حالات فضائية عربية؟
هل تحولت الفضائيات العربية إلى ساحة حرب لـ”التشويش” على بعضها البعض ولتضليل الرأي العام العربي حول ما يجري في الوطن العربي من تحولات؟، وهل أصبح استنساخ البرامج والأفلام والمسلسلات مهنة جديدة؟، لماذا لا تفرق صاحبات “البث الحصري” بين العمل الإعلامي والدعوي والسياسي والتجاري وبين الفن الدرامي؟
رحم الله العقاد
أثار مسلسل “عمر بن الخطاب” الكثير من الجدل في الأوساط الإعلامية والدينية بالرغم من ادعاء أصحابه بأنه أضخم إنتاج درامي، دون الانتباه إلى أنه استنساخ لفيلمي “الرسالة” و”عمر المختار” للمرحوم مصطفى العقاد، الذي قتل في عمان على أيدي من يحملون شعار الدفاع عن الإسلام، وتثير الكثير من الأفلام والمسلسلات التي أنتجت في الأقطار العربية التي تعرف تحولا في المشهد السياسي تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لغياب الجانب الإبداعي فيها، وطغيان الخطاب السياسي الشعبوي فيها، وبالرغم من أن البعض منها أنتج في عهد النظام السابق، إلا أن المشرفين عليه، فضلوا تضليل الرأي العام بإقحام مشاهد جديدة يظهر فيها الثوار، وتختفي فيها صور رجال النظام السابق، فما الذي يجعل الفضائيات العربية تتنافس على وصف ما يقدم فيها بـ “حصريا” بالرغم من بثها في قنوات أخرى أو عبر الأنترنت؟.
ما الجديد في مسلسل عمر بن الخطاب الذي شاهدنا منه عشر حلقات؟؟ يبدو أن الاستنساخ للمنتوج العربي فيلم “الرسالة” جعل الكثير من المشاهدين له لا يفرقون بينهما سوى في الاستعراض الهوليودي الذي كان أكثر مهنية في إنتاج مصطفى العقاد بسبب أن المسلسل اعتمد على مشاهد “عنف المعارك” على حساب البعد الإنساني والأخلاقي في شخصية عمر بن الخطاب.
.
اقتسام “الكعكة”؟
يبدو لي أن الثورة السورية تتجه نحو إجهاض مشروع الثورات العربية لأنها تمارس على الفضائيات أكثر مما هي في الواقع، وأن النهاية المرتقبة للرئيس بشار الأسد لن تختلف عن نهاية الزعيم معمر القدافي سوى في المشهد الدرامي لكليهما، فقتل القذافي على المباشر أثار الخوف من خطر التدخل الأجنبي، في حين أن نهاية الأسد ستكون كنهاية أبطال “كافكا” أو “هيتشكوك” لأنه شرد شعبه وهدم بلده بنفسه، أما المعارضة فهي تؤدي حاليا دورا مسرحيا في خدمة الصراع الأمريكي الغربي والروسي الصيني، فالغرب بقيادة فرنسا يريد التعجيل بإنشاء حكومة انتقالية في المنفى ليعترف بها ويدفع بسفراء الحكومة الحالية إلى الانضمام إليها، ويلزم “أصدقاء سوريا” بدعمها وتمويلها، مما جعل المعارضة في الخارج تدخل في حرب غير معلنة فيما بين تنظيماتها، سعيا إلى اقتسام كعكة الثورة السورية قبل رحيل النظام، وكأن الهدف من كل ما يحدث هو الوصول إلى السلطة وليس تغيير النظام.
إن الثورة تحتاج إلى ثوار أكثر من حاجتها إلى سياسيين، ولا تحقق انتصارا إذا ما اختلفت أهداف أصحابها، ولا تستطيع أن تعلن عن حكومة في المنفى دون أن تفرض وجودها في الداخل عبر التنظيم السياسي والعسكري حتى لا تتحول إلى مجرد دمية في يد من يموّلها؟، وتعدد المنابر السياسية والإعلامية للمعارضة السورية مؤشر على اختراقها من قبل النظام أو الدول المعادية له، فهل تستطيع وجوه المعارضة القديمة أن تؤثر على مواقف الثوار في الميدان وتصوراتهم لمرحلة ما بعد سقوط النظام؟.
.
الابتذال الإعلامي
قد تقبل بخطبة يلقيها إمام في المسجد يحث فيها المصلين على اجتناب الفواحش ما ظهر منها وما خفي، وقد تحفزك على الابتعاد عن ارتكاب المعاصي، ولكن من الصعب أن تقبل شخصا يدخل بيتك دون استئذان، ليحدثك بلغة مبتذلة عن السياسة أو الدين أو تغيير النظام عبر مونولوج أو برنامج أو حديث مباشر مع الكاميرا.
من حق الإمام أن يخطب في الناس إذا كان مؤهلا لذلك، ولكنه ليس من حقه أن يتحول إلى رجل إعلام يحدث الناس عن كل شيئ، إلا عن البعد الروحي للدين الإسلامي، ومن حق رجل الإعلام أن يقوم بوظيفته الإعلامية خدمة للجمهور، ولكن ليس من حقه أن يتحول إلى رجل سياسة أو رجل دين، وهو يدخل بيتك عبر الشاشة، ومن حق المعارضة أن تقدم برامجها البديلة لبرامج النظام القائم، ولكن ليس من حقها أن تطالب بتمويلها بالأسلحة لإسقاط النظام، لأن الوصول إلى السلطة بقوة السلاح سيؤدي بالضرورة بأصحابه لاحقا إلى استخدامه ضد من يعارضونهم.
إن اهتمام الشباب بالتغيير عن طريق المعارضة السلمية، كما وقع في تونس ومصر واليمن هو السبيل الوحيد لقيام نظام ديمقراطي، لأنه يعزز التواصل بين أفراد المجتمع ويمكن الأفكار من التداول بين أصحابها، ويصحح التصورات الخاطئة لمن يريد الوصول إلى السلطة عبر السلاح.
وحالات الفضائيات العربية المشجعة للعنف أو للابتذال الثقافي والسياسي والديني ستستمر مادام هناك شهر واحد نفكر في الإنتاج له والاستهلاك فيه.