الجزائر
فرنسا وظّفت الكيماوي في جريمة 1852

3800 جزائري أبيدوا حرقا بالأغواط!

الشروق أونلاين
  • 13612
  • 17
الأرشيف

كشف الإعلامي المخضرم “عبد القادر مام” عن حيثيات جريمة الإبادة التي اقترفتها فرنسا في الرابع ديسمبر 1852، وأسفرت عن استشهاد ما يربو عن 3800 جزائري حرقا في مدينة الأغواط!

لدى عرضه لقطات من فيلمه الوثائقي الجديد “أوجاع الذاكرة” بالمسرح الوطني الجزائري، نقل “مام” شهادات حية عن حقيقة المجزرة البشعة التي ارتكبها المحتل القديم قبل 164 عاما. 

وجاء في شهادات باحثين وناشطين إنّ منطقة الأغواط التي ظلت مستعصية على الفرنسيين، بقي أبناؤها يقاومون بضراوة تحت قيادة الأمير عبد القادر، والأمير خالد، إضافة إلى الأشقر الملثّم “الناصر بن شهرة”، هذا الفارس الفذّ والغامض الذي لقنّ المحتل القديم دروسا في المعارك، وأحبط هجمات الجنرالين “لادميرو” و”ماري مونغ” على منوال المعركة التي انتصر فيها “بن شهرة” مطلع ماي 1844، حين قضى على حامية زاد عدد مقاتليها عن الـ 1700، واستمر صمود المقاومة إلى غاية عامي 1851 و1852.  

وذكرت مراجع مطلّعة إنّ الأغواط بقلاعها المرتفعة وبوّاباتها شكّلت لغزا محيّرا لكبار جنرالات فرنسا، فأعدّت الأخيرة ترسانة عسكرية ضخمة بقيادة الجنرالات “يوسكارين”، “ماريموش” و”بريسييه”، وجرى فيها تجنيد 65 ألف عسكري بينهم 1200 من زبانية العميل “حمزة”، وفق وثيقة أمضاها الجنرال “دي باراي”، وقام هؤلاء بفرض حصار مشدّد على الأغواط على طرفي ضريح الولي الصالح “سيدي الحاج عيسى” و”رأس العيون”.

وتقول إفادات متوافرة على مستوى متحف المجاهد بالأغواط، إنّ الحصار بدأ في 22 نوفمبر 1852، لكن الغزاة لم يتمكنوا من تحقيق أي تقدّم، وعبثا سعى الجنرالات الثلاثة لإقناع المقاومين بالاستسلام، حيث قتل الأغواطيون اثنين من مبعوثي فرنسا، وأرسلوا خطابا قويا إلى المحتلين: “نفضّل الموت تحت أسوار المدينة على رفع الرايات البيض”. 

 

إرهاب الكلورفوروم + المحرقة 

أكّد الباحث “عبد الكاظم العبودي” إنّ الفرنسيين استخدموا مادة “الكلورفوروم” الكيميائية في هجومهم النهائي على الأغواط صباح الرابع ديسمبر 1852، واتكئ البروفيسور على التقرير الذي أرسله “بودانوس أوكسينال” إلى الماريشال “فيالاتيه” وضمّنه تفاصيل استخدام “الكلوفوروم”، وهو مركب عضوي ثلاثي أكّد فعاليته في تنويم المحاصرين وشلّ أعضائهم، قبل أن يتم وضعهم في أكياس وحرقهم أحياء، وجميع الحيثيات مدوّنة في ملف من 54 صفحة لا يزال موجودا في مركز الأرشيف الفرنسي.

وأشار “عبد القادر مام” في فيلمه الوثائقي المذكور إلى محرقة مريعة نفذها الغزاة، فعلى خلفية لجوء سكان الأغواط إلى مغارة واسعة، ذكر “عيسى بوقرين” الباحث في التاريخ  إنّ الجنرالات الثلاثة كلّفوا زبانيتهم بجمع أكداس السنابل التي جرى استخدامها في غلق كافة منافذ المغارة، وجرى إشعال النيران ما أدى إلى احتراق 3600 جزائري (فرنسا تشير إلى 2300 ضحية)، في جريمة فظيعة استبقت أفران النازية. 

وأفيد إنّ نحو مائتين من أبطال الأغواط استشهدوا في المعارك التي أسفرت عن مصرع الجنرال “بوسكارين” وعشرة من كبار ضباطه، في وقت يشير مؤرخون إلى استنزاف غالبية سكان الأغواط (كانت تستوعب 4800 نسمة حينذاك)، والترهيب الذي مارسته فرنسا، وإلقائها أزيد من 250 مقاوم في الآبار وحرقهم أحياء، فضلا عن تنكيلها بخيرة علماء “الأغواط”.

 

رائحة الموت تواصلت 6 أشهر 

قال متدخلون في وثائقي “أوجاع الذاكرة” إنّ الجثامين كانت لا تعد ولا تحصى والكلاب تنهشها، وبقيت رائحة الموت مهيمنة لنحو ستة أشهر، حتى أنّ أحد الفرنسيين روى في مذكراته “الجثث تعيقنا عن السير”، وتحدث عن وضع الناجين في محتشد.

وسجّل “تيودور بان” في كتاب “رسائل عائلية”: “المجزرة كانت فظيعة، ونابليون الثالث افتخر بحصار الأغواط”، محيلا على إمعان قادة فرنسا في المزيد من القسوة لإخضاع بقية زعماء القبائل، في حين نعت “جيل مونسروا الباحث الفرنسي إلى تنفيذ بلاده “حرب عصابات في بلد كرّس لغة البطولة، فالنساء كان ينسجن على منوال أزواجهنّ الشهداء، ولفت الباحث “البشير بديار” إلى أنّ سلاح المدفعية هو الذي أسقط الأغواط. 

ويحيل “بديار” المتخصص في الأدب الشعبي، إلى المقولة الراسخة “الأغواط زينة أفسدها الزيش الفرنسي”، تعليقا على منطقة حيوية شوّهها إجرام المحتلّ القديم.

ومنذ أن بناها العرب سنة 850 ميلادي، تموقعت “الأغواط” كمركز تجار تبعا لإستراتجيتها جغرافيا، ما جعل القوافل تستغلها كمعبر، على نحو أثار اهتمام الفرنسيين تبعا لمكانة الأغواط على صعيد مراقبة تحركات السكان داخل الجزائر وعلى مشارف القارة السمراء، وقيمتها في تموين جيوش فرنسا.

مقالات ذات صلة