الجزائر
قانون المالية لسنة 2019 يدخل حيز التطبيق رسميا

495 ألف مليار لشراء السلم الاجتماعي وضمان الأجور!

سميرة بلعمري
  • 13908
  • 8
أرشيف

أعطت الحكومة بصفة رسمية إشارة العمل بقانون المالية الجديد لهذه السنة، الأربعاء، بصدوره في الجريدة الرسمية، هذه السنة التي يرتقب أن تكون متميزة وحبلى بالأحداث السياسية، الاقتصادية، وحتى الاجتماعية، وسط غموض كبير مازال يلف الساحة السياسية على بعد أيام قليلة جدا عن آجال استدعاء الهيئة الناخبة لرئاسيات 2019 وتخبط حكومي في مواجهة الوضع الاقتصادي والمالي الذي ذهبت العديد من التنبؤات والتقارير إلى أنها ستكون الأصعب ماليا منذ بداية الأزمة في منتصف سنة 2014.
صدر قانون المالية للسنة الجارية في الجريدة الرسمية، الأربعاء، إيذانا بتطبيق مختلف التدابير المتخذة لمحاربة التهرب الضريبي وتشجيع القطاع الصناعي والتحكم في فاتورة الاستيراد، وبصفة عامة تأطير السنة المالية، وفق إطار حذر للاقتصاد الكلي وميزانية بانخفاض طفيف مقارنة بالسنة الماضية مع الإبقاء طبعا على السياسة الاجتماعية أو ما يعرف بالتحويلات الاجتماعية عند مستوى عال جدا، وإن كانت ترتيبات وإجراءات الجهاز التنفيذي تفادت الأسوأ عندما تمسكت بسعر مرجعي لبرميل البترول عند 50 دولارا رغم اقتراحات رفعه إلى حدود 60 دولارا للبرميل، إلا أن مؤشرات سوق النفط تؤكد تقارير بعض المؤسسات المالية التي توقعت أن سنة 2019 ستكون الأصعب على الإطلاق بالنسبة للجزائر.

اجراءات ووضعية مالية صعبة

الحكومة التي خصصت 1763 مليار دينار للتحويلات الاجتماعية بما يعادل 21 بالمائة من الميزانية العامة، وجعلت ميزانية التجهيز عند 3602 مليار دينار من أرصدة الدفع و2600 مليار دينار من رخص البرامج الموجهة للمشاريع الجديدة وإعادة تقييم السابقة، افتتحت سنة 2019 بتهاو جديد لأسعار النفط وهي التي زاد اعتمادها على مداخيل المحروقات بشكل كبير، الأمر الذي يجعل الوضع الاقتصادي مرهونا وخاضعا خضوعا مباشرا لتقلبات أسعار النفط المهددة بضخ الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية لكميات أكبر في الأيام القادمة حسب المتابعين لبورصة النفط، في غياب مؤشرات عن استعادة عافيتها، في وقت لم تجد الحلول والبدائل التي وضعتها الحكومات المتعاقبة نفعا في التحرر من قبضة الريع البترولي.
ميزانية التجهيز قابلتها الحكومة بميزانية تسيير عند مستوى 4954 مليار دينار، أي أزيد من 495 ألف مليار، أي بارتفاع بسيط مقارنة مع السنة الماضية وذلك لسببين، الأول يتعلق بكلفة الوضعية الأمنية على الحدود، وثانيها ارتفاع قيمة التحويلات الاجتماعية، هذه الأخيرة التي تعتبر صمام أمان السلم الاجتماعي.

