جزائرنا يا بلاد الجدود
هذه السنة، وعلى غير العادة نحتفل بالذكرى الخمسين للاستقلال، ذكرى استرجاع الحرية، والسيادة، والقضاء على الإستعمار الفرنسي لأزيد من قرن، وعلى سياسات التوطين، وطمس الهوية، المقومات الوطنية، فالجزائر “حرة مستقلة” بفضل اللَّه ورجالها الأبرار، فالعزة والكرامة، بدءا بفدائهم، وترك النفس والنفيس من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة، فجزائر الشهداء، والمجاهدين لاتحتاج لا لمرجعية، ولا لتفلسف، فمرجعيتها ممنهجة ومسطرة في بيان الفاتح من نوفمبر، فلا تحتاج لقراءات ولوقفات بقدر ماتحتاج لتطبيق وتنفيذ..
تنفيذ بيان نوفمبر لمشروع الدولة غير المنقوص أو المبتور، إلا أن البعض يحاول قراءة البيان قراءة انتقائية، إيديولوجية، على شاكلة مايطلبه المعجبون فقط، فكل الذي قد يخدش حساسيته قد يتركه، ويمر عليه مرور الكرام، فجيل نوفمبر، وجيل الإستقلال كان يحلم برفع الراية الخضراء، والهلال والنجمة الحمراء، وجيل الإستقلال وجيل نوفمبر كان يحلم في دولة ديمقراطية إجتماعية قائمة على المبادئ الإسلامية، فهل حققنا هذه الدولة الوطنية؟ وجسدنا فعلاً مفهومًا “قيميا” لمفهوم الأمة – الدولة المنصوص عليها في فلسفة الثورة الجزائرية، أم كان مجرد تنظير لاغير، وتآكل مع مرور الزمن، أويحتاج إلى نفض للغبار؟، الإجابة أنه نحتاج من كل ذلك، فالمشروع الوطني، قد لا يمكن عزل فيه لا عميروش أو عبان ببعده وأصله القبائلي، ولا سي الحواس وغيرهم كما لا يمكن عزل الطيب العقبي، والشيخ عبد الحميد بن باديس، فالجزائر عربية اللسان، إسلامية الديانة، أمازيغية التاريخ والأصل، فأي مشروع قد يقوي هذا الثابت على ذاك، قد يؤدي لا محال إلى خلل في النسيج والتوازن الإجتماعي القائم داخل الدولة والأمة، لذلك إن كان “تمجيد ثورة نوفمبر الخالدة” من ثوابت الأمة دستوريا، وتاريخيا، و قيميا، فعلى كل فرد، ومجتمع، ومؤسسة، وسلطة أن يجسدونها فعلا، فبعد خمسين سنة من الإستقلال، مازلنا بعيدين، فشباب اليوم “أمي” بتاريخيه قد لايعتز بماضيه، قد “يجهل” أمجاده، وفاقد الشيء لايعطيه، فبعد خمسين سنة مازلنا نتكلم عن إحصاء المجاهدين، والمجاهدين المزيفين وكتابة التاريخ، وتسجيل الشهادات، فالتاريخ أصبح مثقلا، بالفضوليين “وتقصيرنا” أكثر من مساره المجيد والمبارك، فالجزائر، قد تحتفل بهذه الذكرى، والمطلب الوحيد كقانوني، هو دفع الجميع لتبني قانون تجريم الإستعمار على الأقل كأخف الضررين، ردًا للاعتبار على القانون الخاص “بتمجيد” الإستعمار، فدم الشهداء غالي وعزيز لا يستحق هذا التقدير والندية في التعامل، مع من اقترف جرائم الحرب، والإبادة وجرائم ضد الإنسانية في حق الجزائريين، سواء أكانت فرنسا الرسمية أو فرنسا الإستعمارية، المهم فرنسا “الماضي”، ولايمكن بناء مستقبل بدون تنقية الماضي، وإعادة الإعتبار، وبناء علاقات مؤسسية، بعيدا عن الشحنات العاطفية، والمجد والخلود للشهداء الأبرار.