-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في حوار خص به "الشروق أونلاين":

المؤرخ آلان روسيو: مُثقّفو عصر التنوير برَّروا الإستعمار معتقدين أن أوروبا هي مصدر الحضارة

حاوره: ماجيد صراح
  • 800
  • 0
المؤرخ آلان روسيو: مُثقّفو عصر التنوير برَّروا الإستعمار معتقدين أن أوروبا هي مصدر الحضارة
Magali Bragard
آلان روسيو

نشر المؤرخ المختص بتاريخ الإستعمار، آلان روسيو، كتابا جديدا تحت عنوان “حرب الجزائر الأولى: تاريخ احتلال ومقاومة، 1830-1852″*، حيث يتناول فيه، مستعينا بوثائق وشهادات حصرية، الفظائع التي ارتكبها الاستعمار في حق الجزائريين خلال هذه الفترة، كما يتحدث كذلك عن المقاومات الشعبية التي دامت أكثر من عشرين سنة منذ أن وطأت قدم أول جندي فرنسي ميناء سيدي فرج.

ويعتبر روسيو، وهو مؤلف لـ15 كتابا حول تاريخ الإستعمار في الهند الصينية والجزائر، أن خلال هذه الفترة، نمت جذور حرب التحرير في الفاتح نوفمبر 1954، كما يشير إلى أن هذه الحرب ساهمت في بناء العقلية الاستعمارية والعنصرية لفرنسا والتي لا يزال تأثيرها قائما إلى اليوم، ما يجعل من الضروري مواصلة العمل التاريخي ومطالبة السلطات الفرنسية بأن تواجه هذا الجانب من ماضي فرنسا.

الذريعة والأسباب

في الحوار الذي خص به “الشروق أونلاين” يعود المؤرخ إلى دوافع فرنسا لغزو الجزائر عام 1830 فيقول: “في التاريخ، لا يوجد سبب واحد فقط. في حالة غزو الجزائر، كانت هناك ذريعة مفتعلة، وهي معاقبة داي الجزائر بسبب تصرف ناتج عن غضب تجاه القنصل الفرنسي (ما يُعرف بـ”حادثة المروحة”). في الواقع، كان الاستيلاء على الجزائر ضمن الخطط الفرنسية منذ عقود. كان هناك سبب جيوسياسي أساسي: الرغبة في مواجهة الهيمنة البريطانية في البحر الأبيض المتوسط. ولكن، بالطبع، كانت هناك أسباب أكثر ارتباطًا بالاستعمار المباشر، مثل الرغبة في الاستيلاء على أرض وُصفت بأنها غنية، وإرسال مستوطنين إليها، أُخذوا من بين الأكثر فقرًا. ولاحقًا، جاءت التبريرات بما يسمى “المهمة الحضارية” لفرنسا، أحيانًا باسم “العقلانية” (La Raison)، وأحيانًا أخرى باسم “الدين الحقيقي”، أي الكاثوليكية.”

الحرب الأولى والحرب الثانية

أما عن سبب تسميته “حرب الجزائر الأولى” للفترة الممتدة من 1830 إلى 1852، يجيب المؤرخ: “هذا العنوان فرض نفسه عليّ منذ أن بدأت دراسة تلك الفترة. يبدو لي أن الرأي العام الفرنسي، الذي كان مركزا على “الحرب الثانية”، أي حرب الاستقلال، قد نسي قليلاً جذور انتفاضة نوفمبر 1954. ومع ذلك، فإن تلك الجذور بدأت تتشكل منذ اليوم الأول للغزو.”

وهي الحرب التي يؤكد أنها كانت أكثر شدة من حرب التحرير، ويشرح ذلك قائلا: “من الصعب دائمًا مقارنة أحداث يفصلها أكثر من قرن. أنا أعلم بالطبع أن حرب الاستقلال كانت صدمة عميقة لكل فئات الشعب الجزائري. ولكن هذه الصدمة لا يجب أن تجعلنا ننسى أن جيشًا فرنسيًا قوامه 100,000 رجل، بقيادة ضباط لا يعرفون الرحمة، اجتاح كل أنحاء الجزائر بين غزو جوان 1830 ونهاية (مؤقتة) للصراع مع الاستسلام المشرف للأمير عبد القادر وأحمد باي من قسنطينة. أي ما يقرب من عشرين عامًا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف مدة حرب الاستقلال. كتابي يتوقف في عام 1852، مع بداية الإمبراطورية الثانية. لكن كانت هناك بالطبع حركات أخرى مثل انتفاضة القبائل عام 1871.”

الأفكار السائدة والتاريخ

في كتابه، يتحدث آلان روسيو عن الفظائع التي ارتكبها العسكريون الفرنسيون في حق الجزائريين. حيث قام المارشال بوجو والعديد من الضباط الآخرين بتطبيق السياسة القمعية التي قررها في باريس فرانسوا جيزو، وأدولف تيير، وجان دي ديو سول، وآخرون. فمارس الجنود الفرنسيون ضد الجزائريين الإهانة والنهب والتهجير والمحارق والذبح وقطع الرؤوس.

