اعراس قسنطينة .. رحلة ”الشورة” و ”الجرية” وحل شهر العسل
قسنطينة هذه المدينة العريقة، أخذت اليوم تبتعد عن أصالتها وتتملص من عادات وتقاليد قدمائها شيئا فشيئا.فمنذ الشهر الأول من فصل الصيف، موسم أعراس المدينة أخذت مواكب الأفراح تكتسي حلة جديدة في أساليب التنظيم والعادات، فأصبح عرس قسنطينة اليوم لا يختلف عن أعراس المناطق الأخرى من ولايات الوسط والغرب.قسم المجتمع
عرف المجمتع القسنطيني بتحفظه قديما مما كان يصعب على العريس أن يتعرف مباشرة على الفتاة التي يريد الزواج منها، فقد كانوا لا يسمحون للفتاة البالغة بالخروج إلى الشارع، وإن فعلت تخرج بلباس يمنع ظهور جمالها وحتى وجهها، والمتمثل في »الملايا والعجار«. فمن عادات العريس قديما حين يريد الزواج توكيل أمه أو أبيه أو أحد الأقارب من كبار السن. وأحسن طريقة تختار بها الأم عروس ابنها هي التكثيف من الإقبال على الأماكن التي يتجمع فيها النسوة كالحمام ومحلات الخياطة والأعراس والجنائز، حيث تتقدم الأم من الفتاة فتسألها عن نسبها.
ثم يأتي دور الرجال بعد موافقة العروس ليبرمجوا موعدا في دار العروس لرؤية الفتاة وهو ما يعرف »الشوفة« يحضرها والدا العروس والعريس والعريسان، فإن لم تعجبهم العروس عادوا إلى ديارهم وإن أعجبتهم يتفقون على موعد الخطبة حيث يحضر الأعمام والأخوال ثم تعرض شروط العائلتين وبعد الموافقة تقرأ الفاتحة في المسجد.
في »الجرية« تظهر العروس في أبهى حلة لها مرتدية ڤندورة القطيفة، القسنطينية وعلى رأسها الدراية وتضع لها أم العريس الحناء، وجرت عادة القسنطينيين أن يحنوا للعروس على »ويزتين« من ذهب ويحضرون لها في هذه المناسبة ثلاثة ألبسة (البيضاء والوردية والفضية) والخاتم، وفي هذه المناسبة يقدمون لها المهر المتفق عليه في الخطبة وبعدها يحددون موعد الزفاف.
أما حاليا فقد انقرضت هذه العادات عند الشباب، حيث تتجه أغلبيتهم إلى التخلي عن منهجية العرس القديم، فالعريس اليوم يفضل اختيار شريكة حياته بنفسه سواء من حيث الأوصاف أو الشروط.
ومن المعروف لدى شباب اليوم أنهم اكتسبوا خبرة في الاختيار وتغيرت مقاييس الجمال لديهم، حيث نجدهم يفضلون أن تكون ناضجة عقليا وفكريا وانتبهوا لضرورة توفر مستوى علمي أو ثقافي معين، أما عن طرق التعارف فهي عديدة منها: التعارف وجها لوجه، أو عن طريق الهاتف أو المراسلة، وحتى الخروج والالتقاء. ومتى يحدث الاتفاق والتفاهم بينهما يفصحان عن علاقتهما أمام والديهما لتتم الخطبة مباشرة بعد موافقة كلا الطرفين. ويحدد بعد ذلك موعد الفاتحة، أما »الجرية« فلا تبرمج في غالبية الأحيان، بل يبرمجون كل ما بقي من حنة وخاتم إلى يوم الزفاف.
لقد شهدت قسنطينة العتيقة تحضيرات مميزة لحفل الزفاف، فقد كانوا يبدأون بإعداد كافة الترتيبات اللازمة قبل ثلاثة أسابيع أو أكثر بدء بالشخشوخة والحلويات وغيرها من المأكولات المحضرة سابقا بكميات كبيرة، وكانت النسوة عندما ينتهين من التحضير يقفن مغنيات ضاربات »للبندير« أو ما يسمى »غناء الدرابزية« وتقام مآدب عشاء أو غداء كبيرة يحضرها الأقارب والجيران والأحباب، وحتى عابرو السبيل، وكل ذلك على مدار ثلاثة أيام.
فيوم الأربعاء ينقل جهاز العروس إلى بيت العريس وهو متمثل فيما يعرف »الفنيق« أو الرافية وهي حقيبة كبيرة الحجم لم تعد موجودة اليوم تصنع من أسلاك حديدية وتغلف بالقماش.
يوم الخميس »الرفيس« و»طاجين الشواء«
أما يوم الخميس فتذهب العروس إلى الحمام رفقة صديقاتها وأهلها مصحوبات بصينية حلوى، ويقمن حفلة صغيرة تحت وقع الزغاريد، لتعود بعد ذلك إلى المنزل لتستعد وتتزين وتمشط شعرها منتظرة الموكب.
يجوب الموكب بالعروسة شوارع المدينة ثم يتوجهون إلى بيت العريس، وهناك يتناولون العشاء ثم ينصرفون لتبقى امرأة أو إثنتان كبيرتان في السن (عمة أو خالة أو جدة العروسة) معها في بيت العريس، ينفردن بها قليلا ليلتحق بها بعد ذلك العريس وفي اليوم الموالي أي الجمعة تقام مأدبة غداء بمشاركة أهلي العريس والعروس، وتكون الأكلة عادة هي الرفيس القسنطيني وطاجين الشواء وشباح الصفراء.
أما اليوم فزفاف قسنطينة يختلف كلية عما كان عليه قديما، فبعد التحضيرات المتعارف عليها غير يوم نقل (شورة) العروس وهو ما تأتى به من بيتها لبيت زوجها من يوم الأربعاء إلى الثلاثاء.
وبين القديم والحديث تبقى عروس قسنطينة وأعراسها متميزة بجمالها وكما يقال: »الذي لم يحضر عرسا قسنطينيا كأنه لم يحضر أعراسا في حياته«