-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
إجماع في ذكرى رحيل لمين خان الرابعة:

رجل فذ.. زهد في المناصب وقدّم نفسه وعلمه للوطن

إسلام بوشليق
  • 2128
  • 0
رجل فذ.. زهد في المناصب وقدّم نفسه وعلمه للوطن
ح.م

صعب أن تختصر صفة الراحل عبد الرحمان خان المعروف باسم لمين، في نعت واحد، فالرجل كان طبيبا ألمعيا من الباحثين في علم الأحياء، وديبلوماسيا فذا، في قمة الغوص في أعماق السياسة، ومؤرخا مجتهدا، يغربل الأحداث الكبيرة والصغيرة ويصفيها من الشوائب، ومجاهدا مقداما، يمزج بين بطولات العصر المحمدي والجندي المعاصر، ووزيرا سياسيا يخدم أمته من دون ملل، أما عن فلسفته في الحياة وفكره ووطنيته وتمسكه بدينه، فتلك حكاية أخرى، من الصعب الخوض فيها في محاضرة واحدة.. أو كتاب واحد.. أو في ذكرى رحيله، حتى ولو كان المتحدث صديقا أو ابنا أو رفيق درب الجهاد والعلم.. ومع ذلك، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
جمعية “جسور لحفظ الذاكرة” عبر مكتبها بسكيكدة، تحت إشراف المتحف الجهوي للمجاهد العقيد علي كافي بسكيكدة، اختارت المنطقة التي ولد وترعرع فيها الراحل، وذكرى وفاته الرابعة، ومدت جسرا فكريا، قدّم فيه فرسان الأمس واليوم، فارس الأجيال، وكأنه بيننا، ينتقل من عالم إلى آخر، ومن فكر إلى آخر.. رجل من الزمن الناصع البياض، نعترف بأنه كان بعيدا، وحاولنا الاقتراب منه، وكان قريبا، وعجزنا عن النهل منه.. رجل في حجم أمة.
قوة السي لمين، كما قال رفاق البندقية والقلم، تكمن في جمعه بين المعارف الدنيوية والدينية، ومعرفة واقعه، منذ أن كان طالب علم مهتما بالحركات الطلابية الداعية للاستقلال، ومستعدا لوضع سعيه للعلوم في ثلاجة تبريد، والانتقال منذ التاسع عشر من شهر ماي، إلى الجبال الساخنة، ومضحيا حتى بأروع مشهد يمكن لرجل أن ينتظره، وهو مولوده الأول، الساكن في بطن زوجة السي لمين في شهرها التاسع.
خاض الرجل متعدد الأدوار، كل أنواع الجهاد والنضال، من الإضرابات إلى القتال إلى التفاوض، وكان في كل معركة يخرج منتصرا، ومقولة خسرنا معركة ولم نخسر الحرب، لم تكن واردة في نضاله، فقد ربح كل المعارك وربح الحرب أيضا.
جلسة السرد والتذكر أو الندوة التاريخية والفكرية، التي احتضنتها السبت المكتبة الحضرية بالقل في ولاية سكيكدة، كانت فعلا جلسة ذات شجون، لقد ظلمنا الرجل في حياته، وحتى بعد رحيله، وفي الحقيقة ظلمنا أنفسنا أولا، فهو فعلا لم يأخذ حقه من الإعلام ما عدا بعض الومضات التي قدمته عبر الشروق، في حوار مطول من حلقات، ومن التاريخ، لولا كتاباته التي تركها، لكان نسيا، حاله مثل حال مالك بن نبي رجل فقد ظله في موطنه.

