-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الكنز الثمين

الكنز الثمين

عندما تطرق كلمة “الكنز” أّذن أي إنسان يتبادر إلى ذهنه كل ما هو غال ونفيس كالذهب والفضة وما في حكمهما من نفيس المعادن وأغلاها.

ولكن “الكنز” عند أولى النّهى، وذوي الحجر ليس هو هذا، ولكنه شيء آخر لا يقدره أكثر الناس تقديرا حقيقيا، لأنه لا يوزن بميزان ولا يكال بمكيال.

من هؤلاء أرباب الحجى الإمام المرتضى عبد الحميد ابن باديس – عليه الرحمة والرضوان – فقد كان لا يرسل الكلام على عواهنه، ولم يكن يمارس ترفا فكريا، إذ لم يعتبر الكنز كما يعتبره أكثر الناس قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، ولكن كنز الكنوز عند الإمام هو “عمر الإنسان”.

يقول الإمام: “عمر الإنسان أنفس كنز يملكه، ولحظاته محسوبة عليه، وكل لحظة تمر معمورة بعمل مفيد فقد أخذ حظه منها وربحها، وكل لحظة تمر فارغة فقد غبن حظه منها وخسرها”، (ابن باديس: مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 138).

ولأهمية هذا الوقت فقد أقسم الله – عز وجل – بأجزائه تنبيها وتنويها بكله.. فأقسم بـ”الفجر، والضحى، والليل، والصبح، والنهار” وقد جهل بعض المستشرقين هذا الأسلوب القرآني الذي يعنى بالجزء فما بالك بالكل، فقالوا ما معناه إن القرآن يخلو من الحديث عن الزمن، رغم أن سورة تحمل اسم العصر، الذي هو الزمان عند بعض المفسرين. وقد قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – ما معناه لو لم ينزل من القرآن الكريم إلا هذه السورة لكفت.

ولهذه الأهمية أيضا ورد في حديث لمن لا ينطق عن الهوى أن مما يحاسب عليه المرء يوم القيامة ماذا عمل بشبابه وبعمره عموما.

وقد وفق الأستاذ مالك ابن نبي – رحمه الله – عندما اعتبر “الوقت” أحد “شروط النهضة”، وجعله ثالث ثلاثة هي الإنسان والتراب والوقت. فكل منتوج حضاري من عمل إنسان أنتجه، وهو من تراب أنتج منه، وهو من وقت قضي في إنتاجه.

لقد استغل الإمام ابن باديس وقته أحسن استغلال، وعمره بالصالح من الأعمال، إذ كان يدرس خمسة عشر درسا يوميا كما شهد بذلك تلميذه الشيخ مبارك الميلي، ثم يذهب إلى مقر جريدة “الشهاب” ليكتب مقالا، أو يجيب عن سؤال، أو يجوس خلال الجزائر منبها قومه، مذكرا ناسيهم، موقظا ضمائرهم، باثا الأمل في نفوسهم.

كان الانجليز – ومايزالون – يرددون في أمثالهم إن الوقت هو مال، وقال حكماؤنا: كل مفقود يمكن استرجاعه إلا الوقت.

ذكرت نفسي وإخواني بهذا ونحن على أبواب العطلة الصيفية حتى “لا نقتل الوقت”، ونقضيها كلها في مضغ الكلام الذي لا يسمن ولا يغني، وقد يكب صاحبه على منخره في جهنم عياذا بالله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!