-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحيُّزًا لعدم الانحياز

عمار يزلي
  • 708
  • 0
تحيُّزًا لعدم الانحياز

لم يكن العالم أكثر انقساما وتصدُّعا وتقلبا وعلى شفا حفرة من الصدام كما هو الحال منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. كما أن عواصم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وكذا دولة الكيان المحتل، لم تشهدا تصدعا داخليا مماثلا منذ نحو جيلين، بالتحديد منذ 1947.
لقد أحدث التدخُّلُ الروسي في أوكرانيا في ما يسمِّيه بـ”العملية الخاصة” منذ سنة، زلزالا مدويا في العلاقات الدولية وزاد في تمزيق الجرح النازف في العالم بعد جائحة كوفيد 19، الذي مزّق وكسر كثيرا من الثوابت بما فيها ثابت “متغير الديمقراطية” نفسه في العالم الغربي، وانقادت الدول الغربية إلى التشرذم بحثا عن المصالح الذاتية والشخصية بعيدا عن التكتلات الاقتصادية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن العملية الروسية في أوكرانيا، ومن دون الخوض في مسبِّباتها ودوافعها التي تعود إلى 2014، جعلت “الغرب الكبير”، يتوحَّد ظاهريا ضد “العدو الشرقي”، ويتوعده بالهزيمة الإستراتيجية.
ما حدث بعد استنفاد أضخم ترسانة عقوبات ضد روسيا، هو أن الغرب صار يعاني أكثر من ذي قبل، وأضحت العقوبات المفروضة على الخصم تضره أكثر ما تنفعه، وزادته طينة كوفيد 19 بلة على بلل، والغرب الأوربي اليوم مهدد في وحدته بسبب تضارب المواقف والمصالح بشأن العقوبات وما نتج عنها في حرب الطاقة ضد الروس.
في الولايات المتحدة، الانقسام الحادّ، يبدو أنه يتأجج ويستعر، والبعض قد تنبَّأ بحروب أهلية قد تمزِّق وحدة هذه القوة العظمى. انعكس هذا أيضا على الوضع الداخلي في الكيان الصهيوني المنقسم على أشده، إذ بلغ مداه مؤخرا مع مظاهرات المعارضة الداخلية للحكومة اليمينية المتطرفة التي قد تنسف هذا الكيان برمته وليس فقط إسقاط الحكومة للمرة السادسة في ظرف قياسي. هذا التحوُّل الداخلي، ما كان ليكون لولا إرادة المقاومة الفلسطينية في الداخل وفي الضفة وغزة التي تتسع وتنتشر وتؤجِّج الخلافات داخل الكتلة المحتلة بيمينها ويسارها وغُلاتها.
الوضعُ العامّ في المنطقة يُنذر بزلزال على وشك تحرّك صفائحه، يتزامن هذا مع التصدعات الزلزالية في المنطقة والحرب الأطلسية الروسية على الأرض الأوكرانية واحتمال انزلاق صهيوني نحو مغامرة تُخرج رئيس وزراء الكيان من أزمته ومحاولة تصديرها نحو غزة أو إيران. الكيان الذي بات أكثر قربا وتعاملا واصطفافا مع أوكرانيا في صراعها مع روسيا، قد تجعل الموقف الروسي أكثر جذرية واصطفافا مع الوضع القائم في سورية وفلسطين ولبنان، وتتسع دائرة الاستقطاب، لاسيما بعد تلويح روسيا مرارا باستعمال كل الوسائل للدفاع عن نفسها في حالة التهديد الوجودي.. والتهديد الوجودي يتصاعد ويتفاقم، والخطوط الحُمر التي وضعتها روسيا بدأت تُنتهك والاعتداءات على الأراضي الروسية بدأت في طور التجريب.
تعليق العمل باتفاقية “ستارت3″، التي كانت تضمن للقوتين النوويتين روسيا والولايات المتحدة الحد الأدنى من “الاستقرار النووي”، هذا التعليق يعني في المنظور القريب العودة إلى سباق التسلُّح بوتيرة أضخم وأسرع، قد تعادل أو تتجاوز معدَّل الرؤوس النووية الموجودة لدى الولايات المتحدة، إضافة إلى بريطانيا وفرنسا باعتبارهما قوى نووية معترف بهما في النادي النووي. تصريحات المسئولين الروس واضحة في هذا المجال: لن نكتفي بعد اليوم بقياس ترسانتنا بترسانة أمريكا بل بقياس قوى حلف الناتو النووي مجتمعة كونها تجاهر بهزيمة روسيا الإستراتيجية وتُعدّ العدة للتجربة نفسها مع الصين في ملف تايوان، وهو الخط الأحمر الأخير الذي قد ترغم بقية القوى المهدَّدة على الخروج من حيادها، وتضع تجربة عدم الانحياز المتجدِّدة اليوم أمام خيار عدم الانجرار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!