ضرب الأبناء معيار فشل الآباء

طفل لم يتعدي العشرة أعوام كان يلعب بالكرة في غرفة استقبال الضيوف وأمه تنادي عليه أن يحترس من كسر الزجاج وإلا نال عقاباً من والده، لكن طفولته لم تستمع لكلام الأم ليواصل لعبه وما هي لحظات إلا وكسر التلفاز، وعاد الأب من العمل ليجد ابنه يصرخ باكياً أنه ما قصد كسره إنما جاءت ركلة طائشة فهشمته، لكن ما كان من الأب إلا أن ربط يديه بالحبال السميكة في سرير نومه من يديه وانهال عليه ضرباً، ثم أغلق الباب عليه وهو يشتاط غضباً، وعندما فتح الباب في الصباح وجده فاقدا للوعي، ونقل إلي المستشفي وبعد ساعات خرج مبتور اليدين، وبين شهقات البكاء قال الطفل: “أبي أعد لي يدي ولن أكسر التلفاز مرة أخرى.”..
قصة مبكية تصدرت الصحف والمجلات وبعض وسائل الإعلام في إحدى القرى المصرية والتي كان صبيها أحد ضحايا العنف التربوي غير المقصود، وكغيره يستصرخ الكثير من الأطفال بآبائهم محتجين على أساليب العقاب العنيفة.
ما هو العقاب؟
العقاب وسيلة تربوية تستخدمها الأسرة أو المؤسسة التعليمية لتوجيه الطفل وإعادة تحسين سلوكه، وهو ما يعتبر مفيدا بشرط تحديد شكل العقاب والوقت والكيفية الذي يتم بها·
وهناك العديد من وسائل العقاب التربوي التي تأتي نتائج إيجابية مع الطفل بعيداً عن إيذاءه النفسي أو الجسدي ومنها حرمان الطفل مما يريده أو مما يحبه سواء كان شيئا ماديا كاللعب أو بعض الحلوى أو معنويا كزيارة شخص يحبه، أو الذهاب إلى النادي، وهناك العقاب اللفظي من العتاب المؤثر، وهناك أيضا التأنيب المعنوي من ملامح الأم والأب وظهور علامات عدم الرضي علي وجهيهما، أو طلب الأم من الابن أن يذهب إلى غرفته ويحاسب نفسه على تصرفاته، وغير ذلك من الوسائل المفيدة.
وفي السن الصغير تستطيع الأم عمل لوحة كبيرة للطفل وتقص من الورق بعض الوجوه المبتسمة السعيدة ، وأخرى حزينة تبكي، وعندما يقوم بتصرف جيد تجعله يلصق وجه سعيد، وعندما يقوم بعمل خاطئ يلصق وجه يبكي وفي نهاية الأسبوع تراجع الطفل عن كل تصرفاته الصحيحة والخاطئة.
ويجب أن يتفهم الوالدين جيداً أن الضرب يستخدم كأسلوب تربوي بمحاذير شديدة ، لا أن نجد أماً تضرب ابنها لأنه سكب الطعام أو الشراب على الأرض، أو لأن تحصيله الدراسي ضعيف، أو لأنه تشاجر مع أخيه أو لأنه لعب واتسخت ملابسه، فهذه كلها مواقف يتم عالجتها بطرق تربوية غير الضرب، فالإشارة من النبي عليه السلام للعقاب كانت للصلاة ، حين يبلغ الطفل سن العاشرة وهو سن البلوغ والحساب، وهنا فالضرب غير المبرح، إنما الإهانة فقط ليعرف أنه اقترف ذنباً كبيراً في علاقته مع ربه.
ويستخدم الضرب كورقة أخيرة، ويجب على الوالدين الحذر من التعامل معه؛ لأنه لو استخدمها ولم تُجْدِ ماذا سيفعل؟! ستسقط هيبته وهيبة العقوبات وسيستهين الأبناء بهما مهما اشتد ولو في قراره أنفسهم، ومما يجب مراعاته عند الضرب تجنب الوجه، وألا يضرب الوالدين أثناء الغضب وهذا مهم جداً، وليكن الوالدين قدوة لأبنائهم في كيفية تعامله مع غضبه بالاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من وضوء واستعاذة وتغيير وضعه جلوساً أو قياماً أو اضطجاعاً، ثم يتصرف مع أبنائه بما يراه صواباً.
الترغيب أولاً
يعتقد الكثيرون أن الضرب هو الأسلوب الأنسب والأكثر فعالية للمحافظة على استقامة الأبناء، وأن أسلوب الترهيب هو الذي يجدي غير الترغيب الذي يولد أطفالاً لا يستطيعون مواجه الحياة بسبب ” الدلع”، وهذه أفكار خاطئة تماماً تزرع كل ما هي سلبي في الطفل، كما أن البعض يلجأ إلى الضرب وذلك لمجرد التنفيس عن الغضب الذي سببه تصرف الطفل، وغالباً ما يسبب الغضب ضرباً انتقامياً مبرحاً يترك أسوأ الآثار النفسية والبدينة ويكون شخصيته متسمة بالخوف والرعب والجبن كما يقتل الجمال والإبداع والابتكار لدي الطفل ويخلق لديه اللامبالاة، كما انه سببا رئيسيا للعديد من الأمراض النفسية كالتوتر العصبي والأحلام الفزعة أثناء النوم وقرض الأظافر.
