53 سنة… برَكات
إذا صحّت توقعات بعض الخبراء الاقتصاديين بأن النفط سينزل إلى ما دون العشرين دولاراً في سنة 2016، بسبب استمرار تقلّص الطلب، ورفض أوبيك تخفيض إنتاجها، وعودة إيران إلى تصدير 3 ملايين برميل يومياً، فإن هذا يعني أن أياماً سوداء تنتظر الجزائريين، وأن البلاد ستتعرّض لأزمة اقتصادية أعنف وأسوأ من أزمة 1986، وستعود إلى الاقتراض والخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية وشروطها المجحفة، وسنشهد إفقارا واسعا لن يستثني حتى الطبقة المتوسطة…
تداعيات أزمة 1986 استمرت طويلاً وأجبرت الجزائر في سنة 1994 على إعادة جدْولة ديونها، ودفع ملايينُ المواطنين ثمناً باهظاً لها، ولم تتعاف منها البلاد إلا منذ الألفية الجديدة بفضل ارتفاع أسعار النفط إلى 120 دولار، ولكن عوض أن تكون أزمة 1986 درساً بليغاً للسلطة، حتى تتجه إلى بدائل أخرى غير المحروقات، ها هي تُلدغ من الجُحر نفسه مرّتين، إذ أنفقت أكثر من 800 مليار دولار في مشاريع فيها ما يُقال، بدل أن تستثمرها في مشاريع مُنتجة تُخرج الاقتصاد من دوامة التبعية المطلقة لبرميل النفط، وتسمح بتنويع مداخيل البلد.
لذلك يخطئ أويحيى حينما يتحدّث فقط عن فشل الحكومة في شرح قانون المالية الجديد للمواطنين؛ فالواقع أن النظام كله قد فشل في تسيير مقدرات البلاد طيلة 53 سنة كاملة، وقد أتيحت له فرصٌ كثيرة لبناء اقتصاد تنافسي قويّ يقوم على العمل والإنتاج ككل الاقتصادات المتطوّرة، ولكنه كان يضيّع بغرابة الفرصة تلو الأخرى، آخرها فرصة جني 800 مليار دولار خلال 15 عاماً من مداخيل النفط، لتصل الجزائر الآن إلى وضع خطير جعل مواطنيها يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من انهيار آخر في أسعار البترول في الأعوام القادمة، فهم الذين سيدفعون الثمن وحدهم في النهاية، كما رأينا من خلال تدابير قانون المالية الجديد.
كان يمكن أن تصبح الجزائر، بأراضيها الشاسعة، سلّة غذاء إفريقيا كلها، لو شجّعت ملايينَ الشباب على الاستثمار في الفلاحة، ومنحتهم امتيازاتٍ استثنائية في هذا القطاع، وحلّت مشكلة العقار الفلاحي وفق مبدأ “الأرض لمن يستصلحها ويخدمها”، وكان يمكن أيضاً أن تجلب ملايين السياح الأجانب لو استغلّت مناظرنا السياحية الخلابة والمتنوعة وشيّدت منشآت استقبال كافية، وكان باستطاعتها تطويرُ قطاعات أخرى كالصناعة التقليدية وغيرها، بالثروة التي حصلت عليها في 15 عاماً الأخيرة، لكن سوء التدبير والتسيير والفساد ضيّع على البلد فرصة ثمينة قد لا تعود.
السلطة فشلت في بناء اقتصادٍ تنافسي ومُنتج طيلة 53 سنة، واستنفدت كل فرصها، ونأمل أن تقتنع الآن بتطبيق الحل التركي؛ إذ احتكر الأتاتوركيون الحكم طيلة ثمانية عقود، ولكنهم اقتنعوا أخيراً بأن الحل لاقتصادِهم المتهاوي الذي نخره الفساد، وأزمتِهم الاجتماعية والسياسية.. يكمن في السماح بالسير نحو ديمقراطيةٍ حقيقية وإعادة الكلمة للشعب التركي وقبول تداول الحكم، وهو ما فعلوه منذ عام 2002 فحدث التغييرُ بشكل سلس، وشاركوا بذلك أردوغان الفضلَ في إخراج تركيا من أزمتها، وفي تقدّمها.. هذا الحلّ هو الأصلح للجزائر، ونأمل أن يتحقق قريباً.