اختطاف الأطفال.. الكابوس الذي لا يراد له أن ينتهي
إلى أين تتّجه الجزائر؟ وما الذي يُريده تجّار الفتن والمحن لهذا الشّعب الذي لا يكاد يلتقط أنفاسه من محنة حتى تُفتح عليه أبواب محنة أخرى؟ لماذا يراد لهذا البلد المسلم أن يتحوّل إلى غابة، يأكل القوي فيها الضعيف، ويستطيل الغنيّ فيها وصاحب المنصب والجاه والحظوة على الفقير..؟ الأسعار في ارتفاع مطّرد، الخناق يشتدّ على الفقراء، بينما لا تزال المنح والامتيازات تُغدَق على الأغنياء..
المؤشّرات كلّها تنذر بأنّ البلد ينحدر، ليس فقط نحو أزمة اقتصادية خانقة، وإنّما أيضا نحو أزمة اجتماعية كبيرة، تهدّد كيان المجتمع بأسره، كيف لا وقد أصبح الآباء والأولياء لا يكاد الواحد منهم يهنأ بعيش ولا طعام ولا شراب، بسبب خوفه على نفسه وماله وأهله، وعلى أبنائه وبناته، من سطوة هذه الوحوش البشريّة، التي أصبحت لها الكلمة العليا، في ظلّ غيابٍ شبه كامل لمن أُنيط بهم حفظ الأرواح والأعراض والأموال؛ وُحوش لم تتربَّ في المساجد ولا في البيوت، وإنّما تربّت وترعرعت في الخلوات والملاعب ومقاهي الأنترنت، على سلوك كلّ السّبل المتاحة، وغير المباحة، للظّفر بمصروف الجيب، وإشباع الغرائز التي لا تخبو أبدا بسبب المواقع الإباحية، التي يصرّ المسؤولون في هذا البلد على أنّ منعها ليس من أولوياتهم! .. تماما كما أنّ ردع المجرمين ومحاصرة الجريمة ليست ضمن اهتماماتهم، وحماية أبناء الفقراء لا يرونها أيضا من مسؤولياتهم، لأنّ أبناء هؤلاء المترفين يدرسون في مدارس خاصّة، ويتنقّلون في سيارات خاصّة، تحت حراسة خاصّة، فلا نستغرب بعد هذا عندما نرى أحد المحامين الذين يفترض فيهم الدّفاع عن الضّحايا، يقول تعليقا على مطالبة بعض الأوساط بتفعيل الإعدام لزجر المجرمين، وقد صوّب خياشيمه إلى السّماء: “زمن الإعدام قد ولّى”!، يقول هذا بكلّ بساطة، لأنّ الأطفال الذين يُنحرون ويرمون في المزابل ليسوا أبناءه، ولو بُلي في عزيز أو قريب، وظفر بالمجرمين لأعدمهم من دون محاكمة.
ما أقساها من قلوب، تلك التي لم تؤثّر فيها دمعات الأمّهات المكلومات، وصرخات النّساء المفجوعات، وهنّ يتوسّلن إلى المسؤولين أن يتدخّلوا لإنقاذ فلذات أكبادهنّ، قبل أن يعودوا إليهنّ جثثا هامدة، وتمرّ الأيام والشّهور والدّموع لا تغادر المقل، والحسرات تعتصر القلوب، حتى يبلغ الأمر بهنّ إلى تمنّي رؤية أبنائهنّ ولو جثثا هامدة، وهي الأمنية التي تتحقّق في نهاية الأمر، ثمّ تزداد لوعتهنّ وهنّ يرين كيف يتدخّل المسؤولون، وكيف تعلن حالة الاستنفار على كلّ المستويات والأصعدة، عندما يتعلّق الأمر بالبحث عن أبناء الأثرياء، الذين لا تمرّ سوى أيام معدودات بعد اختفائهم، حتى يعودوا إلى ذويهم سالمين معافين، وسط تغطية إعلامية منقطعة النّظير.
الأطفال سواءٌ كانوا من أسر غنية أو فقيرة، هم في النّهاية أبرياء، ومن واجب الدّولة أن تستنفر أجهزتها لردّهم إلى ذويهم، ولكنّ مثل هذا التّمييز يزيد مأساة الفقراء، بل ويجعل بعضهم يشكّكون في أنّ هناك نية مبيّتة في غضّ الطّرف عن هذه الظّاهرة المروّعة، وعدم التّعامل معها بالجدية التي تستحقّها، في إطار سياسة الإلهاء المعروفة.
نعم، المسؤولية عن استمرار هذا الكابوس المرعب هي مسؤولية الجميع؛ مسؤولية المجتمع الذي تربّى في أحضانه هؤلاء الشّباب المنحرفون، وألقى لهم الحبل على الغارب، حتى أصبحوا يفرضون منطقهم في كلّ مكان، ويهدّدون كلّ من يقف في طريقهم أو ينكر صنيعهم، ولعلّ قصّة إمام مسجد سعد بن أبي وقاص ببلدية توقريت ولاية الشّلف، التي نشرتها الشّروق مؤخّرا، خير مثال لهذا الانحدار الخطير.. المسؤولية أيضا هي مسؤولية الأئمّة في توعية الآباء بخطر الغفلة عن انحدار أبنائهم الشّباب إلى مستنقعات الخمور والمخدّرات والمواقع الإباحية، وهي أيضا مسؤولية رجال الأمن، الذين يتقاضون رواتبهم لحفظ الأمن وردع المجرمين؛ هي مسؤولية هؤلاء جميعا، لكنّ المسؤولية الأكبر هي مسؤولية الدّولة في منع الخمور، والجدية في إعلان الحرب على كبار مروّجي المخدّرات قبل صغارهم، وفي حجب المواقع الإباحية، والأهمّ من هذا وذاك، تجنيد مؤسّسات الدولة وبخاصّة الأمنية منها لحماية الأبرياء، وصون الأرواح والأعراض.
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يقول: “لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضياعاً لخشيت أن يسألني الله عنها”، يقول هذا في حقّ السّخلة، وهي العنزة الصّغيرة، لكنّ المسؤولين في هذه الأيام، ربّما لا تتحرّك لهم جارحة وهو يرون أطفالا أبرياء يُختطفون ويُعتدى عليهم، ويذبحون وتلقى جثثهم عند أبواب بيوت والدِيهم كما تُلقى القمامة!.