محاربة الفساد.. إمّا بالوكالة أو المراسلة!
انقضت سنتان على تنصيب الهيئة الوطنية والمرصد الوطني لمكافحة الفساد، وبعد أزيد من 6 سنوات عن صدورهما كآليتين لردع الفساد ضمن القانون الذي أوجدته الحكومة لذلك، لم يظهر أثر لهاتين الآليتين على الساحة، فلا أنباء ولا أخبار عن تقرير دوري أو نهائي أو حتى تمهيدي، رفع إلى رئيس الجمهورية ولا إلى غير الرئيس.
ورغم الغليان الحاصل في الساحة الداخلية بسبب ما يشاع عن الفساد، والذي عبر حدود الجزائر وحط بعدد من الدول، مثلما حدث في ملف سوناطراك 2، إلا أن صمت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمرصد الذي يقاسمها المهمة لم تخترقه الفضائح ولا نشر الغسيل.
رغم أن رائحة الفساد فاحت ببعض القطاعات وملأت الساحة الداخلية وانتشرت لتخرق الأجواء الدولية بما نشرته وسائل الإعلام الإيطالية عن الصفقات المشبوهة في سوناطراك والعمولات التي يفترض أنها دخلت جيوب مسؤولين جزائريين، إلا أن أكبر هيئتين وطنيتين مكلفتين بمكافحة الفساد، ورغم تنصيبهما بصفة رسمية، ووضع نظام تعويضي لكلاهما فصل في المقابل المادي ورواتب ثابتة لأعضاء الهيئتين، إلا أن نشاط ووجود هاتين الهيئتين لم يبدُ له أثر، فلا رئيس المرصد الوطني لمكافحة الفساد، عبد المالك السايح، قدم حصيلة عن نشاط مرصده، ولا إبراهيم بوزبوجن رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومعاونوه الستة نطقوا ببنت شفة.
هذا الصمت والغياب الجلي لهيئة مكافحة الفساد والمرصد، وهجرانهما للساحة جعل المتابعين للشأن القضائي والقانوني يتساءلون عن أسباب “الاستقالة” الإرادية لهاتين الهيئتين عن مجريات الأحداث وتواترها، وإن كانت الصلاحية القانونية المخولة لهيئة بوزبوجن، تجعلها معنية بشكل أقل من المرصد بالسؤال عن غيابها وتواريها عن الأنظار والتزامها الحياد في موضوع يدخل في صلب صلاحياتها، وتتقاضى في مقابلها أجورا.
فالمرصد الوطني، أو ما عرف قبل ذلك بالديوان، يضم ضباطا وأعوان شرطة قضائية تابعة لوزارة الدفاع الوطني، وضباطا وأعوان الشرطة القضائية التابعة للداخلية، وأعوانا عموميين من ذوي الكفاءة في مجال مكافحة الفساد، مع إمكانية الاستعانة بكل خبير أو مكتب استشاري في مجال مكافحة الفساد، إلا أن هذه التشكيلة لم تقدم إلى اليوم دليلا على وجودها وممارستها لنشاطها وصلاحياتها، كما لم تبد أية ردة فعل حيال ما يشاع عن الفساد، ورغم أن المرصد الوطني لمكافحة الفساد يعد الأداة العملياتية أو القوة الضاربة للقانون، إلا أنه يقف مكتوف الأيدي، أبكم، مقطوع اللسان، حيال تنامي ظاهرة الفساد التي عششت بعدد من القطاعات الاقتصادية ولطخت عددا من المشاريع المدرجة في خانة مشاريع الرئيس.
الصمت المطبق الذي يلازم مرصد مكافحة الفساد، وعدم تفاعله مع الملفات التي طفت على السطح لا يختلف في الشكل والمضمون عن صمت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، التي تعتبر بمثابة آلية من الآليات الوطنية لمواجهة الظاهرة، فهذه الهيئة التي تتمتع باستقلالية معنوية وإدارية، مهمتها اقتراح سياسة شاملة للوقاية من الفساد وتقديم توجيهات في هذا المجال واقتراح تدابير تشريعية وإدارية وإعداد برامج توعوية تجاه المواطنين حول الظاهرة ويحق لها الاطلاع على التقارير الخاصة بالتصريح بالممتلكات للموظفين العموميين، كما يحق لها الاستعانة بالنيابة العامة في إجراء تحرياتها لم يظهر لها أثر، ولم تسجل حضورا منذ قرابة السنتين من تنصيبها.
فلا سياسات سطرت ولا برامج توعوية لمكافحة الظاهرة، ظهرت، رغم أن الرئيس اختارلها إبراهيم بوزبوجن رئيسا، وذهبت العضوية فيها لستة أسماء يعد عبد الكريم غريب سفير الجزائر السابق بمالي أبرزها، ومعلوم أن اسمي بنات غريب ذكرا في أزيد من تحقيق في تحقيقات قضايا الفساد، فمتى ستخرج هيئتا مكافحة الفساد عن صمتهما، ويقدمان الدليل والحجة أنهما موجودان حقيقة، ويتقاضى أعضاؤهما أجورا وتعويضات عن جهد فعلي ينفع البلاد والعباد؟