هذا هو لمين خان
تداول أبناء المنطقة ورفقاء الراحل على مداخلات وشهادات قدمها رئيس دائرة القل ومديرة المتحف الجهوي، ليأتي الدور على الناشط السياسي مراد قزار، ثم أستاذ التعليم الثانوي عادل سباغ محمد، وبعدها تم فتح المجال لشخصيات ثورية على غرار المجاهد أحمد غميرد والعربي العيفة وعمار بن عيبش، من الذين عايشوا مسيرة جهاد الأمين خان، ليختتم البرنامج بقراءة التوصيات التي خرجت بها الندوة.
ولد الدكتور عبد الرحمان خان المدعو الأمين في السادس من مارس 1931 بالقل، تحصل على شهادة البكالوريا عام 1949، ثم التحق بكلية الطب بجامعة الجزائر عام 1950، وقد التحق في جوان 1956 بالنضال العسكري فكان يتدرب في بيت المناضل أحمد بوضربة بالعاصمة، ليلتحق رفقة علاوة بن بعطوش الطالب بكلية الحقوق بصفوف جيش التحرير الوطني عبر قسنطينة، ثم جبال القل في صيف 1956، وقد قرر زيغود يوسف دمجهما في مجلس المنطقة الثانية فقام بتكليف علاوة بن بعطوش بتقنين النصوص والقرارات والشؤون الإدارية، وكلف الأمين خان بتنظيم الخلايا الأولى التأسيسية للمراكز الطبية بالشمال القسنطيني، ليتولى هذا الأخير تنظيم الصحة بالولاية الثانية التاريخية 1956-1958 برتبة نقيب، كما كوّن عدة إطارات منهم: عبد القادر بوشريط، عمار بعزيز المدعو أحمد لاصو من سطيف، رشيد المدعو سي مخلوف من قسنطينة، كما عملت برفقته الكثير من الممرضات والمساعدات الطبيات منهن الشهيدة مريم بوعتورة، مسيكة زيزة، مليكة خرشي، ليلى موساوي، نفيسة زروقي، يمينة شراد، فاطمة بن سمراء، فريدة زوجة المجاهد عبد المجيد كحل الراس.
تولى لمين خان منصب أمين عام وكاتب دولة في الحكومة المؤقتة الأولى، وتولى أيضا مهمة في وزارة الداخلية مع لخضر بن طوبال، وكان سنة 1960 ضمن وفد جبهة التحرير الوطني الذي حضر المؤتمر الخامس للتحالف الاشتراكي في يوغسلافيا، وعمل عام 1960 أيضا مع الرئيس بن خدة في تسيير الشؤون المالية للحكومة المؤقتة، وبعد الاستقلال شغل منصب وزير الأشغال العمومية، كما أتم دراسة تخصصه في الطب ليعود في سنة 1970 إلى مجاله، فتقلد سنة 1973 منصب أمين عام لمنظمة الدول المصدرة للبترول، وتقلد أيضا منصب مدير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية حتى سنة 1986، وقد توفي المجاهد لمين خان في 14 ديسمبر 2020 عن عمر يناهز 89 سنة ودفن في اليوم الموالي بمقبرة كسير الباز بمسقط رأسه كما أوصى أهله بمدينة القل، بغرب ولاية سكيكدة.

الوطني المخلص والمثقف الملتزم والحكيم
أشادت سامية بربار، مديرة المتحف الجهوي للمجاهد العقيد علي كافي بسكيكدة بخصال الدكتور لمين خان، وقالت خلال مداخلتها في الذكرى الرابعة لرحيله إن الفقيد كان وطنيا مخلصا، وهو المثقف الملتزم والحكيم، وقالت يمكنه أن يرقد في سلام في قبره، بضمير مرتاح لقيامه بمهامه الإنسانية والوطنية على أكمل وجه، كيف لا وهو يعتبر من الشخصيات المميزة جدا في الحركة الطلابية الوطنية، وقد تميز أيضا عن العديد من أقرانه، بأن ظل على حاله، مرتبطا بقناعاته، وفيا لمبادئه، متجاهلا أي نهج يقود إلى مكاسب شخصية خاصة على الصعيد المهني، رغم أن صفاته الفكرية والأخلاقية كانت كفيلة بأن تقوده إلى أعلى المناصب، علما أنه لم يرفض المسؤوليات التي أسندت اليه والتي مارسها بجدية وكرامة، ويعتبر أيضا نموذجا في الوطنية والكفاح من أجل التحرر، قرر رفقة أصدقائه من الطلبة الجزائريين التخلي عن الدراسة والالتحاق بجيش التحرير في الولاية الثانية كغيره من المناضلين في فرع الجزائر للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، مثل عبد الرحمان بن حميدة والصادق كرمان وهاشم مالك.
أما المجاهد والبرلماني السابق أحمد غميرد، فقدّم شهادات حية عن المجاهد والدكتور لمين خان وقال بأنه التحق بالثورة وقدم خدمات كبيرة قبل وبعد الاستقلال، وهو من كتب نداء الطلبة المشهور، وفي يوم أول جوان 1956 التحق بجبال الولاية الثانية، وهو في السنة الرابعة في الطب، وكان على رأس الولاية الثانية وقتها الشهيد زيغود يوسف، ثم خلفه عبد الله بن طوبال، فعلي كافي رحمهم الله جميعا، وقد أسس لمين خان النظام الصحي للولاية الثانية الذي أبهر العدو والصديق بدقته وفعاليته ولم يرفض أي مسؤولية طيلة حياته.

هذا ما قاله عن الكوريين
قال السيد لزهاري بوبكر رئيس دائرة القل الحالي، خلال إشرافه على افتتاح ندوة تاريخية ضمن فعاليات الاحتفال بالذكرى الرابعة لرحيل المجاهد الدكتور عبد الرحمان خان المدعو لمين: إنه لشرف لي أنني التقيت معه سنوات التسعينيات في قسنطينة، حيث قال لي: “عندما كنت في كوريا الجنوبية، كشفت توقيت اللقاءات بينهم، حيث يضبطون ذلك بالدقيقة مثلا التاسعة و19 دقيقة أو العاشرة و53 دقيقة وهم أناس غاية في الدقة عكسنا نحن في الجزائر، حيث نوجّه الدعوات لحضور الملتقيات مثلا ما بين العصر والمغرب، وهم تطوروا، لأنهم عرفوا كيف يحترمون المواعيد عكس ما نحن عليه في بلادنا”.
وفعلا كان لمين خان مثالا في الالتزام، حتى الصلاة يتمسك بأنها “كانت كتابا موقوتا” فيوقف أي شغل، وينزوي في موعد الصلاة ليتصل بخالقه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!