”حروب الأحياء”.. إلى متى؟
بعد”هدنة” قصيرة لم تدم إلا أشهراً قليلة، عادت “حروب الأحياء” بين الشباب إلى الواجهة مجدداً من خلال وقوع مواجهات دموية في عدة أحياء بالعاصمة خلفت عشرات الجرحى وتخريب العديد من أملاك المواطنين، كما امتدت المواجهات إلى حيّين بقسنطينة منذ أيام وأوقعت 38 جريحاً.
وكالعادة، وقعت هذه المواجهات بالسيوف والسكاكين وإشارات البواخر والعصيّ والحجارة… وفي كل مرة تدوم المواجهات ساعات طويلة من الليل، وقد تمتدّ إلى مطلع الفجر أحياناً قبل أن يتدخل الأمنُ لإخمادها.
ولعلّ الأسئلة الملحّة التي يطرحها أيّ مواطن بهذا الصدد هي: أين الدولة؟ ولماذا تتلكأ في مواجهة هذه الآفة المتنامية منذ سنوات بكل قوة وحزم؟ ولماذا تنتشر الأسلحة البيضاء بهذا الشكل المُرعب في صفوف آلاف الشبان عبر الوطن..؟
المواطنون قلقون جدا من عودة “حروب الأحياء” ويتبادلون أحاديث تدور كلها حول التشكيك في نوايا الدولة، وتعمّدها ترك هذه الآفة تتوسّع قصد”إشغال المواطنين ببعضهم البعض” عن السياسة وغياب الرئيس وتفشي الفساد وتنامي البطالة والأزمات المعيشية… حيث ينسون كل هذه القضايا ويصبح توفير الأمن لأنفسهم وأحيائهم السكنية هاجسَهم الأول.
المفروض أن تتحرّك الدولة بفعالية كلما وقعت مواجهاتٌ ببعض الأحياء التي تحوّلت بمرور الوقت إلى بؤر للصراع بين الشباب لأسباب مختلفة، وأن توعز للأمن بالتدخل السريع والحازم لوضع حدّ للفوضى وفرض الأمن على الجميع، ولكن عدم حدوث ذلك واستمرار المواجهات بين شبان الأحياء حتى الفجر في غالب الأحيان، جعل الكثير من الناس يحاولون التكفل بأمنهم بأنفسهم ومساعدة أبناء حيّهم على تأمين الحي، وهم يتسلّحون بأسلحة بيضاء وبالحجارة وبكل شيىء يصلح لـ”القتال” ورشق المعتدين من شباب الأحياء الأخرى به.
إلى هذا الحدّ انحدرت السلوكات والعلاقات الاجتماعية في المجتمع؛ فبدل أن يعيش الجميعُ متآخين آمنين على أنفسهم وأطفالهم وأملاكهم، أصبح الناس يعيشون في قلق وخوف، لأن الأمن غير مستتبّ والأحياء الشعبية الآن قد استعادت وظيفة القبائل العربية قديماً وأصبحت تشنّ “غارات” ليلية بالسيوف على بعضها البعض بدوافع الثأر والانتقام، وعوض التعصب للقبيلة، حلّ محله التعصّب للحيّ أو “الحومة”..
الدولة هي الوحيدة المخوّلة قانوناً بحمل السلاح واحتكاره قصد بسط سيطرتها وفرض الأمن على الجميع، وتوفيره لكل الناس، ولكن الحاصل أن كلّ من هبّ ودبّ أصبح يحمل خنجراً أو سيفاً بطول متر، ويتباهى به على الملأ، ويعتدي به على من يشاء، دون أن تسعى الدولة جديا إلى معالجة الآفة ووضع حد لها و”نزع سلاح” الجميع، وتوفير الأمن بنفسها لكل المواطنين.
المواطنون يتحرّقون شوقاً إلى رؤية “عمليات تمشيط” واسعة بمختلف بؤر الإجرام ضد المنحرفين وحمَلة السيوف والخناجر الذين يهاجمون مختلف الأحياء الشعبية ليلاً ويروّعون الآمنين وخاصة النساء والأطفال إلى مطلع الفجر، هذه الآفات يجب أن تتحرك الدولة بحزم لتضع لها حدّا في أقرب وقت، وإلا لماذا يدفع المواطنون الضرائب المختلفة إذا كانت الدولة لا تتكفل بأمنهم و”تتنازل” لهم عن هذه المهمة الخطيرة التي يجب أن تحتكرها؟
هذه المظاهر الغريبة تهدّد النسيج الاجتماعي بالتفسّخ، وتنذر بالمزيد من الفوضى وتصاعد معدّلات الإجرام، والحل بيد الدولة وحدها.