-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تتداول على إحياء "وعدتها" ثلاث قرى

أزرو نطهور.. القمة التي تجمع شتات العائلات بأعالي تيزي وزو

رانية. م
  • 1514
  • 0
أزرو نطهور.. القمة التي تجمع شتات العائلات بأعالي تيزي وزو
أرشيف

أحيّت قرى زوبقة وآيت عدلي ببلدية إيليلتن بأعالي ولاية تيزي وزو، “الوعدة” السنوية التي تقام بالمكان المسمى أزرو نطهور، والتي تتزامن مع كل يوم جمعة من الأسابيع الثلاثة الأولى لشهر أوت من كل سنة، والتي توارثتها الأجيال منذ عقود من الزمن.
تعتبر هذه التظاهرة من العادات التي بقيت صامدة في وجه الحياة العصرية، والمواقع التي تلم شمل العائلات التي تقصده من كل حدب وصوب، للتصدق ولقاء الأحبة في مقام أحد الأولياء الصالحين، الذي اتخذ من قمة يتجاوز ارتفاعها الـ1883م خلوة يتقرب فيها من الله، وتداولت الأجيال عدة قصص عاشها خلال فترة تواجده في المعبد، الذي تحول إلى مقام يزوره السكان من مختلف ولايات الوطن ومن خارجه.

مزار للعائلات وموقع سياحي بحاجة لاهتمام
يتواجد مقام الولي الصالح في المكان المسمى أزرو نطهور في موقع يربط بين ثلاث ولايات هي تيزي وزو، البويرة وبجاية، وتابع إداريا لبلدية إيليلتن بأعالي إفرحونان بولاية تيزي وزو وعلى ارتفاع شاهق يتجاوز الـ1883 متر، يمكن لزائره أن يشاهد الجبال المتموجة والقرى المتناثرة بأعالي القمم المحاذية لها، في لوحة طبيعية تتجلى فيها عظمة الخالق، سبحانه وتعالى، كما يعتبر أحد المواقع الطبيعية والسياحية البعيدة عن الاستغلال الأمثل واهتمام السلطات المعنية، حيث لا يزال الطريق الذي يوصل إليه على حالته الطبيعية، يتطاير غبارا ويمتلئ حفرا على طول يقارب الـ7 كيلومترات، إلا أنه لا يثني الآلاف من الراغبين في زيارة المقام من الوصول إليه.
هذا الوضع جعل الموقع الخلاّب يقصى من خارطة المواقع السياحية بالولاية، إلا أنه يصبح قبلة الزوار في الجمعات الثلاث الأولى لشهر أوت من كل سنة، وهي المواعيد التي اتفق عليها الأسلاف منذ عقود من الزمن، حيث يكون الجو والوقت مناسبين للجميع، وتتداول 3 قرى وهي كل من زوبقة، آيت عدلي وثخليجت ناث عتسو على تنظيم هذه “الوعدة” التي يتم التحضير لها قبل أسابيع من موعدها، وذلك عبر تعيين الأشخاص الذين يشرفون على الطبخ وتوزيع الطعام على الزوار، تعيين الشباب الذين يشرفون على تنظيم سير التظاهرة، توجيه آلاف القادمين إليها، إلى جانب ضمان حراسة وأمن الموقع من طرف ذات الشباب عبر حراسة المركبات وتوجيه سائقيها، كما تواجدت قوات الدرك الوطني في عين المكان، نظرا للأعداد الهائلة من الزوار الذين يكون معدلهم غالبا ما بين 6 آلاف إلى 7 آلاف زائر في اليوم الواحد.
وتعتبر التظاهرة مناسبة للقاء الأحبة والعائلات الذين فرقتهم مشاغل الحياة أو الغربة، لسنوات قد تمتد لأجيال، حيث تصادفك صور اللقاءات الدافئة في كل الزوايا وعلى طول المسار المؤدي لناحية المقام، وتعتبر فرصة للصلح بين المتخاصمين، إذ لا يمكن أن يلتقي شخصان متخاصمان ولا يحدث أحدهما الآخر، ويعمل أعيان القرى على إرساء الأخوة والمحبة بين الأفراد، خصوصا إذا كانوا من العائلات نفسها أو جيرانا.

إطعام الزوار وإعانة الفقراء بالتبرعات
وعن تحضيرات هذه المناسبة، أكد “دا فرحات”، أحد أعيان قرية آيت عدلي في تصريح لـ”الشروق اليومي”، أنه يتم الإعلان عن موعد “الوعدة” رغم العلم المسبق به في القرية، أسبوعين قبل حلولها، حتى يتسنى للسكان تقديم الصدقات والتبرعات الموجّهة لإحياء هذه المناسبة، التي لا يتخلف عنها حتى الغرباء عن المنطقة.
وأضاف المتحدث، أنه ومنذ نعومة أظافره، لم يتذكر أن لجنة القرية قد قامت بشراء أي شيء لتنظيمها، حيث يكون كل شيء حاضر بتبرعات المحسنين والمواطنين الذين يقدّمون خرافا، عجولا، كسكسا، خضار، فواكه، مياه وكل ما يحتاجه زوار الموقع، وقديما، كان كل شيء يحمل على الأكتاف أو الدواب، وسط ممرات جبلية وعرة، تذبح الثيران والكباش في المكان المخصّص لتحضير الطعام، وجمع الصدقات والتبرعات، وهو عبارة عن منزل تقليدي بني منذ قرون لذات الغرض.
إلا أنه أصبح يتم تحضير كل شيء في القرية من قبل النساء والرجال، وينقل إلى المكان في شاحنات مبردة لتحضيره، ويمنع سكان القرية من تناول الطعام الذي يحضّر يوم “الوعدة”، حيث يحضّر للضيوف فقط، في حين يحمل سكان القرية المنظّمة وحتى القريبة منها، طعامهم معهم من منازلهم ويساعدون في استقبال وتوجيه الزوار.

