-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الاحتفال بأعياد النّصارى.. تحضّر وانفتاح أم تقهقر وانسلاخ؟

سلطان بركاني
  • 3391
  • 0
الاحتفال بأعياد النّصارى.. تحضّر وانفتاح أم تقهقر وانسلاخ؟

لقد استطاعت الآلة الإعلامية العلمانية التي سُخّرت لها مقدَّرات الأمّة ورُصدت لها كلّ الإمكانات، أن تعمل في المسلمين عملها، وأمكنها الوصول إلى كثير من غاياتها بين قطاعات كثيرة من المسلمين، يوم زينت لهم عادات الغرب وأظهرتها في قالب التقدّم والتحضّر والمدنية، وشوّهت لهم شعائر الإسلام وأظهرتها في قالب التخلّف والانغلاق والرّجعية.

منذ سقوط آخر قلاع الخلافة العثمانية أواخر الربع الأوّل من القرن الماضي، وعلى مدار أكثر من 9 عقود متوالية، والإعلام المستغرب ينفث سمومه بين المسلمين، يزيّن لهم الباطل ويغريهم بالشهوات، ويشوّه لهم الحقّ ويخوّفهم منه، ويصف أتباعه بالأصولية والتطرّف والتشدّد وربّما الإرهاب، وقد آتى مكر الليل والنهار الذي احترفه شيئا من أُكله، وقرّت أعين المستغربين وضحكوا ملء أشداقهم وهم يرون جموعا جامعة من المسلمين تسير من غير وجهة ولا هدف، وتنصاع لدعواتهم وتصدّق كلماتهم، حتى أصبحت قضايا الدين الأساسية ومسائل الإجماع محلّ نقاش ونظر، وصار من ينقل –مثلا- إجماع الأمّة على تحريم الاحتفال بأعياد النصارى يوصم بأنّه أصوليّ متطرّف!.

لقد انتشى العلمانيون ودعاة التغريب وهم يرون مظاهر الاحتفال بعيد الفطر والأضحى تخبو وتتلاشى في بعض بلاد الإسلام، في مقابل الإقبال على الاحتفال بأعياد النصارى كعيد الميلاد ورأس السّنة الميلاديّة، حتى بدأت تكتسي صبغة شبه رسمية في بعض بلاد المسلمين، وتبرمج العطل لتكون موافقة لها، وتنفق في سبيل إحيائها الملايير وتنظّم فيها الرحلات الخاصّة إلى باريس وتونس وغيرها من البلدان والمدن المتحرّرة. هذا فضلا عن انتشار بيع دمى البابا نويل وشجيرات لابيش والحلوى والمكسّرات والهدايا وبطاقات التهاني، في هاتين المناسبتين.

في بلادنا هذه، أشارت بعض الإحصاءات إلى أنّ الجزائريين ينفقون 5 آلاف مليار سنتيم للاحتفال بسهرات “الريفيون”، وأشارت بعض الجرائد إلى أنّ جميع الفنادق الجزائرية ومن دون استثناء، توقف عمليات الحجز قبل 10 أيام من رأس السّنة الميلاديّة، نظرا للإقبال الكبير من الشباب، وحتى العائلات، على البرامج الخاصة للاحتفال بليلة رأس السنة، والتي تكلّف الفرد الواحد ما بين نصف مليون إلى 5 ملايين سنتيم، حسب نوعية الفندق والمشرفين على تنشيط الحفلات الصاخبة من فنانين وممثلين وألعاب سحرية وسهرات “حمراء”، أمّا أمّ الخبائث فإنّ استهلاكها يتضاعف 10 مرات خلال احتفالات رأس السنة، ما يتسبب في ارتفاع حصيلة حوادث المرور وأعمال العنف وجرائم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات  .

هذا في بلد كالجزائر، أمّا في بعض المدن الخليجية المترفة، فإنّ الأموال التي تنفق على مظاهر الاحتفال بالكريسماس ورأس السّنة تتعدّى ما ينفقه الغربيون أنفسهم، وكأنه يراد للمسلمين أن يكونوا نصارى أكثر من النصارى أنفسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

ولعلّ الأعجب من هذا أن تجد بعض المنسلخين من الدّين من بني جلدتنا يدافعون عن إحياء هذه الاحتفالات ولا يبدون أيّ غضاضة من إنفاق الأموال الطائلة عليها، بدعوى أنّها أعياد إنسانية يدلّ إحياؤها على التحضّر وقبول الآخر!، مع أنّها ترتبط في أصلها بعقائد وثنية بائدة؛ فعيد رأس السنة الميلادية مثلا هو في الأصل عيد “البسترينة”، وهو اسمٌ لآلهة القوة عند الرومان واليونان أو اسم هدية تقدم لها، فلمّا دخل الرّومان في النصرانية وكانوا يحتفلون بهذا العيد الوثني نقله الرهبان إلى النصرانية مجاملة لهم، وسموه في أول الأمر “عيد الختانة”، أي بمناسبة ختن المسيح عليه السلام. ولأنّ النصارى غيروا سنّة الرسل في الختان بفعل بولس اليهودي، فلم يعد مناسبا أن يبقى عيد البسترينة عيدًا للختانة، فجعلوه عيدا لرأس السنة الميلادية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!