16 مليون قنطار من البرتقال سنويا و20 بالمائة يُرمى في المزابل!
أجمع فلاحون ومختصون في القطاع الفلاحي، أن شعبة الحمضيات في الجزائر شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، إذ توسعت المساحات المنتجة للبرتقال والليمون، و”الماندرين”، إلى 80 ألف هكتار، ويتم التطلع لبلوغها 100 ألف هكتار خلال الثلاث سنوات القادمة، وشهد عام 2024 زيادة بنسبة 60 بالمائة في الإنتاج، وفائضا بـ20 بالمائة، بعد تسجيل 16 مليون قنطار العام الماضي، وهو ما يفتح آفاقا واسعة للتصدير وتشجيع الصناعات التحويلية.
في هذا السياق، أكد أحمد مالحة، مهندس وخبير في الزراعة، على هامش صالون الحمضيات بالغرفة الوطنية للفلاحة بالصنوبر البحري، أن التطور الملحوظ في هذه الشعبة، يرجع إلى جهد الفلاحين وتوسُّع المساحات المغروسة المنتجة، إلى 80 ألف هكتار، وهو ما ساهم في زيادة الإنتاج، وطريقة الغرس التي اعتمدها الفلاحون، لتبقى العديد من أنواع البرتقال إلى غاية الصيف.
وأوضح مالحة، أن الغرس الكثيف، من بين الإيجابيات التي تقف وراء زيادة الإنتاج، إذ كان الفلاحون يغرسون 300 شجرة في الهكتار الواحد، واليوم أصبحوا يغرسون من 800 إلى 1000 شجرة في الهكتار، فوصل إنتاج هكتار واحد إلى 300 قنطار بعد أن كان يعطينا 100 قنطار.
البليدة.. إنتاج 1.7 مليون قنطار سنة 2024
وتحدّث أغلب الفلاحين المشاركين في صالون الحمضيات بمقر الغرفة الوطنية للفلاحة بقصر المعارض نادي الصنوبر، عن تحديات التغيرات المناخية، واستخدام المياه المطهَّرة لسقي أشجار الحمضيات، وأهمية الحمضيات في النظام الواحاتي، وعن مشاكل الفائض في الإنتاج وشبكة التوزيع وتثمين منتج الحمضيات في إطار الفلاحة التعاقدية.
وأكد رشيد جبار، رئيس الغرفة الفلاحية لولاية البليدة، أن إنتاج هذه الولاية وصل هذه السنة إلى أكثر من مليون و700 ألف قنطار، وتتربع مساحة الحمضيات في البليدة على 20 ألف هكتار، ينشط فيها ما يقدر بـ4 آلاف فلاح.
البرتقال بـ25 دينارا فقط
وقال جبّار إن نسبة 20 بالمائة من المنتج يضيع أو يرمى في المزابل، إذ رغم الجهد الذي يقوم به الفلاحون، إلا أنهم يجدون مشاكل في عملية التسويق، مؤكدا أن أجود أنواع البرتقال بيعت في الحقول بـ25 دينارا و30 دينارا فقط للكيلوغرام وفي أسواق الجملة بـ40 دينارا و50 دينارا، ولكن هناك بعض الوسطاء يسوّقونها للمستهلِك بمبالغ تتعدى 150 دينارا للكيلوغرام!
وقال الفلاح عبد القادر زايدة، صاحب مستثمرة فلاحية بولاية تيبازة، خاصة بالحمضيات مساحتها الحالية 20 هكتارا، إن الفائض مشكلة مطروحة، فبالنظر إلى رغبته في توسيع مستثمرته، يطالب برفع العراقيل عن المستثمرين، كما دعا إلى ذلك رئيس الجمهورية، وأكد أن الفلاحين مثله الذين يساهمون في زيادة إنتاج الحمضيات، يريدون اليوم التنسيق بين الصناعة والفلاحة، لتفادي الخسائر.
وأفاد أن توفير الضمانات لحماية المنتج وتسويقه، سيحافظ على كميات الإنتاج نفسها سنويا، أو زيادتها، موضحا أن ضمانات الحماية لا يعني التأمين، ولكن الربط المستمرّ بغرفة الفلاحة والاستمرار في خلق حلقات تسويق، وتعاونيات فلاحية لمختلف الشُّعب.
الفلاحة التعاقدية لحماية فائض الإنتاج
وأكد رشيد مسعودي، الأمين العام للغرفة الفلاحية ببومرداس، أن الإنتاج وصل إلى 60 بالمائة للحمضيات في الولاية، وما زالت عملية الجني لم تنته، إذ أنّ هناك تخوفا من ضياع كميات منها في المزابل، فقد أصبح الفلاحون يحتاجون إلى مصانع تحويلية.
