-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" ترصد قصصا واقعية لعائلات تعيش الجحيم

الزهايمر.. أولياء تائهون وأبناء يعانون

وهيبة. س
  • 5168
  • 0
الزهايمر.. أولياء تائهون وأبناء يعانون
أرشيف

لم يعد باستطاعتهم تذكر الأشياء والحياة من حولهم، ولم تعد تصرفاتهم ومواقفهم تلك التي تميزوا بها من قبل، فقد انقلبت رأسا على عقب.. رجال ونساء كانوا بالأمس يتصرفون بهدوء وحكمة ورصانة، وكان بعضهم مسؤولين، وأطباء، وقادة سياسيين، ويديرون التجارة بعبقرية ودهاء، لكنهم نسوا كل شيء، واضطربت سلوكياتهم كأنهم أجساد دون عقول!.. إنهم مرضى الزهايمر الذين فقدوا الذاكرة وفقدوا معها شعورهم بالعلاقات بمن حولهم، حتى أضحت رعايتهم مهمة صعبة وشاقة، ومسؤولية يتبادلها أفراد عائلاتهم.
ومن خلال قصص بعض هؤلاء الذين أصيبوا بالزهايمر، وهم في سن متقدمة، نقف على تلك المعاناة التي تعيشها بعض الأسر الجزائرية مع مصابين لديهم بهذا المرض، فقد أكد لنا رئيس جمعية “وفاء” للأشخاص المسنين، سعيد حواس، أن 103 شخص مصاب بالزهايمر تتراوح أعمارهم بين 45 سنة و90سنة، مسجلين لدى الجمعية، لكل واحد حكاية ولكل عائلة من عائلاتهم معاناة خاصة.

أطباء وإطارات تحولوا إلى أجساد بلا عقول..
وبعض هؤلاء المرضى، كانوا أساتذة، وأطباء، وتجارا، ومسؤولين، وأصحاب مشاريع، لكنهم نسوا أنهم كذلك، وإن بقي لهم جزء من الذكريات، فلم يسترجعوا منها إلا تلك الأحداث البعيدة، وبصفة متقطعة، من حين إلى آخر.
وهكذا، تغيرت تصرفات طبيب في أحد مستشفيات العاصمة، بحسب رئيس جمعية أمراض الشيخوخة، البروفسور مصطفى بن عامر لـ”الشروق”، بعد أن كان يدبر وينصح ويسهر على سير العمل من أجل تحقيق الخدمة العمومية والصحية للمرضى.
وتبدلت تلك التصرفات المسؤولة والرصينة، فأصبح يأتي للمستشفى بالصندل “البليغة” البلاستيكي، الذي يضعه في قدميه عندما يكون في بيته، ولم يعد ينتبه إلى أنه يلبس “الجاكت” فوق المئزر الأبيض، وهو يعالج المرضى!
وتدهورت حالته، إلى أن وصل به الأمر إلى البقاء لغاية العاشرة ليلا في المستشفى، بينما كان ينتهي وقت عمله في الرابعة أو الخامسة مساء، وأحيانا، في منتصف النهار، ولكن بعد أن أصبح يخرج ليلا من منزله حاملا ملفات طبية في يده ومتوجها في منصف الليل إلى المستشفى، لم يعد ما يبرر السكوت عن حالته هذه.
وقصة أخرى لمفتشة سابقة في التعليم المتوسط، التي بدأت أعراض الزهايمر تبدو عليها من خلال لباسها، وخروجها ليلا متوجهة إلى إحدى المؤسسات التربوية، إلى أن اختفت في أحد الأيام، وبعد البحث عنها من طرف أبنائها، عثر عليها في أحد شوارع العاصمة، في بلدية غير التي تسكن فيها.
وكشف لنا رئيس الجمعية الجزائرية لطب الشيخوخة، البروفسور مصطفى بن عامر، عن قصص أخرى أكثر مأسوية تعيشها عائلات لديها مريض أو مريضان بالزهايمر، تتعلق واحدة بمرض الأب والأم معا، وفقدانهما للذاكرة، ونسيانهما تماما كل العلاقة التي تربطهما بأبنائهما، وكان يعيشان فقط مع إحدى بناتهما، واضطر بقية الأبناء إلى تقاسم الأدوار لرعايتهما.
وأمام هذا الوضع الصعب، انقطعت واحدة من بناتهما، وهي متزوجة وأم لأطفال عن وظيفتها، حتى توفق بين خدمتهما عندما يأتي دورها، وتربية أبنائها، وانقلبت خلال 6 سنوات حيات الأبناء إلى جحيم، شجارات وخلافات حادة، وضياع للحقوق، وإصابة بعضهم بأمراض مزمنة.

