حتى شهادة الدكتوراه.. لم تعد تؤمن منصب شغل لحاملها!
غالبية أقسام الدراسات الدكتورالية، وما بعد التدرج في الجامعات الجزائرية، في الشهور الأخيرة، بدأت تشهد حراكا متصاعدا، وغير مسبوق، يمكننا توصيفه بالحراك الدكتورالي، الذي هو ثمرة الحراك الشعبي السلمي المبارك. والذي صار ماركة جزائرية خالصة بإمتياز.
ويبدو أن بروز ظاهرة الحراك الدكتورالي، هي آخر إسفين يدق في نعش منظومة قطاع التعليم العالي المتهالك، بما يثبت إشراف سفينة البحث العلمي على الغرق في المستنقعات الآسنة للفساد، والرداءة، والتعفن، والزبائنية، والعشائرية، وهلم جمعا وجرا للموبقات.
لقد تفننت قوى الفساد غير الدستورية، في تركيع خيرة أبناء الجزائر من حملة المؤهلات العلمية الرفيعة، وخاصة حملة شهادات الماجستير والدكتوراه، بعد أن صادرت كافة أحلامهم المشروعة في العيش الحر الكريم. وأجهضت آمالهم في ترقية آداء الجامعة، وتطوير مردودها، وتفعيل رسالتها العلمية والثقافية والحضارية، في عصر اقتصاد المعرفة، وتثمين المادة الرمادية، ورسملة النخب الأكاديمية، وتفريخ الكفاءات العلمية، لمواجهة التحديات الخطيرة والكثيرة في عالمنا، الذي لن يرحم كل ذي بضاعة مزجاة في العلم والتكنولوجيا.
قد وصل التعفن أقصى مداه في هذا القطاع الإستراتيجي. ولعل فضيحة الظلم الذي يعانيه حملة أعلى شهادة علمية أكاديمية متعارف عليها عالميا، وأعني تحديدا شهادة الدكتوراه التي باتت أقوى حجة، وخير قرينة على وصول قاطرة تعليمنا العالي إلى طريق مسدود وخانق، إذ لم تعد الدكتوراه – بجلالها وصولجانها – قادرة على ضمان منصب عمل، وتأمين القوت لحملتها اليوم بسبب المناكر الحاصلة في الجامعة الجريحة، بل الذبيحة، باستشراء الفساد.
الحراك الدكتورالي سليل الحراك الشعبي السلمي
بعد زوال عقدة الخوف، وكسر حواجز الرهاب من ملاحقة بارونات المتنفذين في الجامعات، وبزوغ فجر التفلت من هاجس تسليط سياط العقاب لشريحة البطالين المغبونين، من حملة شهادات الدكتوراه والماجستير، ها نحن نشهد بداية عهد جديد من الحراك السلمي، المزلزل لأركان الفساد في مفاصل قطاع التعليم العالي والبحث العلمي. وقد ولد هذا الحراك الجامعي من رحم ذلك الحراك الشعبي، الراغب في وضع قطيعة تاريخية فاصلة مع شتى ممارسات الفساد.
وهي الفكرة ذاتها التي استلهمها الأكاديميون المتضررون من التعسفات والتجاوزات التي تنخر فسم ما بعد التدرج، وتهدد حاضر ومستقبل الدراسات الدكتورالية، حيث بدأ الحراك بتنظيم الوقفات الاحتجاجية الحاشدة أمام الوزارة الوصية. وتعالت أصوات هذه الشريحة بهتافات مدوية، ناقمة، رافضة، ساخطة ومطالبة بالتغيير الجذري لكل ما وصلته وضعية عديد مؤسساتنا الجامعية، من كوارث ومهازل بالغة السوء، من حيث التدهور المهول المعربد في مجالات التجهيز والتسيير والتأطير… ولا شك أن انتفاضة صفوة الصفوة من حملة لواء العلم، تنذر بنسف معاقل الفاسدين، وفضح مظالمهم على رؤوس الأشهاد، لأن الإساءة لأهل العلم، ممن تعتبر لحومهم مسمومة، تفضي حتما إلى إلحاق عواقب وخيمة بمن تسبب في إيذاء هذه الفئة المستنيرة، والاعتداء عليها بالباطل. والأصداء التي تصلنا من محيط هذا الحراك، تجمع أن ساعة الحسم قد حانت، لتفعيل مقاومة حراكية، نوعية، متميزة، من شأنها خلط أوراق القطاع، وقلب الطاولة على زمرة الفساد في دواليب الإدارة الوصية، رأسا على عقب.