واقترح بعض الفلاحين الاعتماد على الفلاحة التعاقدية مع الفلاح ومصانع العصائر، للاستمرار في إنتاج الحمضيات بمستوى السنة الحالية نفسه، إذ أكد المهندس أحمد مالحة أن العصائر الطبيعية باتت محل اهتمام المستهلِك الجزائري بعد المشاكل الصحية التي أحدثتها عصائر مستوردة ومكونة من مواد كيميائية، وقال إن الفلاحة التعاقدية يمكن أن تشجّع فلاحا مثلا على إنتاج 100 هكتار برتقال دموي مخصَّص لصناعة العصائر الطبيعية.
ويرى أن الوقت قد حان للمتعاملين والمصدِّرين قصد البحث عن أماكن لتسويق البرتقال في العالم، لأن بلدانا مثل المغرب ومصر لديها متعاملين في الخارج، ما يجعل وضع إستراتيجية كبيرة لاستهلاك الحمضيات وتحويلها وتصديرها أحد التحديات القادمة.
تخوفات من التقلبات المناخية وشحّ الأمطار
وأفاد أحمد مالحة، أن تغير المناخ تسبَّب العام الماضي، في تراجع منتج الحمضيات إلى 20 بالمائة فقط، لذلك لابد من البحث عن كيفية التأقلم مع المناخ، من خلال البحث العلمي والإرشاد والتكوين حتى يكون للفلاح مستوى معرفي حول كل الظروف المحيطة بفلاحة الحمضيات.
ويرى مالحة أن التوجه نحو الصناعة التحويلية والتصدير، واللجوء إلى طرق عصرية لمواجهة الجفاف والتقلبات المناخية، من بين الحلول لاستغلال الفائض في الحمضيات، والمحافظة على الإنتاج، ولحماية الفلاحين من الخسائر عند انهيار الأسعار.
من جانبه، قال رشيد مسعودي، إن ولاية بومرداس هي الرابعة وطنيا في إنتاج الحمضيات، ولكن للاستمرار في زيادة الإنتاج، لابد من التفكير في مواجهة التقلبات المناخية وشح الأمطار من خلال مزيد من حفر الآبار واستغلال الجيد للسدود، ويرى أن منسوب المياه الجوفية يتراجع من حين إلى آخر، وعلى هذا يجب الاعتماد على تقنيات وطرق جديدة وذلك بالتنسيق مع مراكز البحوث الفلاحية والجامعات.
وفي السياق، أوضح جعلاني الحاج، رئيس الغرفة الوطنية لولاية عين الدفلى، أن شعبة الحمضيات عرفت تطورا ملحوظا، لأن هناك استثماراتٍ كبيرة في هذه الشُّعبة، ولكن يبقى هاجس التقلّبات المناخية، مما يستدعي تدابير مستقبلية للمحافظة على هذا الاستثمار والمساحات الكبرى الخاصة بإنتاج الحمضيات.
من جهته، قال أحمد خلوفي، ممثل شعبة الحمضيات بولاية تيزي وزو، إن الولاية تتربّع على مساحة 1525 هكتار مُنتِجة للحمضيات، وقد كان محصول السنة الماضية 360 ألف قنطار، لكن المشاكل المتعلقة بالتقلبات المناخية ونقص مياه السقي، أدى إلى تفكير بعض الفلاحين في العمل مع الجامعات لإيجاد حلول حماية وتقنيات جديدة في السقي، قصد تقليص استهلاك الماء وربح الوقت، والحفاظ على النوعية وكمية الإنتاج.
مستقبلٌ واعد للحمضيات في صحراء الجزائر
البحثُ عن حلول للحفاظ على إنتاج الحمضيات كمكسب اقتصادي جزائري، لا يتوقف على ولايات الشمال، فالجنوب أدخل هذه الحمضيات في نظام الواحات، وخاصة أن أقطابا فلاحية كبيرة ستثري الفلاحة الصحراوية، وتزيد من حجم إنتاج الخضر والفواكه.
وفي هذا السياق، أكد رابح ولد هدار، رئيس الغرفة الفلاحية لولاية غرادية وعضو المجلس الإداري للغرفة الوطنية للفلاحة، أن إنتاج الحمضيات للعام الماضي، فاق 30 ألف طن في غرادية، وغطت الاحتياجات، وأصبحت الولاية مميزة في زراعة هذه الأنواع الفلاحية التي تدخل في النظام الواحاتي، لتوفيرها مناخا خاصا ويجعلها تتأقلم مع المنطقة.
وأوضح أن الحمضيات تحتاج إلى نظام خاص يحميها من الرياح الحارة، فتغرس أشجارها تحت النخيل، وتفيد في توازن النظام الواحاتي، وزراعة الحمضيات أثبتت منذ سنوات نجاحا في الصحراء، إذ أنها خالية من الأمراض ولا تُستعمل في إنتاجها المواد الكيميائية، لأن الفلاحين يعتمدون على مواد عضوية.
