الرأي

يذبحون الديمقراطية

صالح عوض
  • 914
  • 5
ح.م

درس كبير يبرز هذه الأثناء في باريس بلد الحريات السياسية والثقافية كما يحلو للكثيرين القول.. إنه امتحان كبير للديمقراطية بين المحكومين والحاكمين.. وإن المُشاهد للمناظر التي ترافق ممارسة المحتجين حق التظاهر يكشف عن عمق الخلل في الديمقراطية التي حسب تعريف بعض مفكري الغرب هي أحسن الأسوإ في ممارسة الحكم.
تدمير المنشآت والسيطرة على أهم شوارع باريس والعبث بالممتلكات العامة والمساس بعناوين السيادة في فرنسا يعبِّر عن خلل ما يجب أن يتم البحث عنه في زاوية ما من نظرية الديمقراطية الغربية فقد تكون هذه المظاهرات والاحتجاجات العنفية إيذانا بمراجعات عميقة من قِبل فقهاء العلوم السياسية والاجتماعية في الغرب.. ذلك لأن الخسارة ليست فقط في الجانب المادي وهي خسائر معتبرة إنما الأخطر هو خسارة المعنى والفشل في إدارة آليات الديمقراطية في بلدٍ يتباهى بأن ثورته كانت من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ثلاثة مواقف كما يبدو حتى الآن تعبر عن افتراقات عميقة بين أطراف الأزمة في فرنسا.. الموقف الأول هو موقف الحكومة التي ترى بأن فرض الضرائب ورفع أسعار المحروقات من شأنه أن يحمي الاقتصاد الفرنسي.. الموقف الثاني موقف أصحاب السترات الصفراء الذين يرون أن ذلك ليس إلا لتعميق أزمة المعيشة على المواطنين.. الموقف الثالث موقف الخبراء الاقتصاديين الذين يرون مستقبلا صعبا للاقتصاد الفرنسي قد يثقل الدولة بديون باهظة تشق على أجيال المستقبل وقد تؤدي إلى نتائج وخيمة على تركيب الدولة ودورها الدولي والإقليمي.
من الصعب أن يتقبل الفرنسيون نصائح في الديمقراطية ولكن الذي لا يمكن نكرانه أن ما يحصل في شوارع باريس منذ عدة أسابيع يعني أن عنفا وحنقا كبيرين مختزنين في صدور مئات الآلاف من المواطنين الفرنسيين الذين خرجوا إلى الشوارع في أجواء البرد والمطر للتعبير عن موقفهم الرافض لسياسات الدولة الاقتصادية.. وإن كانت أساليبهم تتطرف أحيانا إلى ممارسات تتجاوز حدود المعارضة السلمية، وفي المقابل تجندت الدولة بكل إمكاناتها لقمع الشغب إلى درجة أن الدبابات والمدرعات نزلت إلى شوارع باريس تماما كما كان يحصل في الدول العربية التي تعرضت لمظاهرات عارمة من قبل الشعب إلا أن هناك فارقا واحدا فقط وهو أن المظاهرات العنفية التي قامت في البلدان العربية باسم الربيع العربي كانت تجد دعما خارجيا دوليا وإقليميا الأمر الذي أفقدها قيمتها السياسية والمعنوية.
هل فشلت الديمقراطية الفرنسية في امتصاص الأزمة؟ ما هو التعديل المفترض: هل سيكون إعلان حالة الطوارئ كما يتم في بلدان العالم المتخلفة؟ في انتظار نتائج المواجهات بين المتظاهرين الشرسين والدولة العنيدة ستكون مبادئ الديمقراطية على المحك..

مقالات ذات صلة