الرأي

Fake deep knowledge

حبيب راشدين
  • 1537
  • 4
ح.م

منذ نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، نعيش حالة من الحروب المستدامة على شعوب ودول العالم الثالث، بأدوات ناعمة، هي أخطر من جميع أشكال القوى الصلبة الغاشمة التي تجمّعت للغرب، منذ بداية بسط نفوذه العالمي على يد بريطانيا العظمى، وانتقال لوائه للولايات المتحدة، قبل بداية تسلميه اليوم للزمرة الخزرية الصهيونية، وهي تمهّد لتنفيذ إفسادها الثالث.

قوة هذه الأدوات، برزت بشكل واضح في إدارة الموجات المتعاقبة من “الثورات المخملية”، مع ضخ إعلامي هائل، وتجنيد فاضح لِطيف واسع من المنظمات “غير الحكومية” ودور الدراسة، وتوظيف الفضاء الأزرق ومنصّاته، التي نجحت في اختطاف إدارة الشعوب من الحكومات الأهلية، لتدفع بها إلى حتفها بظلفها، كما حصل في كثير من دول الربيع العربي.

أزمة كوفيد 19 منحتنا – مجددا – فرصة أخرى لتعقب بعض فصول هذه الحرب الناعمة، بإدارة إعلامية مضللة، هي اليوم محل مساءلة وتشكيك، حتى بين بعض نخب الشعوب الغربية المعدَّلة عقولها جينيا، ولم تسلم من التواطؤ معها أغلبُ المنظمات الأممية، مثل منظمة الصحة العالمية، التي ضغطت على حكومات دول العالم الثالث لتنفيذ إغلاق قاتل أكثر من الوباء ـ إن صحّ أنّ كوفيد 19 بالفعل “جائحة عالمية”، مع أن أكثر الإحصاءات صدقا تقول إن 95 بالمائة من الإصابات والوفيات كانت من نصيب دول “مجموعة 19+1” هي من دفعتني في عمودٍ سابق إلى إعادة تعميد “كوفيد 19” باسم “كوفيد ج 20”.

ومع الفضائح التي نقلها الإعلام الشعبي في الفضاء الأزرق، حول انهيار المنظومات الصحية للدول الغربية، وتعمّدها الموثق التخلصَ من شريحة المعمرين المكلفة بشكل إجرامي لا غبار عليه، فإن بعض أدوات الغرب الناعمة لم تجد حرجا في إصدار تقديرات خرقاء، لما وصفته بـ”قائمة الدول الأكثر أمانا تجاه جائحة كوفيد19″، ومنها التقرير الأخير لمنظمة تدعى (DEPP KNOWLEDGE) الذي صنف أكثر من 200 دولة، وفق مقاييس لا يعلمها إلا هو، صنفت سويسرا وألمانيا و”إسرائيل” على رأس الدول الأكثر أمانا، فيما صنفت دول شمال إفريقيا (تونس، والجزائر، والمغرب، ومصر) في منتصف الترتيب، مع أن إجمالي الوفيات في هذه الدول الأربع طيلة الأشهر الثلاثة الماضية، لا تعادل حصيلة يوم واحد في دول غربية مثل فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، بل إن مصر بمئة مليون مواطن، كانت حصيلتها أفضل من السويد، وحصيلة الجزائر بـ44 مليون نسمة (700 وفاة) هي أفضل من سويسرا (1633 وفاة)، التي صُنفت في المرتبة الأولى، وحصيلة تونس كانت أفضل من حصيلة الكيان الصهيوني، الذي منحه التقرير الرتبة الثالثة.

بعض وسائل الإعلام عندنا، بادرت إلى نشر هذا التقرير المزيَّف بلا تمحيص، ولم تكلف نفسها البحث عن هوية هذه المنظمة، التي هي مجموعة استثمارية غربية صرفة، تعمل في حقل الاستثمارات الخاصّة بإطالة العمر، لها ارتباطات وثيقة بكبريات الشركات الصيدلانية، وهي معنية بتهيئة شعوب العالم الثالث لتقبُّل حملة جديدة من اللقاحات المكلفة ماليا وصحيا، وفي نفس الوقت، تريد عبر هذا التقرير المزيَّف تبييض ساحة الدول الغربية الموبوءة، وصرف الأنظار نحو دول العالم الثالث، التي صُنِّفت جميعها في ذيل الترتيب.

شخصياً، لم أكن لألتفت إلى هذا التقرير ولأمثاله، لولا أنه يمنحنا الفرصة مجددا للفت انتباه شعوبنا وإعلامنا، إلى واجب التعاطي بحذر مع هذه التصنيفات، حتى حين تصدر من هيئات دولية: في الاقتصاد، والمالية، وفي مختلف أوجُه الحياة، وقد قُبض عليها في أكثر من مناسبة وهي متلبسة بجرم الكذب والتزوير، بغايةٍ مفضوحة تجتهد لزرع الرُّعب والخوف، وغرس مشاعر الإحباط داخل شعوبنا، وتحتاج من دولنا إلى أن تتعامل معها كما تتعامل اليوم مع ما تصفه بـ”الأخبار الكاذبة”، بل يُفترض أن تتعامل معها كأدوات مدمرة في حرب غير متوازية، هي أخطر بكثير من  أي اجتياح محتمل بالقوة الغاشمة.

مقالات ذات صلة