وأكّد محدّثنا أن أنواع حمضيات الجنوب أجود وإنتاجها أقل، وتدخل مبكرا إلى السوق مع بداية شهر أكتوبر، وتختفي في شهر جانفي كآخر مرحلةٍ لجنيها، مضيفا أن التفكير في التصدير حاليا غير ممكن، لأن الكميات قليلة والطلب عليها كبير بعد اكتسابها نوعية وسمعة جيدة في السوق المحلية.
ويرى أن التفتح على السوق العالمية سيكون بعد تحقيق الآفاق الإستراتيجية للفلاحة في الجنوب، ومن خلال أقطاب كبيرة للإنتاج الفلاحي الصحراوي.
من جانبه، قال مستثمرٌ فلاحي في الحمضيات، يُدعى عبد الرحمان بن عبد الرحمان، إن المساحات الإجمالية في المنيعة بلغت 1482 هكتار، ويفوق الإنتاج السنوي 21297 قنطار من البرتقال، و28 ألف قنطار من الحمضيات الصغيرة، كما تعرف الولاية تنوُّعا في حمضيات “البامبلموس” مثل “السيدراتي”.
اكتفاء ذاتي وزيادة في الإنتاج
أكّد الكثير من الفلاحين الذين تحدثت إليه “الشروق”، أن فائض إنتاج الحمضيات لهذه السنة، يمثل نسبة 20 بالمائة، إذ قال الحاج جعلاني، رئيس الغرفة الفلاحية لولاية عين الدفلى، إن الجزائر حققت اكتفاءً ذاتيا غير معهود، يغني عن الاستيراد من الخارج، لكن لابد من تدابير مستقبلية للمحافظة على هذا الاكتفاء، معلقا بالقول “المنتج كبير ولم تعد تسعه السوق الجزائرية.. غير أن الفائض قد يضرّ الفلاح بانهيار الأسعار”.
وفي السياق، أبدى يخلف بن شعلال، فلاحٌ في تعاونية ببجاية، فرحته بالفائض في منتج الحمضيات، متأسفا في الوقت ذاته من الأسعار التي تصل إلى المستهلِك، وأكد أن الكيلوغرام من النوعية الجيدة للبرتقال يباع بـ70دينارا ويصل إلى 200 دينارٍ عند تجار التجزئة، في حين دعا عمر يكن، فلاح حمضيات بولاية بجاية، إلى حماية أنواع البرتقال الأخرى، كـ”الدموي” الذي تفادى الكثيرُ من الفلاحين زرع أشجاره بسبب أن موسم إنتاجه يتأخر إلى شهر ماي، والأفضل الاستثمار في برتقال” الطامسو”، و”الكليمونتين”.
وأكد الأمين العام للغرفة الفلاحية ببومرداس، رشيد مسعودي، أن منتج برتقال “الطامسون” تصدَّر قائمة إنتاج الحمضيات هذه السنة، ولكن ولاية بومرداس، عرفت أنواعا جديدة من الحمضيات سواء في البرتقال أو اليوسفي، يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي إلى غاية جوان القادم، لكن يبقى الماء شرطا أساسيا للحفاظ على هذا المنتج.
وأبدى الفلاح أحمد خلوفي من تيزي وزو، تخوفه من اختفاء بعض أنواع الحمضيات، مثل البرتقال الدموي، الذي قال إن بعض الفلاحين أهملوا بساتينه، رغم أنه نوعٌ مطلوب ويُستفاد منه في صناعة العصائر الطبيعية، مشيرا إلى أن بعض البرتقال يتم قطفه في شهر مارس، وآخر يبقى إلى شهر جوان.
وقال المستثمر الفلاحي في الحمضيات بولاية تيبازة، عبد القادر زايدة، إن مزرعته تتميز بإنتاج كميات من البرتقال المميز، وحافظت على الصنف الداخلي الذي يعود إلى قرون من الزمن في الجزائر، مثل برتقال القشرة الرقية “لبوفين” التي لها طعم حلو واستثنائي، وهو برتقال أصيل في بلادنا.
وأكد أن الحفاظ على أنواع البرتقال هو السبيل لتحقيق اكتفاء ذاتي على طول العام، ويغني عن تلك الحمضيات الهجينة التي تأتي من الخارج وتفتقر إلى طعم مميز ومستحبّ.
وحسب الجولة الاستطلاعية لـ”الشروق” في صالون الحمضيات، فإن الكثير من أصناف البرتقال كانت موجودة وعلى رأسها “الطامسون”، مثل “فالوسيا” و”ولكينغ” و”الدموية” و”هاملا” و”جافا” و”وشيغتون” وشارك 120 منتجٍ للحمضيات في الصالون الجهوي لمنطقة الوسط الخاص بهذه المنتجات الفلاحية، تحت شعار “الحمضيات.. تثمين الموجود لمستقبل موعود”، إذ توفر ولايات الوسط التسعة ما نسبته 60 بالمائة من الإنتاج الوطني في هذه الشعبة، وهذا حسب معطيات الغرفة الوطنية للفلاحة.