لكن ومع ذلك يتم الاحتفاء بأسماء من هؤلاء الجلادين في فرنسا اليوم. وهو ما يفسره قائلا إنه “منذ ما يقارب قرنين، يتم تكرار نفس الرواية للأطفال في المدارس ولـ”الفرنسي العادي”، وهي أن المارشال بوجو الشجاع جسّد في الجزائر الحضارة المتفوقة، وأن “مستعمرينا” استصلحوا أراضٍ كان “العرب” قد أهملوها. هذا يترك أثره بالطبع. لكن، كان هناك مثقفون ومؤرخون تصدوا مبكرًا لهذه الأفكار السائدة. أفكر هنا في فرنسا بشارل أندريه جوليان وزملائي المؤرخين المعاصرين، وهم كثر، وكذلك مدرسة تاريخية نشأت في الجزائر بعد الاستقلال. كما أفكر في بعض البلديات، مثل بلديات باريس وبوردو وبيريغو، التي شرعت في عمل شجاع لتصحيح التاريخ. لا أدّعي أنني كنت أول من فضح هذه الأفكار السائدة، لكن ما زال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به، ويكفي أن تشاهد بعض القنوات التي تُسمى إخبارية، والتي تواصل نشر الأيديولوجية الاستعمارية للوقوف على ذلك. النضال من أجل الذاكرة هو بالطبع نضال سياسي، ويكفي أن نكون على وعي بذلك.”

التبرير والإدانة

يتناول المؤرخ آلان روسيو في كتابه كذلك شخصيات فكرية فرنسية من عصر التنوير بررت الاستعمار، وهو ما يشرحه قائلا أنه “حتى أكثر المثقفين بريقًا لا يمكنهم الإفلات من الأفكار السائدة في زمنهم. رجال عصر التنوير وخلفاؤهم كانوا يعتقدون بصدق أن أوروبا – بل إن البعض كان يعتقد أن فرنسا تحديدًا – هي مصدر كل حضارة، وأنه كان من أجل مصلحة “السكان الأصليين” أن نغرس علمنا في مختلف بقاع العالم. غالبًا ما كان نفس المثقفين الذين برروا الوجود الاستعماري نفسهم من أدانوا الفظائع والجرائم، دون أن يدركوا أن الاثنين مرتبطان.”

وهي الاطروحة التي يدعمها في كتابه بإدراج اقتباسات لكل من فكتور هوغو ولامارتين.

الهزيمة المشرفة والمقاومة

المؤرخ والذي خصص جزء مهما من الكتاب للأمير عبد القادر، يقول إنه حتى قبل بداية دراسته لهذه الفترة كان معجبا بشخصية الأمير، وهو إعجاب تعزز بعد دراسته لهذه الفترة عن كثب.

فالأمير عبد القادر، يقول المؤرخ “لم يكن فقط محاربًا خاض تجارب قاسية وقائدًا حربيًا ماهرًا، صمد في وجه أقوى جيش في العالم لمدة 15 عامًا، بل كان أيضًا مثقفًا رفيع المستوى، رجل أدب كما أنه كان رجلا تقيا. خلال الفترة القصيرة التي تمكن فيها من إنشاء هياكل دولة، أظهر خيالًا وإبداعًا. بعض الناس، اليوم، يتجرؤون على إعطائه دروسًا بأثر رجعي بشأن استسلامه في ديسمبر 1847. وفي رأيي، هذا يعني أنهم لا يعرفون شيئًا عن ظروف الكفاح في تلك الفترة. أهم ما في الأمر لم يكن هزيمته المشرفة، بل مقاومته الشديدة لمدة 15 عامًا.”

الاستعمارية والعنصرية

في كتابه “حرب الجزائر الأولى: تاريخ احتلال ومقاومة، 1830-1852” يذكر المؤرخ آلان روسيو التأثير الدائم لهذه الحرب على بناء العقلية الاستعمارية والعنصرية في فرنسا، وهي العقلية التي لاتزال تؤثر في النقاشات في فرنسا بشأن علاقاتها مع الجزائر.

وهو ما يقول عنه: “العقلية الاستعمارية، مع رفيقها الدائم، العنصرية، شهدت أول “عصر ذهبي” منذ عام 1830. تلت ذلك أطول فترة استعمار (فرنسي) استمرت 132 عامًا. وقد ترك ذلك أثرًا، خاصة وأن فرنسا والجزائر لا يفصل بينهما سوى البحر الأبيض المتوسط. هذه الخصوصية أثرت ولا تزال تؤثر لفترة طويلة على العلاقات بين البلدين. ومن هنا تأتي ضرورة مواصلة العمل التاريخي، دون جدل، دون “اعتذار”، ولكن مع مطالبة السلطات الفرنسية بأن تواجه أخيرًا هذا الجانب من التاريخ.”

* Alain Ruscio, La première guerre d’Algérie : Histoire de conquête et de résistance, 1830-1852. Éd. française, La Découverte, 2024 ; Éd. algérienne, Éditions Frantz Fanon, 2024.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!