يفضلون الذلة على العزة
ما قامت به دولة أنغولا في الأيام الأخيرة، أو على الأقل بعض الأنغوليين- كما زعمت الحكومة الأنغولية- جاوز في أحقاده ما قام به الرسامون الكاريكاتوريون الدانماركيون، والدولة العبرية، الذين تطاولوا على خير خلق الله وعاثوا فسادا وخرابا في بيت المقدس..
فهذه الدولة التي لم تجد في معارك التحرّر التي خاضتها ضد الاستعمار البرتغالي، غير الجزائر وليبيا، اللتين ساعدتاها عسكريا بالعتاد والجنود. وعندما اندلعت نار الفتنة واشتعلت الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مليون أنغولي، أغاثتها الدول الإسلامية. ولما استقلت عام 1975 لم تجد غير الجزائر، التي دعّمتها ماديا فأنجزت لها المدارس والطرقات، إلى درجة أن الرئيس الأنغولي السابق “أغوستينو نيتو” اقترح تحويل تاريخ استقلال أنغولا من الحادي عشر نوفمبر إلى الفاتح من نوفمبر، حتى يتزامن مع تاريخ الثورة الجزائرية، ولكن ما زرعه هواري بومدين ومعمر القذافي في هذا البلد اقتصر على المساعدات المادية، فلم تمض سوى أقل من أربعين سنة حتى جاءت الطعنة، في سابقة فريدة من نوعها، وهي إعلان البلد حربه على الإسلام بتهديم الجوامع التي لا يزيد عددها عن الثمانين مسجدا، بحجة أن الإسلام يتعارض مع عادات وتقاليد الثقافة الأنغولية التي هي في الأصل عدم، بدليل أن أول ديوان شعر أنغولي من رئيسها السابق، تم طبعه في الجزائر التي تكفّلت بترجمته إلى عدة لغات وتوزيعه في دول العالم.. ولا نفهم كيف أن الإسلام يتعارض مع ثقافة هذا البلد، ولا تتعارض الكاثوليكية التي هي ديانة غالبية الشعب الأنغولي مع هذه الثقافة التي هي خليط بين البدائية والإلحاد.
صحيح أن الإسلام جاء للبشرية كافة، وصحيح أن لا فرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، والتاريخ يشهد أن أول من احتضن الدين الحنيف هم المستضعفون في الأرض من الذين استعبدهم الأثرياء والأقوياء وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، فدخلوا في دين الله أفواجا، بعد أن منحهم الإسلام العزة التي حرمتهم منها بقية الثقافات العالمية والأديان السماوية المُحرّفة، لأجل ذلك بدا حقد بيض الدانمارك أو الصهاينة أو بعض الأوربيين مفهوما تجاه دين قدّم البديل الحضاري، ولكن ما قامت به هذه الدولة التي تمزقها الأمراض صدمنا، أما الطامة الكبرى، فهي صمت الحكومات الإسلامية التي يدافع بعضها عن “سنّة” سوريا المضطهدين، وآخر عن “شيعة” البحرين المنبوذين، وأيضا صمت علماء ودعاة قلبوا الدنيا وسافروا إلى بلد الشقراوات وحسان الخِلقة الدانمارك، في قضية الإساءة إلى خاتم الأنبياء، ولم يعيروا ما حدث في أنغولا أي اهتمام رغم خطورته، لأن المنطق يقول إن جرأة الصغار عليك ستجرك إلى استبداد وطغيان الكبار.
لقد ناضل المسلمون على مدار التاريخ ضد كل صور التمييز العنصري الذي عانى منه الأفارقة في أمريكا وأوربا وحتى في ديارهم. وانتقد العرب منذ العصر العباسي شاعرهم الكبير أبا الطيب المتنبي عندما هجا كافور الإخشيدي بقوله: “لا تشتر العبد إلا والعصا معه … إن العبيد لأنجاس مناكيد”. وحذفوا هذا البيت من المقررات الدراسية الخاصة بشاعر العرب الأول، ولكن ما قامت به أنغولا أو لنقل بعض الانغوليين من دون أي سبب يؤكد أن الحرب على الإسلام ليست قضية أوروبية أو أمريكية أو صليبية أو يهودية.. وإنما صارت قضية الجميع؟