ليس دفاعا عن جعفر قاسم!!

من أكثر الوظائف الفنية المفقودة، جنبا إلى جنب مع ما تقدمه الشاشات الجزائرية في رمضان، هي وظيفة النقد الفني، بل إنها تكاد تكون السبب الحقيقي والمباشر وراء شيوع الرداءة وعدم تحسين الأعمال أو تطويرها!!

لكن ومع انتشار حالة الإفلاس النقدي، توجد بعض التجارب “اليتيمة” على غرار ما يقدمه الإعلامي سليم عقار من خلال برنامجه “بلاد تي في” على قناة “بور تي في”. والواقع أن سليم اختار هذه القناة ربما لأنها تقع خارج دائرة المنافسة، ولذلك فهو لا ينتقدها أصلا في البرنامج، لأنها لا تقدم شيئا للمشاهد، فماعدا “فلاش باك” الذي يعد برنامجا يبنى على الذكريات التلفزيونية الجميلة، فالقناة تقدم مسلسلات قديمة، يظهر تماما أنها لم تشتر حقوق بثها بطريقة قانونية (بسبب نوعية الصورة على الأقل) مثل مسلسل السيدة الأولى (بطولة الفنانة المصرية غادة عبد الرازق)، والمسلسل الديني الكلاسيكي “جمال الدين الأفغاني”، والمسلسل التاريخي القعقاع  !!

يجتهد سليم عقار في تقديم مادة تلفزيونية محترمة، مرتكزا على مهنته كناقد وسينمائي، وعلى تجربته الطويلة وأيضا معرفته بمعظم رجال ونساء المهنة، وإدراكه معنى المنافسة “الشريفة وغير الشريفة”: ناهيك عن الكولسة وما أدراك ما الكولسة!!

لكن ومع اجتهاد عقار، يلاحظ أن برنامجه تحول في الحلقتين الأخيرتين إلى منبر لتصفية الحسابات بين المنتجين والمخرجين، وإلى منصة لإطلاق التهم نحو عدد من المخرجين والقنوات، لا لسبب إلا لأنهم تميزوا ونجحوا، في حين أن معظم من يستضيفهم عقار لا أعمال لهم في رمضان الحالي، أو قدموها وتم رفضها!!

وعلى سبيل المثال لا الحصر، الحلقة التي استقبل فيها عقار، المخرج والمنتج محمد صحراوي الذي راح يتباهى ببرنامجه “خالد الذكر”، الفهامة رغم أن هذا الأخير ورغم نجاحه في المواسم الأولى، إلا أنه تحول قبل توقفه إلى “مسخرة حقيقية” بسبب انسحاب معظم أبطاله، وتحول “بادي” مثلما يحلو للجميع مناداته إلى ديكتاتور ومستبد، وقد قدم فيما بعد عملا تحت عنوان “حال وأحوال” لم ينجح هو أيضا في تكرار نجاح الفهامة في طبعتها الأولى!!

يتحدث “بادي” بفخر عن الفهامة ويقول بأنها حققت ما لم يحققه الجميع، ناسيا أو متناسيا أنها جاءت في وقت لم تكن فيه هنالك قنوات تلفزيونية ماعدا “اليتيمة”، وبالتالي كان لزاما على المشاهدين متابعتها إجباريا ناهيك على أنها جاءت في وقت أمني صعب، قلّ فيه الإنتاج، وخفت الإبداع وانتشرت فيه حالة الطوارئ التي أرغمت معظم الجزائريين على البقاء في بيوتهم لمشاهدة التلفزيون وفقط!!

محمد صحراوي ينتقد “جعفر قاسم” ومسلسله “عاشور العاشر” وهذا من حقه تماما، لكن لا ينبغي إنكار “عامل الحسد” هنا، خصوصا أن بادي تحدث في البرنامج المذكور آنفا عن عاشور العاشر، وصال وجال منتقدا السلسلة، قبل أن يسأله المنشط إن كان قد شاهدها أو لا، فيجيب: “لم أشاهدها لسبب بسيط، فأنا لا أملك تلفزيونا في بيتي”!!

هل رأيتم نقدا فنيا محايدا بمثل هذا المستوى “العالي جدا” من المهنية؟

ويا ليت “فضائح” النقد توقفت هنا.. ففي الحلقة ذاتها التي استقبلت الممثل حسان بن زراري، لم يتوقف هذا الأخير عن التنظير “بصدر مفتوح” والدفاع عن حق الشباب في الظهور، منتقدا المنتجين الذين غيبوا هؤلاء المبدعين الجدد.. “أنا أراهم في كل مكان أذهب إليه، شباب في مقتبل العمر لا يبحثون سوى عن فرصة”!!

كلام جميل ومنطق سليم، لكن حسان بن زراري لم يخبر المشاهدين كم عدد المناصب التي تولاها في المهرجانات، والمسؤوليات التي حصل عليها حتى وقتنا هذا، ولم يترك أي فرصة لشاب أن يتولاها؟! ولا داعي لذكرها هنا حتى لا يغضب بطل “دورية نحو الشرق”!!

بن زراري وبحديثه عن جعفر قاسم أيضا، قال بأنه مخرج كبير ومحترم وقدم أعمالا فنية راقية، وهو يشهد له بذلك في كل أعماله ماعدا عملين اثنين.. “دار البهجة” و”عاشور العاشر”، معتبرا أنهما يعدان سقطة حقيقية بالنسبة لقاسم!!

لكن لماذا “دار البهجة” و”عاشور العاشر” بالتحديد مما لم يعجبا بن زراري؟

ربما لأنه لم يشارك فيهما أصلا ولم يكن له دور في أحدهما!!

لماذا لم يذكر مسلسل “الجمعي فاميلي 3” والذي يعترف جعفر ذاته بأنه كان فاشلا؟ لسبب بسيط يعاكس المبرر الأول، لأنه شارك في الجزء الثالث الفاشل!!

ألم نقل لكم أنه أبشع من “الرداءة المتفشية”.. غياب النقد بعيدا عن “الحسد” و”تصفية الحسابات”.. وللحديث بقية.