آليات غير مسبوقة ستلجأ إليها هذه الشريحة على مضض
رغم كل ما يتحلى به هؤلاء الأكاديميين من رجاحة عقل، وسمو وعي، وحس وطني، ورقي فكري… لكنهم يصرون على الانتهاح العمدي لآليات قد لا تتماشى ومقامهم العلمي. وهم يرون أن تلك الآليات، قد تبلغ رسالتهم لمن بيده مفاتيح الحل. نعرض منها على سبيل المثال:
أولا / حرق الشهادات العلمية:
كثيرة هي كتابات هذه الفئة التي أفصحت أن بعض الدكاترة وحملة الماجستير البطالين سيقدمون – مكرهين، مضطرين – على خرجات غير مسبوقة، مثل الإقدام على الحرق الرمزي للديبلومات والشهادات العلمية التي تمنحها الجامعة الجزائرية. وذلك بحضور مختلف وسائل الإعلام. بعد أن أصبحت شهادة الدكتوراه – بجلالها وصولجانها – لا تضمن لحاملها حقه المشروع في إفتكاك الوظيف والرغيف.
ثانيا / شن إضراب مفتوح عن الطعام:
بعض الفاعلين في هذه النخبة من الجنسين، يتحدث عن إمكان اللجوء القسري إلى آلية الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، أمام مقر الوزارة الوصية لإسماع صوتهم، وكسب التعاطف الوطني مع عدالة قضيتهم، ولفت أنظار المجتمع المدني والمجموعة الوطنية، إلى معاناتهم الناجمة أساسا عن شح مريب، في فتح الوزارة لمناصب مالية كافية لتوظيفهم، في الجزائر، ذلك البلد الغني الذي يزخر بالنفط والغاز والثروات الهائلة… من العار والشنار أن تضرب البطالة أطنابها نخبه المتعلمة.
ثالثا / مقاطعة تدريس ساعات العار:
كما تتم مناقشة جادة ومسؤولة، حول ضرورة تحسيس طلبة الدكتوراه، وتعبئة شريحة الأساتذة المؤقتين، بغية الإقدام على اللجوء إلى المقاطعة الجماعية الشاملة لتدريس الساعات الإضافية، وشل كافة الجامعات بإضراب وطني مفتوح، ورفض إجراء الإمتحانات ما دام الجهد المبذول في تدريس ساعات العار الإضافية، يقابله حيف في الراتب الزهيد المخصص لها. ومع ذلك نجد نسبة عدد الأساتذة المؤقتين، أضعاف عدد نظرائهم الدائمين، في معظم الجامعات والمدارس العليا والمراكز الجامعية.
رابعا / غلق الجامعات بالسلاسل والكادنات:
كما يقوم البعض، في حالة فشل مساعي الحوار والتفاوض مع الوصاية، لإيجاد حلول عملية للمشاكل المستعصية المطروحة، إمكانية التهديد بغلق مداخل وأبواب بعض المؤسسات والإدارات الجامعية الحساسة بالسلاسل والأقفال الحديدية، تعبيرا عن رفضهم المطلق لسوء تعاطي الوصاية مع مشاكل هذه الفئة.
خامسا / مقاضاة المسؤولين الفاسدين:
يتم تشكيل لجنة قانونية من المحامين والدكاترة المختصين في العلوم القانونية والإدارية، على المستويين المحلي والوطني، ويتم الإعداد لمقاضاة وزراء القطاع السابقين /حراوبية وبن بوزيد وحجار/ وعديد المسؤولين الفاسدين في الوزارة والديوان الوطني للخدمات الجامعية، لمحاسبتهم ومعاقبتهم بقوة القانون على كل ما اقترفوه من جنح، وجرائم، وما تسببوا فيه من مظالم ومناكر، في حق هذه الشريحة الرائدة.
سادسا / المطالبة بتجميد مسابقة الدكتوراه:
كما تتم مدارسة فكرة شن احتجاجات وطنية لوضع حد للفوضى الحاصلة في فتح مناصب الدكتوراه. ويقترح البعض الضغط على الوصاية بتنطيم وقفات غضب واحتجاج، تتزامن وتوقيت إجراء مسابقات الدكتوراه. وتفعيل التعبئة والتحسيس بخطورة المأزق الخانق الذي زجت فيه الدكتوراه. وتحذير كل طالب راغب في متابعة دراسات ما بعد التدرج، من مغبة الطريق المسدود الذي ينتظر مستقبله في هذه المرحلة الدراسية، التي يراد تمييعها، وتزهيد الطامحين إليها، وترهيبهم منها…
سابعا / مواصلة وقفات الحراك الدكتورالي:
تأسيا بمسلكية الحراك الشعبي السلمي الحضاري المبارك… تعتزم هذه الفئة تنظيم وقفات نوعية منتظمة على مستوى الجامعات، وأمام مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، رافعة شعاراتها الواضحة: (تتنحاو قاع)، (تروحو قاع)، (دكاترة صامدون، للحراك مساندون، للفساد رافضون)… وهي بذلك تراهن على طول نفس شباب الحراك الدكتورالي. والذين لن يهدأ غضبهم الساطع، ولن يوقفوا حراكهم، إلى غاية تحقيق مطالبهم المشروعة في التوظيف المباشر، دون شروط.