رهان التصدير وحتمية طبع النقود

قانون المالية لسنة 2019 والذي توقع عجزا في رصيد الخزينة السنة القادمة بـ2200 مليار دينار، يجعل الجهاز التنفيذي مجبرا على اللجوء مجددا للتمويل غير التقليدي الذي تجاوز 4005 مليار دينار أي حوالي 42 مليار دولار نهاية أكتوبر بغض النظر عن الطلب الجديد الذي وصل بنك الجزائر شهر نوفمبر الماضي والمتضمن قيمة 1200 مليار دينار جديدة، وذلك لتفادي الصدمات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد بسبب تهاوي أسعار النفط، في انتظار ما سينتج عنه تحول الجهد الحكومي ورمي وزارة التجارة بثقلها في الثلاثي الأخير من السنة إلى مجال محاولة تنشيط التصدير خارج المحروقات، عن طريق تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والمشاركات الرسمية المعارض الدولية، ومنح امتيازات للمنتجين المصدرين، وهو المخطط الذي بدأت بوادر تطبيقه فترة الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال وبدأ نتائجه تظهر هذه السنة بتصدير كميات من الإسمنت وحديد البناء وغيرها من المنتجات التي عرفت دعما وامتيازات كبيرة السنوات الماضية.
بعيدا عن الصعوبات التي ستعترض الجزائر في الشق المالي والاقتصادي، يحمل مشروع قانون المالية الذي أصبحت تدابيره عملية أمس في جانبه التشريعي العديد من الإجراءات لتحسين تسيير المالية العمومية وتعزيز محاربة التهرب الضريبي وتشجيع القطاع الصناعي، وذلك قصد خفض فاتورة الاستيراد وحماية احتياطي الصرف من التآكل بعد أن ختم السنة الماضية في حدود 86 مليار دولار وهي القيمة التي تعبر عن تغطية حاجيات الجزائر من الاستيراد لسنتين فقط.
ومن بين إجراءات محاربة التهرب الضريبي للمؤسسات الذي أضر بالتحصيل الضريبي للضريبة العادية، نجد إدراج جهاز للحد من خصم بعض الأعباء المالية التي تتحجج بها بعض المؤسسات أو بين المؤسسات ذات الصلة، وكذا مراجعة معدلات الرسوم الجمركية والضريبية على القيمة المضافة للسيطرة على استيراد المكونات الوسيطة والمنتج النهائي في مجال صناعة الطاقة المتجددة.

تخبط اقتصادي وغموض سياسي

الحكومة التي مازالت تتخبط في خيارات لم توفر لها مخرجا حقيقيا للأزمة، عدا منافذ النجدة، لم تتمكن بعد 4 سنوات كاملة من سياسة “شد الحزام”، و رغم ترسانة الإجراءات المتخذة لتشجيع صادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات، لم تتمكن سوى من جعل عائدات هذه الصادرات تتجاوز سوى 2 مليار دولار في السنة.
التخبط الاقتصادي الذي تعيشه الحكومة يزداد تعقيدا كلما اتجهت الأضواء لتسلط على بعض الجوانب الاجتماعية، فعجز الصندوق الوطني للتقاعد الذي كان في حدود 560 مليار دينار السنة الماضية مهدد بالارتفاع هذه السنة إلى 600 مليار دينار، أي حوالي 6 مليار دولار، يضاف إليها الكم القليل من المناصب المالية في عدد من القطاعات، التي رخص بها قانون المالية وآلاف المكتتبين ضمن مختلف الصيغ الذين ينتظرون الفرج بتسلم مساكنهم التي جاوز عمر انتظار بعضهم لها 17 سنة.
السنة المالية الجارية والتي جاءت على نقيض 4 سنوات متتالية من مراجعة العديد من الرسوم والضرائب وتسعيرة الكهرباء، خالية من الرسوم والضرائب والزيادات، تكون حبلى بالأحداث وستكون سياسية بامتياز، لأن أجندتها تحمل أهم موعد انتخابي يتعلق بالانتخابات الرئاسية، هذه الأخيرة التي يبدو أنها كانت وقود حراك طبعته العديد من المبادرات والمبادرات السياسية المضادة من حيث المنبع وإن كانت تبدو في النهاية أنها تتلاقى عند بعض “المصبات”، إلا أن خرجة رئيس حزب التجمع من أجل أمل الجزائر عمار غول الذي انقلب على نفسه، جعل هذه المبادرات تأخذ مسارات متوازية، عندما رجح كفة تنظيم الرئاسيات في آجالها القانونية، وكذب تصريحاته المتعلقة بتأجيل الرئاسيات وتمديد عهدة الرئيس، هذه التصريحات زادت الغموض الذي يلف الساحة السياسية.

مقالات ذات صلة