من تديّنها حتى لا تحرجه أمام زملائه وخلاّنه، ولا يهتمّ كثيرا بصونها وحفظها عن أعين الرّجال ولا يُظهر الغيرة عليها حتى لا يُنظر إليه على أنّه منغلق ومتخلّف!، ولعلّ في مثل هذا الصّنف من الأزواج يصدق حديث المصطفى عليه الصّلاة والسّلام حين قال: “سيكون في آخر أمّتي رجال يركبون على السّروج (السيارات في زماننا) كأشباه الرّجال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهنّ كأسنمة البخت العجاف، العنوهنّ فإنهنّ ملعونات، لو كانت وراءكم أمّة من الأمم لخدمت نساؤكم نساءَهم كما تخدمكم نساء الأمم قبلكم”. (الحديث صحّحه الحاكم والهيثمي، وأحمد شاكر).

 

عندما تموت الغيرة في القلوب!

ربّما لا يماري أحد في أنّنا في زماننا هذا أصبحنا نعيش ونرى مصداق هذا الحديث النبويّ؛ آباءُ وأزواج يصلّون في المساجد ويشهدون الجمع والجماعات ويسمعون الدّروس والخطب والمواعظ، لكنّهم يُلقون الحبل على الغارب لبناتهم وزوجاتهم.. آباء يرضى الواحد منهم لابنته أن تكشف شعرها وساقيها وتلبس ما يصف عورتها، وآباء يتساهلون في إلباس بناتهم الصّغيرات القصير والضيّق، ويقولون: لا بأس هنّ لا يزلن صغيرات، فإذا كبرن ورفضن الحجاب قالوا: لا بأس حتّى يقتنعن!.. أزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أن تخرج متعطّرة قد صبغت وجهها بكمّ هائل من الألوان والأصباغ، وأبدت شيئا من خصلات شعرها من تحت الخمار، وربّما تبدي شعرها ونحرها، ويصطحبها إلى جنبه ويضع يدها في يده، ولسان حاله يقول للنّاس من حوله: “انظروا إلى جمال زوجتي”، بل ربّما يرضى أن يسمع من زملائه وأصدقائه كلمات الإعجاب بجمال وذوق زوجته!.. آباء وأزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أو ابنته أن تلقي حجابها وبعض ثيابها على شاطئ البحر بحجّة الاستجمام والهروب من الحرّ.. أزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أن يخلو بها الطّبيب في عيادته والسّائق في سيارته والبائع في محلّه.. آباء وأزواج يرضون لزوجاتهم وبناتهم أن يتمّ تصويرهنّ في حفلات الأعراس وهنّ في كامل زينتهنّ، مع علمهم بأنّ تلك الصّور ستنتقل من يد إلى يد، ومن بيت إلى بيت وينظر إليها من هبّ ودبّ.. أزواج يسمح الواحد منهم لزوجته بالعمل في مكان تُهدر فيه كرامتها، تُنهى فيه وتؤمر، وتوبّخ وتزجر، يمازحها هذا ويضاحكها ذاك، ويأمرها هذا ويزجرها ذاك، هذا يسألها عن الأكل الذي تُفضّله، وذاك يسألها عن الأغنية التي تسمعها، وآخر يسألها عن المسلسل الذي تتابعه.. أزواج وآباء يسمحون لزوجاتهم وبناتهم بمتابعة حلقات مسلسلات تنضح بكلمات الحرام والغرام، يتغنّج فيها الممثّلون ويتذلّلون في الكلام، فيميل قلب الزّوجة إلى البطل فلان ويتعلّق قلب البنت بالممثّل علان.. أزواج وآباء يسمحون لزوجاتهم وبناتهم بسماع أغانٍ تنضح كلماتها بالحبّ والغرام ووصف الخدود والنّحور والشّعور، أغانٍ كَتب كلماتِ بعضها المنحرفون، وغنّى كثيرا منها المخمورون في الملاهي والمواخير.. آباء يسمحون لبناتهم باتّخاذ الأصدقاء والخلاّن على الفايسبوك والدردشة معهم في العموميات والخصوصيات.. أزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أن تنزل كلّ يوم إلى الأسواق من غير حاجة، لتزاحم الرّجال وتساوم الباعة وتشاحنهم في الأسعار وتخضع لهم في القول وتلين في الكلام، ويمازحوها ويضاحكوها، وتتمادى في تحرّرها لتدخل محلات الأطعمة السّريعة والحلويات، لتكشف للرّجال عن مهاراتها في المضغ والبلع!. بل قد بلغ موت الغيرة في قلوب بعض الآباء والأزواج إلى حدّ رفض معه بعض الآباء السّماح لبناتهم بلبس الحجاب، وتحرّج بعض الأزواج من حجاب زوجاتهم ونظروا إليه على أنّه سبب للإزراء والحرج أمام الأصدقاء والزّملاء والخلاّن!.