هل من حل رشيد لحلحلة أزمة هذا الحراك؟
التشخيص الموضوعي لبطالة الدكاترة، يوحي أن حلحلة هذا الإشكال، ليس بمقدور الوزارة الوصية، بل يتعداه إلى وجوب مدارسة هذا الملف على طاولة الوزير الأول، بمعية وزارة المالية. وقد يصل الأمر إلى أروقة رئاسة الدولة. ونظرا لأن الحكومة الحالية، لا تستطيع تقديم حل حاسم لهذا الانشغال، مما يفرض على المتضررين، مواصلة مسار الضغط والنضال، وطرق أبواب البرلمان بغرفتيه. ومناشدة أصحاب القرار الفعليين، لرفع كوابيس الغبن عن هذه النخبة المظلومة. ويبدو أن هذا الحراك يضع أولى خطواته في طريق شاق وطويل، يقتضي بذل تضحيات، وتقديم تنازلات، من مختلف الأطراف، طمعا في الوصول إلى حلول وسطى، تحقق الحد الأدنى من أرضيات الوفاق والتوافق. ويبقى الأمل معقودا على جدية السلطات العمومية في التعاطي مع هذا الملف، المثقل بتراكمات الفساد الموروث، وعشوائية القرارات الشعبوية.
السقطة الأولى:
من رواد مصليات جامعاتنا، طالبات يرتدين ملابس مخافة للضوابط الشرعية. وبعضهن يدخل المصليات دون حجاب أصلا. وداخل قاعة الصلاة ترتدي ملابس ساترة لتأدية الصلاة، وهذا سلوك محمود. إلى هنا الخبر عادي جدا، لكن المصيبة اللافتة في تبرج بعض الفتيان ممن يرتادون المصليات بملابس ضيقة، وصافة كشافة، كالشورت والسراويل الممزقة التي تكشف بعض عورة الفخذ. وصارت تلك المصليات في حاجة لمن يزودها -ليس بحجابات للفتيات- بل بعباءات يستعملها هذا الصنف من ذكورنا، بغية ستر العورات، وتأدية الصلوات، لبعض هؤلاء المصلين المتبرجين،عسى أن تصح صلاتهم.
السقطة الثانية:
يهدر طلبة جامعاتنا وقتا ثمينا في التسكع بين أروقة الجامعة وفضاءاتها، لكنهم لا يحضرون الأنشطة العلمية من ملتقيات وندوات وأيام دراسية، ويقاطعون مناقشات أطروحات الدكتوراه. ومنهم من يتخرج دون الاشتراك في المكتبات. وحتى البحوث العلمية يتم الحصول عليها بسهولة لدى الشيخ غوغل. وهو ما يجعل نسبة مطالعة ومقروئية الكتب في الحضيض. والزائر للجامعة، عليه أن يكبر أربعا على رؤية من ينزوي في ركن وهو يطالع كتابا او يتصفح مجلة. فالجميع مشدود إلى الهاتف، يسبح في عوالم شبكة الانترنت.
السقطة الثالثة:
مناقشات المذكرات المعدة لنيل شهادة الماستر،غالبا ما تتم في زمن قياسي لا يتعدى الساعة الواحدة. ومن الأساتذة من يجرؤ على مناقشة اكثر من رسالتين في اليوم الواحد. ومنح الجميع علامة 20/18. رغم أن محتوى معظم تلك المذكرات، لا علاقة لها بالأصول الأكاديمية الصارمة. فهي مجرد قص ولصق. مما يصنفها في خانة السرقات العلمية المفضوحة. وهو ما يعكسه المستوى المتدني لغالبية المذكرات لغويا ومنهجيا ومعرفيا… فواخيبتاه على هذا الرهط من التعالم والتأستذ الذي يذبح قدسية العلم، بمثل هكذا سلوكات ساقطة صادمة، تدفع الغيورين على العلم، إلى وجوب صلاة الغائب على الماستر.
السقطة الرابعة:
ارتفاع الاصوات المطالبة باعتماد التدريس باللغة الإنجليزية، بدل الفرنسية في الجامعة، هي كلمة حق يراد بها باطل في هذا التوقيت الحساس، لأن الإصلاح الذي يبدأ من أعلى الهرم، وليس من قاعدته، كمن يبدأ بوضع السقف قبل بناء جدران البيت. وهل تخلصنا من كبريات مشاكل قطاع التعليم العالي، ليتم الزج به في خضم الصراع بين الفرنسية والإنجليزية، رغم معاناتنا الكارثية قبل كل ذلك من تدني مستوانا في اللغة العربية. فمتى نفيق ونستفيق لخلفيات زبانية اللوبي الفرنسي، الذي يروم جرجرتنا إلى السقوط في مستنقع مربع صراع لغوي خطير، وغير متكافئ نحن في غنى تام عنه في هذا الظرف…؟