“الوزيعة” لسكان القرية المنظّمة
وفي اليوم الموالي، تقام “لوزيعة” لسكان القرية عرفانا بمجهوداتهم، حيث يذبح ثور أو اثنان ويوزّع اللحم على الجميع لتحضير عشاء متساو بين الفقير والغني، ويكون للفقير والمريض نصيب أكبر من غيرهما، في حين توجّه الصدقات والتبرعات التي يقدّمها الزوار بعين المكان، لتموين خزينة القرية وصرفها في الأعمال ذات المنفعة العامة، كنقل المياه الصالحة للشرب وتصليح القنوات، إنجاز المسالك والممرات بين التجمعات السكنية في القرية أو إعانة المرضى والمحتاجين، حيث أكد المتحدث، أن القرية، ومنذ الأزل، تقوم بتنظيم ثلاث “وعدات” سنويا، وتعتبر “وعدة” أزرو نطهور الوحيدة التي تقام بصدقات المحسنين، في حين يشترك سكان القرية في “الوعدات” الأخرى لشراء العجول وذبحها لتوزيعها على العائلات، خلال مناسبة عاشوراء وأخرى تقام في الـ17 من شهر أكتوبر وتسمى ثيمشرط “ايوجيبن” وتتعلق بالجانب الفلاحي الذي يعتبر محور الحياة قديما، حيث يتم إخراج ثيران الحرث للحقول، تقسيم الحبوب والبذور وخلال هذا اليوم، يعلن عن الإخوة الذين يقسمون أملاكهم بينهم على ذلك لإعلام العامة، حيث تجمع هذه المناسبة بين الجانبين الاجتماعي والفلاحي وضمان سير النظام الذي يحتكم إليه الأسلاف في جميع أمور حياتهم، والتي يمنع تخطيها أو تجاوزها من أيّ كان.

كرامات الرجل الصالح
وعن عادة الذبائح وطبخ اللحوم في هذه المناسبة، صرح السيد محند وعلي، أحد المسنين من منطقة بشلول بولاية البويرة، أنه ونقلا عن الروايات المتداولة و المتناقلة عبر الأجيال، فإن شيخا متعبّدا اختار هذا الموقع للتفرغ للعبادة بعيدا عن كل شيء، وقد حدثت عدة مواقف فريدة في حياته، أحدها والتي كانت سببا في ذبح العجول والأغنام، هو نزول أحدهم ضيف عليه دون إخطاره مسبقا ولم يكن بحوزته سوى القليل من الكسكسي، فخجل منه وقدّم له طعامه ليسد به جوعه، وحين التف ليناوله ملعقة، وجد طبقا من الكسكسي باللحم وقال الضيف من أين لك هذا؟ فوجّه إصبعه للأعلى قائلا: “ليس من عند سواه”.
وذات يوم، تصدّق عليه البعض بصحن من الكسكسي، وكان مصنوعا من الفخار ووقع من قمة الجبل وبلغ أسفله دون أن تنكسر “القصعة” أو يقع ما فيها من طعام.
وعن تسمية أزرو نطهور أو صخرة الظهر، قيل إن الرجل الصالح صلى الظهر وتوفي بعده في ذات المكان، كما كان الجبل يستدل به لتحديد مواقيت الصلاة وكانت الشمس، إن بلغته، دخل وقت الظهر وسمي كذلك من حينها، وغير بعيد عنه، يتواجد جبل آخر يسمى بأزرو العصر وهو موقع يستدل به هو الآخر لدخول موعد العصر.
وفي نهاية زيارتنا للموقع، الذي يعيش على وقع آخر الروتوشات التحضيرية لموعد “الوعدة” السنوية، الجمعة المقبل والتي ستشرف قرية ثخليجث ناث عتسو على تنظيمها، طالب المتواجدون بعين المكان من منظمين وزوار، بنقل مطالبهم للسلطات المعنية، والخاصة بتزفيت الطريق الذي يعيق حركة المرور على امتداد قرابة الـ7 كلم، وتوفير أدنى الإمكانيات المطلوبة للاستغلال الأمثل للمنطقة لجعلها وجهة سياحية، يمكنها ضخ مداخيل إضافية للخزينة، وفتح مناصب شغل للشباب الراغب في الاستثمار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!