إعادة إحياء كتب “الجيل الذهبي” في الأسواق الجزائرية!
في ظل التحوّلات والإصلاحات البيداغوجية التي يشهدها قطاع التعليم، ومع السعي الحثيث لتحديث المناهج وابتكار أساليب تدريس تواكب العصر، يبقى الجيل الأول من الكتب المدرسية شاهدا على فترة ذهبية لتاريخ التعليم في الجزائر. ولم تكن هذه الكتب مجرد وسائل لنقل وتلقين العلوم والمعرفة، بل كانت تمثل منظومة تربوية شاملة، شكّلت أسس فكر أجيال من الإطارات التي تتولى اليوم قيادة مؤسسات الدولة بفضل منهجها البسيط والمُعتمد على القيم والمعرفة الأساسية.
ويبدو أن هذا الحنين إلى الماضي ليس مجرد شعور عاطفي، بل هو نوع من البحث عن الأصالة والبساطة التي كانت تتميز بها المناهج الدراسية، آنذاك، في زمن يتميز بالتكنولوجيا السريعة والمناهج المتغيرة باستمرار، عادت بقوة كتب الجيل القديم أو ما يسمى بـ”الجيل الذهبي”، التي كانت تُعتبر في فترة معينة جزءًا من الماضي، وتسويقها على نطاق واسع، بعد تزايد الطلب عليها بصفة غير مسبوقة هذه السنة، حيث شهدت الأسواق في الجزائر إحياء نشاط بيعها، سواء عبر المكتبات أم المنصات الرقمية، يوازيه إقبال كبير للجزائريين الذين يبحثون عن هذه الكتب لتذكير الأجيال الجديدة بالمناهج التي نشأ عليها آباؤهم، أو البحث عن النسخ القديمة للاحتفاظ بها للذكرى.
الاستثمار في بيع الكتب القديمة وتسويقها عبر المواقع الإلكترونية
وفي سياق الموضوع، كشف صاحب منصة “1001 كتب”، الخاصة بتسويق الكتب، لـ”الشروق”، عن مشروع استثماري باشره منذ أقل من شهر في مدينة سعيدة، يتمثل في طبع وبيع كتب الجيل الأول التي عرفت رواجا كبيرا مؤخرا، وازداد عليها الطلب بشكل لافت، قائلا إن عشرات الطلبات تصله يوميا من مختلف ولايات الوطن، لاقتناء حزم من الكتب لجميع المستويات، بداية من برامج السنة الأولى ابتدائي إلى السنة السادسة، وأردف المتحدث، قائلا إن أسعارها تتفاوت بحسب الطلب، إذ تتراوح ما بين 800 إلى 1000 دج للكتاب، مع ضمان التوصيل إلى مقر إقامة الزبائن.
وأكد صاحب المشروع، أن فكرة تسويق هذه الكتب راودته مع بداية الدخول المدرسي الحالي، أين قام بتحميل نسخ عن الكتب القديمة التي تعود إلى فترة منتصف الثمانينيات والتسعينيات من الأرشيف على شكل pdf ثم قام بطباعة كمية قليلة منها، قبل عرضها للبيع عبر الصفحة الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، أين تفاجأ بإقبال منقطع النظير على اقتنائها، وهو ما حفزه أكثر للانطلاق في مشروع لتسويقها وبيعها، ولفت المتحدث إلى أن معظم الزبائن الذين تواصلوا معه، طلبوا نسخا لكتب القراءة من أجل تدريب أبنائهم الذين يدرسون بالمرحلة الابتدائية على النطق والقراءة بشكل صحيح، وإثراء رصيدهم اللغوي، فيما ترغب فئة أخرى من الزبائن شراء جميع الكتب والاحتفاظ بها للذكرى، واسترجاع ذكريات طفولتهم ومراحل تمدرسهم بالطور الابتدائي، بحسب ذات المتحدث.
من جهته، يرى الأمين العام للنقابة الوطنية المستقلة لعمال التربية والتكوين، عمورة بوعلام، أن الأولياء الذين يقتنون هذه الكتب، ليس فقط من أجل تذكر سنوات تمدرسهم بل حتى يستفيد الجيل الحالي منها أيضا، من خلال استغلالها في تدريب أبنائهم وتحسين مستواهم، خاصة من الجانب اللغوي، وأضاف عمورة أنه رغم إيجابيات هذه المبادرة الطيّبة، على حد وصفه، إلا أن الأولياء مجبرون على ضرورة إتباع المناهج الرسمية، وعدم التشويش على التلاميذ، بما أن الكتب الحالية مسطرة من قبل الوزارة ومواكبة للإصلاحات الوزارية بقطاع التعليم.
وبحسب المتحدث، تتميّز الكتب المدرسية القديمة بأسلوب بسيط وشامل، حيث كانت تركز على تقديم المعلومات مع أمثلة عملية تستند إلى الحياة اليومية، قائلا إن الطلاب الذين نشؤوا مع هذه الكتب يتذكرون اليوم الصفحات المليئة بالرسوم التوضيحية والأسئلة التطبيقية، ما جعلها جزءا مهما لا ينسى من تجربتهم التعليمية، وهذا ما يفسر الإقبال الكبير عليها.
مشاعر الحنين إلى الماضي ساهمت في الترويج لكتب الجيل الأول
في المقابل، استحسن المختص في علم النفس، مسعود بن حليمة، عودة الكتب المدرسية للجيل القديم في الجزائر وتسويقها مجددا، وهو ما يعكس مشاعر حنين عميقة إلى الماضي، ويعبر عن رغبة فئة واسعة من الجزائريين في العودة إلى فترات من حياتهم، على حد قوله، حيث كان الشعور بالبساطة والاستقرار أكثر وضوحا، مضيفا أن إقبال الناس على هذه الكتب اليوم، بعد سنوات طويلة، يدل على أنها رمز للانتماء، في محاولة للبحث عن هوية مشتركة تجمع الأجيال عبر الزمن.
وأردف بن حليمة أن تسويق كتب الجيل الأول واقتناءها من قبل الأولياء، هو مبادرة جيّدة من طرفهم للبحث عن طرق جديدة والمساهمة في استكمال مشروع المدرسة الجزائرية الحالية، وكذا الرفع من مستوى التحصيل لدى التلاميذ، خاصة في مجال القراءة، بالنسبة إلى التلاميذ الذين يعانون من صعوبة في النطق، بحسب بن حليمة.