فجر مصر .. والتحديات العشر

مع اذان فجر امس كان المذيع في تلفزيون مصر 25 يعلن ان فجرا جديدا يشق طريقه من ليل طال مكثه على صدر مصر، فقد انقضت مئات السنين دون ان يتمكن المصريون من ابداء رأيهم في الحاكم الذي طالما كان يحلو له ان يطلق عليه اسم الفرعون او الحاكم بأمره..

احسن الاخوان المسلمون في صبرهم حيث لم تحلهم العذابات وأصناف القهر الى اليأس والقنوط او الى العنف والتطرف، بل اندفعوا الى تمكين رؤيتهم في نفوسهم مدركين ان التغيير يتطلب قبولا واسعا لدى الناس، وأن قناعات الناس بشكل واسع هي الطريق السليم الوحيد نحو حكم راشد، وهكذا انخرطوا في النقابات الخدمية والثقافية فسجلوا حضورا فائق الاهمية وكانوا يوجهون العنت والسجون من حين لآخر بلا سبب بمزيد من التذرع الى الله والصبر الجميل.

لقد كان الاخوان المسلمون الكتلة الاجتماعية السياسية الواسعة التي تحاول ضبط حالة التماسك الاجتماعي ودفعها نحو حماية ثوابت المجتمع وهويته، وعلى هامش الاخوان المسلمين يسارا او يمينا لم يخل الامر من فعاليات حرة تعبر عن رفض الفرعنة والضغط غير المحدود.. وتصدى الاخوان ومعهم كل حر شريف في مصر لكل التجاوزات الخطيرة التي تهدد كرامة الامة وثوراتها ومقدساتها، ووقفوا ببسالة ضد العدوان الامريكي على العراق والذي وقف النظام مساندا له، ووقفوا ضد عدوان اسرائيل على غزة الذي صرح به النظام لإسرائيل، ووقفوا ضد التطبيع مع اسرائيل وضد الظلم الواقع على ملايين الناس.

الآن تتنفس مصر هواء جديدا صحيا.. ولكن امام مصر تحديات عديدة بحجم مصر وبحجم دورها.. فبعد ان فركت مصر عينيها من نوم ثقيل، وبعد ان تمطى ليلها بإعجاز وناء بكلكل سترى ان عليها القيام فورا بواجبات تجعل من حضورها ذا قيمة وجدوى.. اول التحديات الامن الاجتماعي والاستقرار والتعايش بين مكونات المجتمع، وهنا لا بد من ثقافة التصالح وإرساء سيادة القانون وقطع الطريق على المحاباة والتجاوزات، بمعنى ان يكون الامن عنوانا لجهود كبيرة جادة للقضاء على ظاهرة البلطجية.. ثم على مصر ان تحل مشكلات البطالة وما ينشأ عنها.. وهنا ليس مطلوبا سلة عملات وعطايا تقدم للعاطلين عن العمل، انما سياسات اقتصادية يكون لها مردود على المدى القريب والمتوسط، بمعنى انه لا بد من ايجاد ضمانات عملية علمية لاستيعاب اليد العاملة بوضعية كريمة في منظومة اقتصادية مفيدة، وهذا يرتبط برؤية علمية وعملية وواقعية وطموحة لتطوير الصناعة والزراعة وفتح افاق التجارة والاستثمار في مجالات الاستثمار المصري من قناة السويس والتنقيب عن البترول والغاز.. ثم هناك ملفات ملحة في مصر تمثل تحديا حقيقيا حيث ان الصحة وما تحويه من مجالات تعتبر احد مظاهر المأساة المصرية.. وهنا يبدو ان جهودا جبارة لا بد من بذلها لإنقاذ حياة ملايين المصريين من امراض مزمنة تضرب في اوساطهم بعنف.. كما ان ملف التعليم وتطويره ورفع مستواه والاهتمام بالبحث العلمي وربط ذلك باستراتيجية نمو مدروس وطموح يعتبر ملفا حاضرا بقوة على المستوى السياسي القادم..

هذا وتبرز امام القيادة السياسية القادمة ملفات على المستوى الاقليمي لا بد ان تكون هناك رؤى وتصورات وخطط واستراتيجية لمعالجتها معالجة صحيحة وحكيمة.. فالقضية الفلسطينية وكامب ديفد وتداعياته والخطر الاسرائيلي الماثل امام مصر ووضع السودان والصومال وحوض النيل والعراق وإيران وليبيا.. كلها عناوين تحديات تتطلب من مصر اجابات عملية قوية وواضحة..

لقد بزغ فجر مصر وأمامها من التحديات ما ان اثبتت فيه صلاحية معالجتها تكون قد استردت نفسها ودورها وأصبحت بلا شك قوة رئيسية كما ينبغي ان تكون لصالح مصر ولصالح العرب والاسلام.