جزائريون في صفوف الجيش الحر
حرب تأتي على الأخضر واليابس، هو الوصف الحقيقي لما يحدث في مدينة حلب وبالتحديد حي صلاح الدين الذي بقيت فيه لمدة أيام ونحن محاصرون تحت قصف المدافع، يا لها من معارك طاحنة، أصبحت فيها الروح البشرية لا تساوي شيئا، والإنسان لا تتعدى قيمة الروح التي استودعها فيه الله بضع دولارات أو حتى سيجارتين، وهي القصص التي سمعتها من أسرى النظام والشبيحة الذين تم أسرهم وتوقيفهم من طرف مقاتلي الكتائب والمجموعات المرابطة في مدينة حلب.
عبر هذه التقارير التي عاش فيها مراسلنا أياما حقيقية من الرعب والمجازر في أحياء حلب، كصلاح الدين والسكري والأنصاري وسيف الدولة والحمدانية، وغيرها من الأحياء والمناطق التي لا تزال تقصف لحد كتابة هذه الأسطر.
كنت شهرا قبل يومي هذا في الجزائر، أعتقد أن رحلتي إلى مناطق الصراع في سوريا لن تتجاوز أكثر من أسبوع، غير أن هذه الحسابات كلها أصبحت لا تساوي شيئا أمام زخات رصاص القنّاصة وقذائف المدفعية بكل أنواعها في المعارك الدائر رحاها يوميا وعلى مدار الساعة في مدينة حلب.
أهوال لا مجال للحديث عنها اليوم
لا أريد أن أخوض في الحديث عن الأيام الماضية طيلة شهر من الزمن، لأن أرجاءها إلى أن يمكنني الكتابة في أحداثها، لأن حديث الساعة كما أراه اليوم على الأرض، هو صلاح الدين أو أم المعارك حلب.
الساعة تشير اليوم إلى الخامسة صباحا، لم أستطع النوم من شدة الآهات والأصوات المنبعثة من أفواه الجرحى وأنينهم، عندما أفقت من النوم أدركت أني كنت أنام بين جثتين لشابين قتلا برصاص القناصة. صور برك الدم المنتشرة في أرجاء القاعة السفلية للمسجد، كانت تميز المكان وكأننا في مسلخ ولكن ليس للحيوانات بل للبشر والآدميين.
حاولت أن أتمالك نفسي، وأن أشد من عزيمتي حتى لا أنهار نفسيا، فقد عرفت من قبل حالت إنهيار نفسي وعصبي كبير، جراء رائحة الدم البشري الكثيرة التي أزكمت النفوس، حين قدر لي أن أبقى لأكثر من ساعتين في سيارة إسعاف محاصر فيها رفقة الطبيب الذي لقي حتفه بعدها بأيام فقط من هذه الحادثة.
مسلم روسي يدفع حياته ثمنا للدفاع عن السوريين
الحصيلة اليوم في شارع الـ15 أكثر من 33 قتيلا، اضطررت أن أحمل معداتي وكاميرتي وأتحامل على نفسي لأصور واقوم بالتأريخ لفترة لم يتواجد فيها صحفي آخر من العالم، سوى ما تجود به أجهزة الهواتف المحمولة للثوار والمقاتلين على القنوات الفضائية.
صادفني خلالها طبيب، كان ينزف من رأسه بسبب شظية أصابت سيارة الإسعاف التي خرجت من القاعة الأرضية للمسجد إلى الشارع الـ15 المقابل لطريق الحمدانية لإحضار الجرحى وجثث القتلى، صورة الدماء وهي تسيل على كامل جسده شبه العاري وهو يحاول إنقاذ حياة أحد المصابين بطلق ناري، كانت توحي وكأنه مذبوحا أو فر من السلخ.
صيحات الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأدعية على بشار وجنوده لم تفارق أفواه كل السوريين الذين قابلتهم في اليوم، أو قبله في الأحياء التي تتعرض للقتل والدمار والقصف بالطيران الحربي من هيلكوبتيرات وطائرات حربية كبيرة لم أعرف نوعها لحد الساعة.
كان يرافقني خلال كل تنقلاتي في حلب بعض المقاتلين، أحدهم يعرف بأبو إسحاق بسام، وقائد كتيبة أبو عمارة الشيخ أبو عبد الله الذي أصيب برصاصة البارحة على مستوى الكبد، تركته يرقد مغما عليه في غير وعي، يعالجه طبيب مسلم قدم من روسيا إلى حلب، وعندما سألته عن ذلك رد “لا يعقل أن أترك المسلمين من أبناء ملتي يقتلون ويذبحون على أيدي هذا الطاغية وزبانيته من الدول الكافرة النصرانية، ولذلك أنا هنا، وغيري كثير فلا تتعجب، فنحن قوم نحب الموت كما يحبون هم الحياة”
في الشوارع والطرقات كنت أصور كل شاردة وواردة، إيمانا مني أن التاريخ يجب أن يكتب ويجب تأريخ ما يحدث من جرائم ضد الإنسانية، لأن الناس هنا يستصرخون كل العالم وأحراره للضغط على النظام السوري الذي استباح الدماء والأعراض والأموال.
ما قد يحسم الصراع في أرض الشام، هو دخول الكثير من المقاتلين العرب والأجانب من مختلف الجنسيات جزائريين وتونسيين ومغربيين وليبيين وفرنسيين وأمريكان ومصريين وسويديين وألمان وشيشان، وبحكم مقابلتي بالكثير من هؤلاء، كنت أسألهم عن الأسباب التي دفعتهم لترك عائلاتهم وأموالهم والقدوم إلى أرض الشام والقتال إلى جانب السوريين المدنيين، اتفقت كلمتهم على أن نصرة المسلمين المظلومين واجب محتم على كل واحد، وما هالني أن بين هؤلاء رجال أعمال من السويد والدانمارك والعراق والجزائر وغيرهم..، اختلفت قصص التحاق كل واحد منهم عن الآخر، لكن اتفقت كلمتهم على أن القتال إلى جانب السوريين فرض وواجب لا يختلف عن الصلاة وصيام رمضان.
في نهاية هذا اليوم، كنا ننتظر مغيب الشمس حتى نتمكن من الإفطار جماعيا تحت جنح الظلام، غير أن هذه الفترة المناسبة التي تحلوا فيها لمدفعية الجيش السوري النظامي قصف المدينة وأحيائها السكنية المدنية، قمت بعد ما تجود به علينا دبابات النظام السوري من رسائل القتل والدمار، فكانت في كل دقيقة تنزل أكثر من قذيفتين بين مدفعية وهاون.