الاقتصاد هو السياسة

أصيب المخزن بصدمة، بعد بيان مجموعة “البريكس” فيما يخص قضية الصحراء الغربية، التي نالت من كلمة الحق ما نالته، في بيان لأقوى مجموعة اقتصادية على وجه الأرض، ولأكبر عُصبة من حيث الكثافة السكانية في العالم، فجاءت الصدمة في شكل عنيف، وما هو قادم سيكون نقل “للرعب” إلى المواقع التي ظنت بأن من دخل بيت أمريكا وحليفتها إسرائيل فهو آمن.
لقد فهم الذين “خطفوا” العالم لبعض الوقت وجعلوه رهينة بين أيديهم، بأن تكتل “البريكس” الذي يضم حاليا خمسة بلدان قوية من أربع قارات، وهو قابل للتوسع، إنما أنشئ لأجل محاولة بعث التكافؤ المالي بين الغرب وبقية العالم، ولكن الأرقام الأخيرة عن الناتج المحلي لمجموعة البريكس، التي تفوقت على مجموعة السبع المسماة بالعظمى، والتفكير في عملة عالمية جديدة تحرّر الكرة الأرضية من بطش الدولار، والخوض في القضايا العالمية ومنها القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية والتركيز على شعوبها، بدأ يزلزل الغرب وأذنابه و”عبيده” من الذين منحوه “العصمة” كاملة ليسيّر أمورهم عبر تغريدات وأوامر، ويبشر بنهاية الظلم الذي تجرعته بعض الشعوب وخاصة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
أكبر من نظّر، لأجل فصل السياسة عن الاقتصاد هو الغرب، ولكن الذي تابع مسار الدولار الأمريكي، عبر عقود، أدرك من دون أي جهد وتفكير، بأن الدولار وُلد من رحم السياسة الأمريكية، وبدعم من الدول الأوروبية التي توحدت بعملتها، ليس من أجل قهر الدولار، وإنما من أجل خلق ثنائية مالية لا تفك رباطها أية عملة أخرى، قبل أن يحدث الانقلاب الأخير وصار مصير الدولار مثل مصير بعض الدويلات، التي لم تقتنع بوجودها الخطأ فقط، فتجرأت على التدخل في شؤون بلاد العالم، كما حدث في السودان، عندما أصبحت إسرائيل طرفا في ما يسمى بمعادلة “الحل والربط”.
كل جبابرة العالم أنهوا إمبراطورياتهم بأخطاء فادحة لا يرتكبها سوى البلهاء، فقد كان فرعون مالكا لمصر يقتل الناس ويأخذ أموالهم، ولكنه حاول أن يعيّن نفسه ربّا لا يُري الناس إلا ما يرى، وكان هتلر زعيما لبلاد الجرمن، ولكنه أراد أن يوسّع امبرطوريته غربا وشرقا ليكون زعيما لشعب الله المختار، فكانت النهاية سريعة جدا، بل أسرع من التشييد الذي دام سنوات معجونة بالمظالم والجنون.
تسارعت الأحداث في السنوات الأخيرة، من الدرس الرباني مع فيروس كورونا المجهري الذي أودى بحياة قرابة المليون ونصف مليون نسمة في الولايات المتحدة الأمريكية ولحقتها، الحرب الأوكرانية، والذين قالوا بأن تغييرات جذرية ستحدث في الكرة الأرضية في القريب العاجل، يبدو أنهم أخطأوا في درجة التغييرات وفي الزمن، لأن ما يحدث حاليا هو انقلاب عظيم وقد تكون مدته أقصر من لمح البصر، والجميل أنها ستكون في صالح البشرية، التي عاشت قرابة قرنين من المظالم، من الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية الاستعماريتين، إلى القطب الأمريكي الأوحد.