النخب العربية ما بين المانغا وميكي ماوس
نعرف الغرب أو لا نعرفه، نفهمه أو لا نفهمه، ولكننا وفي كل الأحوال غارقون حتى الأذنين فيه، بطريقة عفوية أو مقصودة، واعية أو غير واعية، نقلده في كل شيء، ننسخه في الأدب والمسرح والسينما، نلبس مثلما يلبس، نرقص ونغني مثل ما يهز ويعزف، نأكل مما يشبه فن الطبخ لديه، الغرب لم يعد آخرا عاد جزءا من الأنا. غابت الأنا في الغرب، غرقت فيه. هي اللعنة أم القدر أم تاريخ الوعي العربي والمغاربي الشقي.
وحتى إن كان منطق تطور التاريخ هو هذا أو جزء من هذا، إلا أن دهشتنا بقيم وخيرات هذا الغرب أعمتنا، فرفعت أسوارا عالية بيننا وبين بقية حضارات الكرة الأرضية، وجراء هذا الاندهاش والذوبان أصبحنا نختصر العالم الواسع بما حوى من ثروات وتنوع في اللغات والثقافات والإبداعات، نختصره أو بالأحرى لا نراه إلا في صورة غرب صغير يشبه خرم الإبرة، غرب القرن التاسع عشر والعشرين، فالغرب الذي نعرفه لا يكاد يخرج عن الفرنسيس والأمريكان وقليل من الجرمان والطليان والإسبان وما عدا ذلك من أقوام وإبداعات الشعوب الأخرى غير موجودة في مخيالنا. الآخر الذي يستعمر مخيالنا ويدهشه ويثيره لم يخرج عن جغرافية القرنين الماضيين.
لقد تغيرت صورة العالم كثيرا ومعها تحررت مخيالات كثير من نخب التي تنتمي إلى شعوب غير شعوبنا، ومن جراء ذلك تحررت الذات والجماعة وبها ومعها تحررت أشكال الكتابة وفلسفات الأدب والموسيقى والسينما والتكنولوجيا، وظللنا عربا ومغاربيين قابعين قانعين بقيم غرب القرنيين الماضيين المعرض هو نفسه لاختراقات حضارات البلدان التي منها تطلع الشمس.
في الوقت الذي تبدو نخب هذا الغرب التقليدي الأوروبي والأمريكي مندهشة ومتطلعة ومتتبعة بدقة لما يحصل من إبداعات مذهلة لدى نخب شعوب مطلع الشمس، إبداعات تكتسح العصر بآدابه وموسيقاه وأفلامه وفلسفاته، لا زالت نخبنا تراوح مكانها من دهشة استيلابية تنتمي إلى زمن الاستعمارات الكلاسيكية.
هناك ثقافة جديدة بقيم جديدة وبحلم جديد تزحف على العالم قادمة من البلدان حيث مطلع الشمس ومطلع الحلم البشري الجديد. هي بلدان كبيرة وكثيرة تحقق تغيير العالم وتثوير الذوق الفردي والعام بحكمتها وبفلسفاتها وبأديانها وبموسيقاها وبآدابها وبسينماها وبتكنولوجياتها وبهندسة معمارها.
الغرب الذي يستوطن مخيال النخب المغاربية والعربية والإفريقية قد أصبح عجوزا متهالك القوى، باحثا بلهفة عن أسلوب لترميم مفاصل جسده وتجديد طاقته، وفي شقاء البحث عن التجدد والخلاص من الموت تراه قد ولى نظره واهتمامه وجهة بلدان مطلع الشمس، منشغلا بما تنتجه اليابان والصين وكوريا الجنوبية من رواية وأدب الأطفال وشريط مرسوم وسينما وفن تشكيلي، إن نخب الغرب تدخل ساعة قرن جديد، تعيش طلوع شمس بلدان أقصى الشرق.
يوكيو ميشيما، هاروكي موراكامي، ماتسوورا رييكو، ميان ميان، ويي هوي، شان صا وغيرها …. هذه ليست أسماء ماركات سيارات يابانية أو ماركات هواتف نقالة كورية أو تليفزيونات ذكية ولا أسماء شركات بناء صينية عملاقة إنها أسماء أدبية تتموقع يوما بعد يوم، وأكثر فأكثر في تقاليد القراءة الأدبية الأوروبية والأمريكية، أدباء بنصوص روائية تثير الدهشة لدى القارئ الأوروبي الجديد وتحارب في داخل النخب الإبداعية الأوروبية الأمريكية عقدة الشعور بأنها مركز العالم في إنتاج الذوق والمعنى والجمال والمال.
ها هي النخب الإبداعية الجديدة اليابانية والصينية والكورية تزحف على العالم بقيمها الأخلاقية والجمالية الجديدة لتقضي على ثقافة اليأس وكآبة بدأت تنخر ذات القارئ الأورو-أمريكي وها هي السينما الصينية والكورية وفن المانغا اليابانية يخلق انقلابا جماليا في الذوق الغربي.
ولكن متى يا ترى تقتنع نخبنا بأن الشمس تطلع من خلف سور الصين ومن سماء بلد المانغا لا من بلد ميكي ماوس وتوابعه.