-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتّى لا ينفضّ الشّباب من حول الأئمّة!

سلطان بركاني
  • 734
  • 0
حتّى لا ينفضّ الشّباب من حول الأئمّة!

بعد أن عرفت مكانة الخطاب المسجديّ تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة أمام البرامج الدعوية التي ينشّطها الدّعاة الجدد على الفضائيات، ها هي تزداد تراجعا في الآونة الأخيرة أمام المقاطع المرئية التي ينشرها شباب “البودكاست Podcast” على مواقع التواصل الاجتماعيّ؛ هذه المقاطع القصيرة، وإن كانت لا تأخذ في الغالب طابعا دينيا إلا أنّ ملامستها لواقع المجتمع، في قالب من الطّرفة، جعلها تحظى باهتمام الشّباب الذين يسجّلون إعجابهم بها ويتداولونها على نطاق واسع، بل قد أصبحت هذه المقاطع توجّه الرّأي العامّ وتصنع الحدث في مستجدّات القضايا.

لقد استطاع شباب “البودكاست” أن يكسبوا لهم جمهورا عريضا بين مختلف فئات المجتمع، وبين الفئات المثقّفة منها، وأمكنهم الوصول إلى الشّباب الذين يحملون عاطفة دينية، لأنّ هؤلاء الشّباب وجدوا في المقاطع التي ينشرها المدوّنون على “اليوتيوب” ما لم يجدوه لدى بعض خطباء المساجد الذين عجزوا عن مواكبة الواقع بكلّ مستجدّاته وتشعّباته، واكتفوا بمحاكمته.

لقد أصبح كثير من الشّباب يحضرون إلى المساجد يوم الجمعة مع بداية الخطبة ليؤدّوا الواجب وينصرفوا من دون أن يبدوا كثير اهتمام بما يقوله الخطباء، لأنّهم ما عهدوا منهم حديثا يلامس واقعهم وينطق بآمالهم وآلامهم، ليعودوا –أي الشّباب- بعد الصّلاة إلى مواقع التّواصل الاجتماعيّ، ويتحدّثوا بازدراء واستنكار، عن الخطب التي سمعوها، ويبحثوا عن بغيتهم في آخر إصدارات شباب البودكاست، من دون أن تكون لهم أيّ التفاتة إلى الخطب التي ينشرها بعض الأئمّة على اليوتيوب، والتي لا تتجاوز مشاهداتها بضع عشرات، في مقابل ملايين المشاهدات ومئات الآلاف من الإعجابات التي تحظى بها إصدارات النّاشطين في مجال “Podcast”.

نعم، لا شكّ في أنّ ثقافة التّعميم جعلت رواد مواقع التّواصل الاجتماعيّ يظلمون كثيرا من الأئمّة الذين يجتهدون في الحديث عن الواقع وفي محاولة توجيه شباب الأمّة إلى الوجهة الصّحيحة التي تجعلهم يعيشون حياتهم الإسلاميّة في واقع صعب ومتشعّب، لكنّ الحقيقة التي ينبغي الاعتراف بها هي أنّ أمثال هؤلاء الأئمّة يمثّلون قلّة قليلة بين خطباء المساجد الذين يشكّل المكلّفون بالإمامة والمتطوّعون نسبة كبيرة بينهم، وهؤلاء علاوة على تواضع مستوياتهم العلميّة واللّغويّة وافتقادهم لأساليب التّأثير، فإنّهم لا يهتمّون كثيرا بملامسة الواقع، فضلا عن الاهتمام بتغييره.. وحتى المهتمّون بملامسة الواقع، لا يبدي كثير منهم اهتماما كبيرا بتكثيف نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ كما ونوعا.

لقد آن لإخواننا وسادتنا الأئمّة، أن يعطوا هذا الموضوع الحسّاس ما يستحقّه من الاهتمام، ويفكّروا في تنويع أساليب الدّعوة، واستغلال كلّ المنابر التي أتاحتها وسائل التّواصل الاجتماعيّ، للتّأثير في الشّباب، والأخذ بأيديهم إلى حيث النّجاح في الدّنيا والفلاح في الآخرة.. إذا كان المدوّنون يحرصون على استعمال أساليب التّأثير لتشريح الواقع وتوصيفه، فإنّ الأئمّة مدعوون إلى استعمال أساليب التّأثير لتقديم أنجع العلاجات لأخطاء هذا الواقع.

الجهات الوصية مدعوة بدورها اليوم قبل أكثر من أيّ وقت مضى لمدارسة هذا الأمر وإيجاد حلول عاجلة له، قبل أن يتواصل نزيف الشّباب عن المساجد.. ربّما يكون من الأهمية أن يتنوّع نشاط المساجد وتفتح أبوابها للشّباب المقبلين على الامتحانات المهمّة، ليراجعوا فيها دروسهم، لكنّ الأهمّ من هذا أن تتحوّل النّدوات التي تعقد للأئمّة في كلّ الولايات إلى فرص لتوجيه الأئمّة إلى تعلّم أساليب التّأثير، وتعلّم التّعامل مع وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!