درس البريطانية التي رفضت اعتناق الإسلام
سئلت سيدة انجليزية عاشت مع زوجها المسلم تسع سنوات “لماذا لم تدخلي في دين الإسلام بالرغم من هذه العشرة الطويلة مع زوجك المسلم؟!” فأجابت: إنني لم أر في زوجي طوال هذه السنين ما يغريني حقا بالدخول في الإسلام!..
إن الزوجة، مثلما هو معروف، هي أقدر الناس على اختبار معدن زوجها وعلى تمييز ما هو صحيح مما هو مزيف في شخصيته مع مرور الزمن، وهذه السيدة عاشت مع هذا الرجل مدة كافية لتعرف أخلاقه وطبعه ومزاجه، وتقف على مواطن القوة والضعف في شخصيته، فلم تر فيه ما يفضل به سائر الناس أو يميزه عنهم بميزان الفضائل والأخلاق التي يتفق عليها جميع الناس ويجمدونها على اختلاف عقائدهم وأجناسهم وبيئاتهم، كالعفة والصدق والحلم والوفاء والكرم والشجاعة والعدل..
إن هذه المرأة إذا لم تر كل ذلك في زوجها أو بعض ذلك، فإنها لن ترى في “عباداته الشكلية” التي يمارسها سوى نوع من أنواع “الرياضات الروحية” التي يزخر بها ثرات الشرق وحضارته.
هذه السيدة الإنجليزية التي تجهل الإسلام وتجهل حقائقه ومصادره الصحيحة قد أكدت – من حيث لا تدري – وبكل عفوية وبساطة، معنى العبادات في الإسلام وبعض جوانب الحكمة من تشريعها، فالمقياس الذي به تتميز العبادة الصحيحة من العبادة الشكلية هو ـ كما نعلم جميعا ـ ملاحظة آثارها في النفس ومعاينة انعكاس هذا الأثر في القول وفي الفعل وفي السلوك، بل وفي الطبع والمزاج، وهذا المقياس لا يصدق على الفرد فحسب وإنما يصدق على المجتمع ككل.
المقياس الذي لا يخطئ في معرفة مدى رسوخ القيم الدينية والخلقية في المجتمع هو “الواقع” وليس ما تم تسطيره في دساتيره ومواثيقه وبرامجه التعليمية والتربوية. إن رصد السلوك الفردي والجماعي في واقع الحياة المعيش بكل عفوية وتلقائية هو الذي يكشف عن مدى حضور هذه القيم أو غيابها.
ولنأخذ لذلك مثلا خلق “الحياء” الذي هو نصف الإيمان كما نعلم جميعا، لقد كان الحياء من أبرز صفات العائلة الجزائرية، وكان الشارع في مناخه العام إلى عهد قريب امتدادا وفيا لهذه القيمة الخلقية التي يحسها الإنسان في ذلك الوشاح الجميل من “الحشمة” الذي يلف العلاقات الاجتماعية عموما والتعامل مع المرأة بشكل خاص.
أقول “كان وكانت” لأن التطور السريع الذي شهده المجتمع الجزائري خلّف ظواهر سلوكية ومتنافية مع منظومة قيمه الدينية والخلقية، لكنها أصبحت جزءا من واقعنا الاجتماعي بفعل الألفة التي يولدها التكرار..
ولنأخذ لذلك عينة سلوكية عفوية من واقعنا اليومي نتعرف من خلالها على مدى “انحسار” هذه القيمة الخلقية، وهي الحياء.
يدخل الرجل إلى دكان تاجر مع زوجته، فإذا صوت أغنية تصدمه كلماتها لما فيها من سقوط أخلاقي مخجل، وصاحب الدكان يبتسم مرحبا لكنه لا يفكر في إطفاء الجهاز أو التخفيض من صوته، بل ربما ردد مع المغني بعض مقاطع الأغنية لا يرى في ذلك أدنى حرج لأنه سلوك “مألوف“.
هذا السلوك اليومي العفوي هو الذي يعكس مدى حضور القيم ومدى اهتزازها أو غيابها في المجتمع..
إن “لقطة إشهار” في التلفزة مثلا تستطيع أن تقدم لنا من “المعطيات” لنصدر حكما على واقع قيم في مجتمع من المجتمعات أكثر مما يوفره لنا برنامج التربية الدينية والأخلاقية الذي يتبناه هذا المجتمع في منظومته التعليمية.
القيم إيمان يجسده السلوك، فإذا هي لم تمتزج بالوجدان ولن تتأرجح في الضمائر فلن يكون لها أدنى أثر في توجيه هذا السلوك.
يجهد الطفل فكرة لكي يستوعب معنى الآية القرآنية التي لقنه إياها المعلم في درس التربية الإسلامية، التي تتحدث عن نعمة الماء التي وهبها الله للإنسان فقال: “قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين“.
هذا الطفل نفسه يجلس أمام الشاشة الصغيرة فإذا “حملة ذات منفعة عامة” وصوت المعلق يقول: “الماء هبة الطبيعة.. ينبغي أن نحافظ عليه“!..
هبة الطبيعة!.. ومتى كانت الطبيعة تهب شيئا وتمنع شيئا؟!.. ومن يصدق هذا الطفل؟!.. معلمه أم “معلق التلفزيون“؟!.. ليس أكثر ضررا بـ “عالم الصغار” كشعورهم بتناقض “عالم الكبار“!..
ينبغي ألا نستغرب – والحال هذه – أن نجد هذا الطفل أو غيره “يغشّ” في الاختبار المدرسي فيختلس النظر إلى ورقة زميله في القسم محاولا نقل الإجابة الصحيحة عن سؤال في “التربية الإسلامية” مضمونه شرح قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “من غشنا فليس منا!..” لأن المسألة بالنسبة لهذا التلميذ هي مجرد “معلومات” ينبغي أن يقدمها صحيحة للمعلم ليفوز بعلامة النجاح.
فمرة أخرى.. إن السلوك العفوي هو وحده الذي يكشف عن معادن النفوس وجوهرها ومكوناتها وصدق إيمانها. وهذا المقياس عام يصدق على كل إنسان أيا ما كان دينه أو جنسه أو وطنه.
يحكى أن أحد القساوسة عين في كنيسة إحدى القرى فقصده أعيانها يرحبون به ويقولون له: لقد سبقتك سمعتك الطيبة، فأنت رجل صالح مستجاب الدعاء، وقد رأيت ما فعله بنا الجفاف، فادع الله لنا أن يسقينا الغيث. فقال لهم: عودوا إليّ غدا صباحا فأدعو الله وتؤمّنون، ولكن بشرط، ألا يدخل الكنيسة أحد منكم في قلبه ذرة من الشك في أن المطر سينهمر انهمارا قبل أن نفرغ من الدعاء. فوعدوه بذلك. وفي ذلك الغد صباحا، لما رأى القس الكنيسة وقد امتلأت، قال لهم: هل أنتم موقنون كلكم بأن المطر سينهمر بقوة قبل أن نفرغ من الدعاء؟!.. فقالوا: نعم. فقال لهم: والله إنكم كلكم لكاذبون.. فلو أنكم موقنون حقا كما تزعمون لأحضر كل واحد منكم “مظلة” تقيه من المطر.