عقيدة ثورة التحرير مع فرنسا الاستعمارية
الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرو في سياق التحضير لزيارة قادمة للوزير الأول الفرنسي في الـ 9 والـ 10 من الشهر الجاري، لم توفق في إذابة الجليد بين البلدين، في ملفات هي عند الطرف الجزائري على رأس الأولويات: الموقف من النزاع القائم على حدودنا الغربية حول تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، والملف الأمني السائد على حدودنا الشرقية في ليبيا، والوضع المضطرب جنوبا في مالي.
رد وزير الخارجية السيد رمطان لعمامرة على العبارات الفضفاضة الملتبسة التي نطق بها وزير الخارجية الفرنسي خلال الندوة الصحفية، كان أوضح من المواقف الجزائرية السابقة المحتشمة والمترددة حيال الاصطفاف الفرنسي الدائم إلى جانب المغرب “ظالما أو مظلوما” فحمل فرنسا “مسؤوليتها أمام التاريخ” وألح على وجوب تبني قرار حاسم بشأن “حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره” في إشارة إلى مناورات التعطيل التي تتولاها فرنسا بالوكالة ـ وربما بالأصالة ـ عن المغرب في السر والعلانية.
الرد الشافي على هذا الموقف الفرنسي العدائي في الملفات الثلاث ثلاث هو بيد السلطات الجزائرية، وبيد الرئيس تحديدا، الذي نتوقع منه في الحد الأدنى الامتناع عن استقبال الوزير الأول الفرنسي خلال زيارته القادمة، وأن يكلف السيد سلال بوضع ملف العلاقات السياسية على رأس ملفات اللقاء القادم للجنة العليا المشتركة، وبدعوة الطرف الفرنسي إلى تعريف “العلاقات الطيبة” بين البلدين كما يحلو للرسميين الفرنسيين وصف العلاقات بين الجزائر وفرنسا، إذا كانت فرنسا قد سعت وتسعى بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ إلى خلق أوضاع متفجرة مقلقة للجزائر على ثلاث جبهات، أوضاع شتت الجهود الأمنية للجزائر، ولها بلا شك كلفة عالية ومرهقة للجيش الوطني الشعبي، معوقة لقيام أي استقرار بالإقليم.
هذا الموقف العدائي الفرنسي يفترض أن يمنع أي مسؤول جزائري يحترم نفسه من مواصلة التعامل مع فرنسا كـ “دولة صديقة” بل يملي على السلطات الجزائرية إعادة تكييف “العقيدة القتالية” للجيش الوطني الشعبي وللبلد، كي تتخذ مستقبلا من فرنسا “العدو الرئيس” الذي ينبغي أن نحذره، ونختصه بجهودنا الدفاعية بأوسع مضامينها: السياسية، العسكرية، الاقتصادية، الثقافية، والدبلوماسية. فليس المغرب ـ حتى مع استمرار النزاع في الصحراء الغربية ـ ولا تونس، ولا أي من جيراننا يمتلك اليوم القوة لتهديد أمننا، أو سبق أن هدد أمن الجزائر كما فعلت الحكومات الفرنسية المتعاقبة، وليس من بين الأوروبيين من سعى إلى ضرب أمن الجزائر واستقرارها، كما سعت الحكومات الفرنسية المتعاقبة، العالقة في حبال الذهنية الاستعمارية الحاقدة.
وفي كل الأحوال، فإن فرنسا المتراجعة على أغلب المستويات: السياسية، العسكرية، الاقتصادية والثقافية، في أوروبا وفي العالم، لم تعد تملك أوراق ضغط ومناورة كثيرة، حتى يسمح لها بمواصلة العبث بأمن واستقرار الجزائر وإقليم المغرب العربي، دون أن تدفع الثمن على مستوى السوق الجزائرية، كما على مستوى نفوذها الثقافي المهين لثورة التحرير، والذي تريد “إصلاحات الجيل الثاني” للوزيرة بن غبريط منحه هدية مجانية بتمرير مشروع فرنسة الطورين المتوسط والثانوي.