لابد من الموازنة بين الثواب والعقاب حتى يقارن الطفل باستمرار بين نتيجة تصرفه الصحيح وتصرفه السيئ، فلابد من إعطاء الطفل الدافع للإختيار بين الثواب والعقاب، حيث سيحرص علي عمل ما يجلب رضا والديه، لكن دون وقوع الوالدين في فخ رشوة الطفل لاختيار السلوك الصحيح.
ومن الأخطاء الشائعة في العقاب أن تهدد الأم ابنها في كل سلوك خاطئ بأن أباه سيعاقبه عندما يعود إلى البيت، وهذا يجعل الأب شرطياً مهمته العقاب فقط ويفقد دوره كصديق حميم للأبناء، بل إن الوالد هنا يجب أن يعاقب الابن حتى لا يشعر الطفل بأنه لا دور للأب – بناء على تهديد الأم – ومن هنا قد يشعر الأب بأن المشكلة تافهة لا تستحق العقاب لكنه مضطر لذلك لأجل إنقاذ الموقف تربوياً.
وهناك معايير ثابتة للعقاب بوجه عام يجب أن يتفق عليها الوالدين، وأن يتناقشا فيها مع مدرسي الطفل في المدرسة، فمثلاً لا يعاقب الطفل علي شيء ترفضه الأم ويتقبله الأب أو العكس، وأيضا لا يعاقب الطفل علي خطأ ما ارتكبه وعندما يكرره لا أعاقبه، لان هذا بدوره يفتت القي عند الطفل، وينشأ مهزوزاً بين الصواب والخطأ·
مخاطر العقاب غير التربوي
العقاب المضر درجات، بداية من التعنيف اللفظي حتى الضرب المبرح المؤذي جسدياً، وهنا فتجريح الأبناء والاستهزاء بهم أو سبهم بألفاظ سيئة أو الدعاء عليهم له مخاطر كثيرة حيث إنها تعطي الطفل أحياناً شعوراً أنه غير مرغوب فيه من قبل والديه وأسرته وأنهم لا يحبونه فيسبب ذلك الكثير من النتائج السلبية قد تنتهي بالطفل إلى الهروب من المنزل للبحث عن بديل يحبه ويرعاه، وكثرة الصراخ في وجه الطفل ونقده العاطفي يشعره بأنه لا أهمية له وبالتالي يفقد ثقته في نفسه وثقته في والديه ويفقد الشعور بالأمان وبالتالي ينشأ شاباً فاقد الثقة في المجتمع ولا يبالي به، وبالتالي قد يتجه لبعض السلوك المنحرف لإثبات نفسه.
كما أن الاستهزاء بمشاعر الطفل تعلمه كيف يخفي مشاعره حتى لا يتعرض لمزيد من العقاب أو مزيد من السخرية وبالتالي يشب مهزوزاً فاقد الثقة في نفسه ومن حوله، وقد يظهر رد الفعل بالتأخر الدراسي أو الهروب من المدرسة وبالعداء والعدوانية والأمراض الجسدية الناتجة للتعرض للعقاب الجسدي قد تظهر في شكل نشاط زائد أو الانزواء أو الإسراف في تناول الطعام، أو بعض الشكاوي البدنية كالأمراض الجلدية والتلعثم في الكلام، أو التبول اللاإرادي·
ومن المؤسف أن التبول اللاإرادي يؤدي إلي مزيد من الضرب وهكذا ندور في حلقة مفرغة، وعندما يشكو الطفل من أعراض بدنية ليس لها أصل بدني واضح فلابد أن نأخذ في الاعتبار إمكانية تعرضه للضرب كجزء من التشخيص.
العلاقة بين العنف التربوي والاكتئاب
التعرض للعنف في الصغر هو أحد الأسباب المسئولة عن ظهور الإعاقات النفسية المعرقلة لتطور ونمو الشخصية السوية والمسئول الأول عن ارتفاع المعدلات الأولية للإصابة بالاكتئاب، حيث الإحساس المتزايد بفقدان القيمة والشعور بفقدان الأمل والانفصال التام عن الآخرين وتفضيل العزلة والوحدة علي الوجود حتى مع الأشخاص الذين يحبونهم، ويؤكد التعريف الأوروبي للتعددية في الشخصية أن التعرض للعنف المستمر في الصغر يؤدي لاضطرابات حادة في الشخصية، وغالبا يتكرر نفس المصير بمعني أن الأم أو الأب الذين تعرضا للعنف صغارا قلما يستطيعان ضبط أعصابهما، بل وقد يتعمدان تعريض أطفالهما للعنف البدني أو النفسي ويستمر مسلسل العنف في الأسرة جيلا بعد جيل مما يفقد تلك الأسرة السعادة والنجاح وحتى الأمل بحياة مستقبلية·