-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا لمزوق من الداخل…

عمار يزلي
  • 1838
  • 0
يا لمزوق من الداخل…

عندما يتحدث وزير السكن عن إنشاء “مدن جديدة بوهران وعنابة” ومدن أخرى قد تظهر في المستقبل! فهذا، وبقدر ما يدعو إلى الغرابة والتفاؤل بالغرابة الشرقية والغربية، يدعو إلى الضحك بدون غرابة!. ليس مرد هذا إلى طبيعة التصريح أو حتى التلميح، بل بطبيعة تداخل المفاهيم واللعب على الكلمات وتمييع المفردات من حمولتها الدلالية.

فالكل يعلم أن الجزائر لم تبن منذ 50 سنة، ولا مدينة .. ولا واحدة! ومدينة بوقزول، لا تزال حبرا على تراب!. وعليه فالمثير للضحك أن نبني مدنا في مدن! وهذا لا يسمى بناء مدن، بل أحياء! والعملية هي توسعة للمدن القديمة، والتي هي بطبيعة الحال مدنا بناها الأخ الاستعمار ابن الكلب، كثر الله خيره!. بناها لأبنائه من المعمرين الاستعماريين والكولون والأقدام السود، ليشغلها بعد الاستقلال أخوتنا من الأقدام البيض.. إخوتنا في الدين واللغة والعرق والجنسية و..(مشكل)..السكن! احتلوها كما احتل الفرنسيون ترابنا وبنوا فيه لأنفسهم، ورثناها نحن فيما بعد.

المشكل، أننا بالإضافة إلى أننا لم نبن ولا مدينة واحدة، وخربنا المدن التي يمكن اعتبارها “غنائم حرب”، قد شيدنا جيوبا سكنية في أحزمة المراكز الكولونالية تشبه قرى ومداشر داخ النسيج العمراني الحضري! فلا المدينة بقيت مدنا ولا الريف بقي ريفا! تريفت المدن وتمدن الريف! لكن بطرق عرجاء! حتى أنه لم يعد عندنا سوى قرى كبرى! قرى ريفية ذات صور عمرانية حضرية!

تشييد مدن جديدة، تطلب دراسة عمرانية سوسيولوجية واقعية، بناء على معطيات الساكنة! إي أنه قبل أن نبني ولو عمارة، علينا أن نعرف أولا من هم مشاريع ساكنيها قبل أن نخطط المشروع ذاته! فلكل ساكنة ثقافة سكنية وذهنية عمرانية يجب احترامها حتى لا نضطر عند كل توزيع سكني، أن نرغم ساكنيها على إعادة ترميم الداخل وفق ما تمليه عليهم عقلية الفضاء الداخلي المحمول في عقولهم!

ألم نلاحظ أن الساكن الجديد، لا يسكن بدون إعادة تهديم وتكسير وترقيع وترميم؟ تغيير الحجرات، المطبخ، الحمام، المرحاض، اللون، التقسيمات الداخلية بما يتلاءم مع ذوقه والوظيفة التي يراها أهلا للسكن بالنسبة له ولعائلته! . كل هذا، هو نتاج لما يسمى بفكر” تملك الفضاء”!. نحن لم نتملك الفضاء ولم يملك لنا، بل استحوذنا عليه كغنيمة حرب، والفضاءات التي بنيناها، بنيناها بهندسة وعقل غربي أورووبي، بدون إبداع ولا دراسة لعقلية الجزائري وطبيعة أصوله الثقافية والتاريخية!. السكن، هو فضاء حياة، وليس فقط غطاء رأس، مظلة شتوية أو صيفية. لهذا من الصعب أن نتحدث عن بناء مدن حتى ولو كان هذه المدن والأحياء مدنا بعمارات وناطحات سحاب. المدينة هذي إنتاج وإبداع ثقافي حضاري.

لم نر ولا دراسة لطبيعة الساكنة، قبل بناء وتخطيط السكن، وكأننا نبني عمارات وأحياء نموذجية يسكنها أيا كان! (منسوخة عن نماذج أوروبية فرنسية وإسبانية والآن، برتغالية وغدا صينية) بغض النظر عن ذوق الساكنة المختلف وجماليات الفضاء والعمران الداخلي الذي يرغب  فيه. لهذا، صارت بيوتنا على طول السنة ورشات لإعادة البناء والترميم.

الكل يعلم أننا لم نبن مدنا، بل حطمنا وهدمنا وهشمنا وخربنا مدنا، للتحول مددنا الفرنسية سابقا، إلى خرابات تهدد كل لحظة بدفن ساكنيه أحياء.. وهم أموات! مدن بعمارات مهملة منذ الاستقلال على عكس..طريقة المثل” يا المزوق من برة واش حالك من الداخل”! لأن العمارات التابعة لأملاك الدولة (سابقا)، تسيب في تسييرها إلى درجة أنها تحولت إلى “أثر قبل عين”، وفي أية لحظة قد تصبح “أثرا بعد عين”. فيما تفنن ساكنو الشقق  في تزويق وتنميق دواخلها ليصبح المثل معكوسا تماما: “يالمزوق من الداخل ، واش حالك من برة“!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!