الرأي

‮”‬ذباب‮”‬‭ ‬حول‭ ‬عسل‭ ‬الثورات

الشروق أونلاين
  • 8022
  • 17

من يصدّق أن الولايات المتحدة الأمريكية دعّمت ثورة التونسيين وباركت هروب الرئيس “المسالم” زين العابدين بن علي الذي كانت تقول له كن ..فيكون؟ ومن يصدق أن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت ثورة المصريين وباركت تنحّي الرئيس “الخانع” حسني مبارك الذي كانت تقول له أنا ربك الأعلى ..فيكون أول الساجدين؟ ومن يصدق الآن أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم ثورة الليبيين وتبارك سقوط الرئيس “المخبول” معمر القذافي الذي كانت لا تقول له أبدا لأنه يفعل مالا تحلم به؟ ومع ذلك تحاول الولايات المتحدة تبنّي المواليد الجدد كما فعلت سابقا‭ ‬وفعلت‭ ‬معها‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬اللذان‭ ‬أناما‭ ‬الثورات‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬حضانة‭ ‬مزمنة‭. ‬

الذين تابعوا خطابات زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي تزامنا مع الثورات، عليهم أن يعلموا أن أوباما وكلينتون تكلما أكثر من رؤساء يعلمون أن ما يقولونه هو آخر طلقات المفردات في حياتهم، والمشكلة أن بعض الشعب وكل الزعماء العرب على يقين بأن ما يحدث حاليا في العالم‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬تنفيذ‭ ‬لأجندة‭ ‬أمريكية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬وهم‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬سيقود‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬تونس‭ ‬أو‭ ‬ليبيا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أسوأ‭ ‬للأمة‭ ‬وأحسن‭ ‬لأمريكا‭ ‬من‭ ‬السابقين‭.‬
عرض الولايات المتحدة لخدماتها للمعارضة الليبية هي محاولة لقيادة قطار هي أعلم الناس بأنه زفّر في غفلة عنها، وإذا كان ملوك ورؤساء العالم العربي حاليا في حالة إسهال دائم خوفا من عدوى الغضب الشعبي فإن زعماء الكيان الصهيوني في حالة إمساك لم يسبق وأن عاشوها منذ بعث دويلتهم التي صارت الآن في خطر مادامت الشعوب هي الحاكمة لأول مرة. إسرائيل التي خسرت باعترافها حرب تموز 2006 وعجزت عن تحقيق مرادها من حربها على غزة هي بالتأكيد أكبر الخاسرين من الثورات الأخيرة حتى لا نقول إنها وجدت نفسها كالأطرش في زفة الشعوب، والقول بأنها صاحبة الطبخة هو أشبه بالخبل الذي ألبسناه معمر القذافي وتأكيد على أن مركّب النقص من هذه الدويلة ما زال يسكننا إلى درجة أن هناك من قال إن موسادها هو من أزاح مبارك الذي خدم إسرائيل أكثر مما خدمها بن غوريون وشامير وشارون وحتى الموساد.
فرحة الملوك والرؤساء العرب بتبريكات أوباما على سخائهم المالي على شعوبهم وفتح مجالات التعددية ورفع حالة الطوارئ وقبول المعارضة في زمن الخوف من العدوى الشعبية هو دليل قاطع على أنهم مازالوا يؤمنون بأن أمريكا هي التي “تُحيي وتُميت” ودليل قاطع على أنهم مازالوا يكفرون بشعوب هي التي أحيت الآمال وقتلت اليأس .. قد يكون زين العابدين جبانا فرّ مع أول تهديد شعبي، وقد يكون حسني مبارك مغفلا لم يعرف قيمة وإرادة شعبه، وقد يكون معمر القذافي مخبولا فقد بوصلة المكان والزمان، لكن أن نتوهّم أن أمريكا هي من حركت الشعوب لتفجير هذه‭ ‬المصحة‭ ‬العقلية‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬الأمة‭ ‬فذاك‭ ‬هو‭ ‬الجبن‭ ‬والغفلة‭ ‬والخبل‭ ‬الأكبر‭.‬
الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬بن‭ ‬باديس‭ ‬قال‭ ‬منذ‭ ‬ثمانين‭ ‬سنة‭ ‬‮”‬لو‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬فرنسا‭ ‬قل‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬قلتها‮”‬‭ ..‬أما‭ ‬آن‭ ‬لحكام‭ ‬وشعوب‭ ‬أن‭ ‬يعلنوها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أمريكا؟

مقالات ذات صلة