 

على خطى الغربيين نسير وإلى جحر الضبّ نتّجه!

لقد تسرّبت عادات الغربيين إلى بيوت كثير من المسلمين، وماتت الغيرة في قلوب كثير من الرّجال والنّساء على السّواء؛ الآباء في الغرب الآن لا يجد الواحد منهم أيّ حرج في أن تصاحب ابنته الشّباب وتلتقيهم في المقاهي والملاعب والنّوادي، وتستقبل من تشاء منهم في بيتها، ولا يجد الأزواج هناك أيّ حرج عندما يسأله زملاؤه عن أحوال زوجته، بل يعدّ ذلك لباقة وظرافة، ولا يجد غضاضة في أن يحدّثهم عنها، ولا تجد الزّوجة حرجا في استضافة أصدقاء زوجها في غيابه، ويحصل من وراء ذلك ما تتحدّث عنه الإحصاءات التي تشير إلى أنّ أكثر من 30 % من حالات الطلاق في أوروبا سببها الخيانة الزوجية، ولعلّ هذا هو الواقع الذي تتّجه إليه بعض أسر المسلمين مع كلّ أسف.

 

لا يدخل الجنّة ديوث

هذا هو الواقع الذي تقودنا إليه ثقافة “Normal” و”ما فيها والو”، عندما ننسى أنّنا مسلمون ندين لله بدين يضبط حياتنا وعلاقاتنا، وتؤكّد نصوصه على أنّ الجنّة محرّمة على الديوث الذي لا يغار على أهله، فلا يدخل الجنّة رجل لا يأمر في بيته بمعروف ولا ينهى عن منكر، لا يدخل الجنّة رجل يرضى لزوجته أو ابنته أن تمتدّ إليها أعين النّاظرين وكلمات العابثين وأيدي اللامسين. المرأة جوهرة مكنونة، ودرّة مصونة، لا يجوز أبدا أن يخلو بها رجل أجنبيّ أبدا ولو كان أخ الزّوج، ولو كان خطيبها، لا يجوز أن تمسّها يد أبدا، لا يدُ طبيب ولا يد ممرّض، إلا لضرورة تقدّر بقدرها وفي حضور محرم من محارمها، لا يجوز أن يضاحكها أو يمازحها جار أو قريب أو زميل، ولا أن يتوسّع في الحديث معها فيما لا تدعو الحاجة إليه.

فلنتّق الله، ونحن نعيش موسم الحرّ الذي تذوب معه الغيرة في قلوب كثير من الرّجال، لنتّق الله -تبارك وتعالى- في زوجاتنا وبناتنا، وفي أعراضنا، فالعرض أغلى شيء يملكه العبد في هذه الدّنيا بعد الدّين، والسّؤال عنه يوم القيامة بين يدي الله شديد عسير، يقول جلّ من قائل: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون”، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ”.

إنّه لا خير في رجل لا يغار على أهله، ولا خير في امرأة تكره أن يغار عليها أبوها أو زوجها، يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: “كل أمة وُضعت الغيرة في رجالها، وُضعت الصيانة في نسائها”.

 

الغيرة على الأعراض مسؤولية المجتمع والدّولة أيضا

واجب علينا جميعا أن نغار لأعراضنا، ونغار لأعراض بعضنا بعضا كما نغار لأعراضنا، فلا يجوز ولا يليق لعبد مؤمن أن يرضى لأخيه المؤمن ما يكره لنفسه، من كره لابنته وأخته أن يتشبّب بها الشّباب والرّجال، فلْيكره ذلك لبنات وأخوات المسلمين، ومن أحبّ أن يغضّ النّاسُ أبصارهم عن زوجته وبناته وأخواته، فليغضّ بصره عن زوجات وبنات وأخوات المسلمين من حوله، وكما يحبّ المسلم أن يكفّ النّاس عن عرضه ويستروه في نفسه وأهله، فليكفّ عن أعراض إخوانه المسلمين من حوله، وليستر عليهم مهما كانت أخطاؤهم، ولا يسلّط لسانه بالخوض في أعراضهم وترويج القصص والأخبار التي يتداولها ضعاف الإيمان ومن ينشغلون بعيوب النّاس عن عيوبهم.

واجب على أولياء الأمور والمسؤولين أيضا أن يغاروا على أعراض المسلمين والمسلمات، ويسعوا لفرض الحجاب وتقليل فرص الاختلاط، وردع المتجرّئين على الأعراض بالكلام والهمز واللّمز؛ إلا يفعلوا فحسابهم عند الله عسير، ويزداد عسرا ونكالا إن هم ضيّقوا على الحجاب وحاصروه، وأشاعوا الاختلاط وشجّعوه، كما هو واقع الآن في كثير من بلاد المسلمين والله المستعان، يقول الله جلّ وعلا: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!