دعوة إلى مجابهة محاولات السطو على “الزليج” بلغة العلم لا التضليل

دعا المتدخلون في الملتقى الوطني الموسوم بـ”الزليج فن معماري.. تاريخ حضاري ومرآة للهوية الثقافية الجزائرية” الذي احتضنته كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة البليدة2، إلى مجابهة محاولات السطو على التراث الثقافي الجزائري بلغة العلم لا لغة التضليل، وهذا من خلال إبراز البعد التاريخي للزليج كطابع عمراني إسلامي جزائري.
وخلال افتتاحه للملتقى، أكد رئيس جامعة لونيسي علي البليدة2 البروفيسور خالد رمول بأن موضوع “الزليج” شائك ومعقد، لأن له علاقة بالمعمار والفن والجمال والتراث الثقافي المادي، قائلا: “أرادت العديد من الدول أن تتبنى هذا النمط من التعمير الجمالي ومنهم من أراد أن يسرقه، لكن الشواهد الخالدة في البيوت العتيقة والقصور والمساجد وحتى الحمامات وحدها ترد على كل الإدعاءات”، ليثمن في السياق حسن اختيار موضوع الملتقى الذي تزامن مع الاحتفال بشهر التراث ومن شأنه أن يساهم في تقديم هذا التراث المادي والتعريف به.
ومن جهته، وجه مدير الثقافة لولاية البليدة مسحوب الحاج في تصريح للشروق رسالة للسلطات المحلية لمنع رخص الهدم للبنايات التاريخية التي تضم الفن المعماري الأصيل، مشيرا إلى أن الاعتقاد بأنها بنايات الاستعمار خاطئ، لأنها عبارة عن ثورة هندسية قام بها مهندسون جزائريون وترمز لفترة من تاريخ الجزائر العميق، ليقول: “كل هذا الزخم الثقافي نحن اليوم مطالبون بالحفاظ عليه وحمايته”.
وبخصوص محاولات سرقة “الزليج” من قبل المغرب ونسبه لها دون سواها، ردَ مدير الثقافة: “كدولة جزائرية لا ندخل في المتاهات والقيل والقال، لأن الشواهد المادية وحدها كافية للرد فما نراه في مساجدنا والقصور وبعض المعالم التي تم تصنيفها ضمن الممتلكات الثقافية الوطنية يدحض إدعاءاتهم المغرضة”. ودعا إلى ضرورة الحفاظ على الزليج كفن معماري وهوية وطنية، لأنه ينتمي لفن العمارة الإسلامية التي وصلت إلى ذروتها زمن الفتوحات الإسلامية بالأندلس.
ولفت ذات المتحدث إلى أن الزليج في بعض المناطق الجزائرية مهدد بالاندثار بسبب العامل البشري الذي تسبب في تخريب بعض الممتلكات الثقافية التي لها صلة بالنمط المعماري الإسلامي، بالإضافة إلى نهب الآثار عبر حدودنا خاصة الناحية الغربية، وكذلك تحويل النمط المتجانس للبنايات الأفقية ذات الهندسة المعمارية الأصيلة لبنايات شاقولية غير متجانسة حجبت حتى أشعة الشمس على قاطنيها.
رمادلية: يجب استغلال الآثار المادية حفاظا للذاكرة والهوية
وإلى ذلك، قالت الدكتورة آمال رمادلية باحثة في علم الآثار ورئيسة اللجنة العلمية للملتقى إن التراث الثقافي ميراث متنوع بين المادي وغير المادي سجله التاريخ البشري في حضارات متنوعة، فالتراث المادي يشمل المباني والأماكن التاريخية والآثار والتحف وغيرها، لتدعو إلى ضرورة حمايتها والحفاظ عليها بشكل أمثل لأجيال المستقبل، لاسيما أنها تشتمل على تحف متميزة بالنسبة لعلم الآثار والهندسة المعمارية والعلوم أو التكنولوجيا الأخرى، وأشارت رمادلية إلى أن الجزائر تمتلك تنوعاً ثقافياً ومواقع تراثية معروفة ومميزة عالمياً، وإرثا غير مادي ضاربا بجذوره في أعماق التاريخ، لكنها تواجه تحديات متنوعة منها كيفية حماية التراث الثقافي، ما يستدعي –حسبها- تكاتف الجهود لكتابة التاريخ الوطني عن طريق استغلال الآثار المادية حفظا للذاكرة والهوية.
قاسمي: الزليج خصوصية ثقافية تحمل العديد من المضامين والدلالات الجمالية
وفي السياق، ذكر الدكتور قاسمي الحسني عبد المجيد أستاذ علم الاجتماع ورئيس ملتقى الزليج، بأن هذا الملتقى جاء كمحاولة لطرح جملة من الإسهامات العلمية الجادة لمختلف الباحثين والمختصين من مختلف جامعات ومعاهد الوطن، باعتبار الزليج خصوصية ثقافية تحمل العديد من المضامين والدلالات الجمالية والثقافية والاجتماعية، التي تعكس من جانبها عراقة وأصالة تراث المجتمع الجزائري، والتي وجب الحفاظ عليها والتأريخ لها، مشيرا إلى أن الزليج الجزائري – على غرار جل الموروث الثقافي المادي واللامادي – هو محصلة لتراكم خبرات على مدى مراحل تاريخية عديدة، تنوعت مصادرها من تمازج الحضارات التي عرفتها الجزائر على مر تاريخها، وهو ما يحتم على الباحثين الجزائريين التحلي بالوعي في دراسة التراث الجزائري والحفاظ عليه.
بوشحيط: ينبغي أن يكون الدفاع على التراث فعلا مستمرا لا رد فعل
وفي المقابل، شدد الدكتور مراد بن عيسى بوشحيط على مسؤولية وسائل الإعلام للحفاظ على التراث الثقافي، مبرزا في السياق دور الإعلام في الاشتغال على عناصر الهوية ومنها فن العمارة والرموز التراثية كالزليج قائلا: “ينبغي أن يكون الدفاع على التراث الثقافي فعلا مستمرا لا رد فعل فقط ولا كفعل مناسباتي”، وأردف “الوقوع في فخ ردود الأفعال هو ما يجر الرسالة الإعلامية نحو فخ الاصطفاف وبالتالي تفقد مصداقيتها وحقيقتها وهو ما حدث في الزليج”، داعيا إلى ضرورة العمل بكثير من التعمق والبحث لتقديم الحقائق في قضية التراث والدفاع عنه بعيدا عن التضليل.