تدريب الكلاب والاستعانة بأحدث التكنولوجيات لمراقبة المرضى
وأكد البروفسور مصطفى بن عامر، أن المصابين بالزهايمر، ينسون الأحداث القريبة، ويفقدون الذاكرة تماما في الكثير من الأحيان، وتضطرب سلوكياتهم، ويتحول نهارهم إلى ليل، فلا يفرقون بين الأوقات، والفترات الزمنية، إلى جانب أنهم يفقدون حتى الشهية في الأكل، وكل هذا يحتاج إلى رعاية نفسية واجتماعية في المحيط الداخلي والخارجي.
وأكد أن الكثير من الحالات التي مرت عليه، بحكم أن هؤلاء المرضى يحتاجون إلى أدوية للنوم، وللشهية، وبعض المكملات، وأدوية الحد من القلق، يعاني أفراد عائلاتهم إلى درجة البحث عن أشخاص لحراستهم وخدمتهم مقابل مبالغ مالية، ولجأ بعضهم إلى تدريب كلاب حراسة، ينبحون عندما يخرج مريض الزهايمر من البيت إلى الشارع خوفا من ضياعه في الشارع.
وقال محدثنا إن بعض العائلات التي لديها مريض بالزهايمر، يستعملون تقنيات تكنولوجيا جديدة، كمنبهات ذكية، أو أضواء تشتعل عندما يمر عليها هذا المريض، وغيرها من الابتكارات الجديدة التي تساعد في حراسة وخدمة مرضى الزهايمر.

عيش الأولياء بمفردهم يزيد من احتمال المرض
وأشار إلى أن بعض المصابين بالزهايمر، ضاعوا في الشوارع، وبعدهم تعرضوا إلى حوادث، وسقط في أماكن خطرة لعدم وجود الرعاية، بينما بعضهم بقوا مسجونين في بيوتهم، لأن خروجهم إلى الشارع قد يتسبب في ضياعهم، خاصة عندما تكون معهم امرأة لا تستطيع تتبعهم خارج المنزل.
ويرى البروفسور مصطفى بن عامر، مختص في طب الشيخوخة، بأن المجتمع الجزائري، يتجه نحو اندثار الأسر الكبيرة، حيث وصل الأمر إلى أن يعيش الوالدان بمفردهما، أو تعيش المرأة أو الرجل في مجتمعنا، بمفردهما، وبالتالي، فإن إصابة هؤلاء بالزهايمر هو بداية موتهم.

الزهايمر يزحف على الأشخاص ما بين 45 و50 سنة
وفي السياق، أوضح بن عامر، أن الإصابة بالزهايمر، اتسعت إلى أعمار دون الـ50 سنة، حيث إن نسبة 10 بالمائة من الإصابات تمس الفئة ما بين 45 سنة إلى 50 سنة، فيما النسبة المئوية الكبرى تعود إلى فئة عمرية تجاوزت الـ65 سنة.
وقال إن الدولة خصصت مصالح لتشخيص أمراض الذاكرة في المستشفيات، وأي شخص يتعرض لاضطرابات النسيان، التي تظهر عادة بحسبه، 5 سنوات قبل الإصابة الحقيقية بالزهايمر، يمكن له أن يجري فحصا، ويتحصل على علاج يعمل فقط على تعطيل الوصول إلى حالة الخطر الحقيقية.
ولكن لا نزال اليوم، بحسبه، نفتقد بعض الأدوية خاصة المتعلقة بتخفيف بعض الاضطرابات السلوكية عند مرضى الزهايمر، مثل تلك المتعلقة بالقلق، والنوم، وبعض الفيتامينات، والمحفزات على الأكل.
وأشار إلى أن الزهايمر ينتشر في الجزائر، خاصة أن هناك تداخلا بين ظاهرة الخرف الذي تسببه الأمراض المزمنة وعدم تناول الأدوية في وقتها، وبين الزهايمر، موضحا أن هناك خلية في المخ مسؤولة عن تحقيق علاقة الانسجام وتبادل الأدوار بين الخلايا الأخرى في المخ، لكن الأطباء لحد الساعة لم يحددوا بدقة الأسباب وراء الخلل الذي يصيب هذه الخلية.

آباء لا يعرفون أبناءهم
وكم يتألم الأبناء لأب أو أم لا يتذكران إلا ذلك الماضي البعيد بسبب الزهايمر، ينتظرون منهم كلمة شكر أو مجاملة، أو إعجاب تعودوا سماعه منهم، وتمر السنون ولا يسمع هؤلاء الأبناء والأحفاد ما يطمئنهم ويؤكد لهم أنهم لا يزالون في الذاكرة!
كريمة، واحدة من الأبناء الذين حرموا من اهتمام الأب وحنانه، لأنه أصيب بالزهايمر، منذ 3 سنوات، وهي تتألم وتحاول أن تلتمس منه لحظة تذكر اسمها، وأن ينطق بتلك الكلمات المعسولة التي كان يغدقها بها، كلما تذوق طبخها.
وتقول كريمة: “اليوم، أصبحت غريبة، وكأنني لم أعش معه 35 سنة، ووالدتي أصبحت مثل العدو، مجرد شبح يجول أمامه، بات يغضب ويتعصب ويدفع طبق أكلي بقوة بعيدا عنه”، وتنهدت ثم أضافت: “بكيت مرة وهو ينظر في وجهي، تذكرت كم كان يثني علي عندما أجتهد في ترتيب مائدة الأكل، ويسارع إلى تذوق الأكل من أحد الأطباق، ثم يقول: “لا يوجد من يتفوق عليك في الطبخ”، ويضحك، ملتفتا إلى أمي التي تبادله ابتسامة عريضة”.
وأكثر ما يألم كريمة اليوم، أنها تقوم هي شخصيا بإبقاء والدها داخل غرفة وغلق الباب عليه بالمفتاح.
ولموسى، موظف ببلدية بالعاصمة، حكاية مؤلمة، فقد كان يصاحب والده في التجارة، وفي أحد الأيام، بينما هما متواجدان عند منزل أحد “البزناسية”، لاحظ أن والده شارد وغير مهتم بما يجري أمامه، وقال موسى لـ”الشروق”، “إن نصفا من حياتي قد سقط في مهب الريح، عندما تأكدت من الطبيب أن والدي دخل مرحلة الزهايمر، كانت الأسئلة حينها تتساقط في ذهني كالأوراق الذابلة، ماذا أفعل من دونه؟ كيف أتم إجراءات الصفقات التجارية من دونه؟ ماذا أفعل لأفتح خزينة ماله، وأوراقه؟ ومن سوف يتولى الخطوة الأولى من أبنائه ليكمل المشوار التجاري؟.. ووالدي، هل يتذكرني؟ هل يشعر بمجهودي؟ هل سيكشف لي عن بعض أسرار تجارته.. هل وهل وهل؟”.

ضرورة فتح نواد لممارسة الرياضة والترفيه للمسنين
ومن جهتها، طالبت المختصة في علم الاجتماع والأبحاث الخاصة بالشيخوخة، الدكتورة صليحة بوماجن، بضرورة فتح مؤسسات خاصة برعاية كبار السن، ومدارس لتكوين مساعدين اجتماعيين مختصين في رعاية المسنين، والمصابين بالزهايمر، مع نواد لممارسة الرياضة والمطالعة لفئة كبار السن والموظفين المتقاعدين، قصد رعايتهم وتنشيط عقولهم وذاكراتهم تفاديا للإصابة بالزهايمر.
وأوضحت الدكتورة أن لعب “الشطرنج”، وبعض المسابقات المحفزة للذاكرة، والمنشط للقدرات العقلية مفيدة جدا لتفادي المرض بالزهايمر.

رحلات ترفيهية لعائلات المرضى
وحول ذات الموضوع، أكد رئيس جمعية “وفاء” للأشخاص المسنين، سعيد حواس، أن عائلات المرضى بالزهايمر المسجلين في الجمعية، يعانون أمراضا نفسية حادة، وبعضهم أصيبوا بأمراض عضوية ومزمنة، نظرا للمعاناة التي يعيشونها مع المريض بالزهايمر.
وقال إن الجمعية تراعي حالة هؤلاء، فهي تساعدهم ماديا، ومعنويا، وتنظم لهم رحلات إلى مناطق سياحية داخل الجزائر، لتخفيف الضغط عنهم، كما توفر لهم مختصين نفسانيين، يقدمون لهم حصص علاج مجانية، ومستشارين اجتماعيين، ينصحونهم بحلول وأساليب تعامل مع المريض، ويؤكدون لهم على ضرورة النظام الغذائي، لأن الزهايمر يجعل المصاب به ينسى أنه يأكل ويشرب، وبالتالي، يكون عمره أقصر بسبب سوء الغذاء، وافتقاده الكثير من المعادن.

“الفايسبوك” يحل مشاكل ضياع المرضى
وإلى جانب الجهود التي تقوم بها بعض الجمعيات، فإن منصات التواصل الاجتماعي، لعبت دورا مهما في تسهيل عمليات البحث عن الأشخاص الذين يضيعون بسبب إصابتهم بالزهايمر، خاصة الذين يحملون في ألبستهم بطاقة معلومات وأرقام هواتف.
وانتشرت في الآونة الأخيرة، صور عبر “الفايسبوك” لهؤلاء المرضى الضائعين في الشوارع، في حين إن عائلات بعض هؤلاء يقومون بنشر إعلان عن ضياع المصاب بالزهايمر مع نشر صورته الشخصية، وهذا ما حدث مع سائق سيارة “طاكسي” بالعاصمة، أصيب بالزهايمر، فضاع ولم يعد إلى منزله، ولكن عن طريق منصات التواصل الاجتماعي عثر عليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!