منوعات
الحجر الصحي يحول التعليم الديني إلى حلقات إلكترونية

غرف “الزوم” و”الماسنجر” لحفظ القرآن وتعلم التجويد

مريم زكري
  • 5500
  • 4

“خيركم من تعلم القرآن وعلّمه”… هدف التزمت بتحقيقه “فاطمة الزهراء”، وهي شابة ثلاثينية وأم لطفلين، إذ وضعت نصب عينيها حفظ القرآن الكريم بالسّند الصّحيح والمتصل، متحدية عوائق وحواجز خلفتها الأزمة الصحية، لتنطلق بصفر “رصيد” في فترة الحجر الصّحي بعد ما جعلت من المنصات الالكترونية جسرا رقميا للاتصال بمشايخها وتلقي الدروس وتصحيح التلاوة لأشهر دون ملل أو كلل، انطلقت فاطمة الزهراء عبر “مقرأة الجزائر” بمساعدة قريبة لها وتسجيل نفسها كطالبة نظامية لحضور حلقات عبر غرف الدردشة بتطبيق الزوم ومتابعة دروسها لتكمل ختم ما يفوق عن 37 حزبا في ستة أشهر، ومواصلة إتمام الحفظ كاملا بتحد وإصرار كبيرين.
تحوّلت المنصات الرقمية ومختلف التطبيقات عبر “السوشل ميديا” بعد انتشار وباء “كوفيد 19” إلى مدارس نموذجية، لتحصيل العلم الشرعي واختصرت بذلك الوقت والجهد في تصحيح التلاوات، إضافة إلى حفظ المتون ودراسة شروحها، ووضعت أمام طلبة العلم الشرعي فرصة لاختيار أوقات تناسبهم لحضور الحلقات الالكترونية، أين يستظهر الطالب المقرر اليومي بناء على توجيه الشيخ أو الأستاذ، ثم يمنح إجازة “الكترونية” مستندة من شيخه إذا أتقن واجتاز الاختبار النهائي بالرواية التي تلقاها.
على غرار فاطمة، نماذج رائعة أعطت صورة ناصعة عن تعلم أحكام القرآن بالسّند الصّحيح عن بعد، بتحد كبير وخطوات عملاقة حققتها الطالبة زكية هي الأخرى كربة بيت لم تقِل عزما وثقة، حدثتنا عن انخراطها في مجموعة الكترونية المسماة “ورشيات” تحت إشراف مشايخ من دول عربية منها مصر والعراق، بعد عجزها عن إتمام دراستها بالمدارس القرآنية بسبب إجراءات الحجر الصحي، وتروي لنا زكية تجربتها في تحصيل العلم الشرعي ونيلها اجازة الكترونية في “النورانية”، بعد ما منعتها “كورونا” من إتمام تعليمها ميدانيا عن طريق المشافهة، واستطاعت زكية عبر إبحارها في عالم النت وفتح حساب خاص بالموقع الأزرق رغم اعتراض زوجها في البداية وعدم استحسانه الفكرة، إلا انه رضخ أمام إصرارها…
وعبرت محدثتنا، ان انضمامها إلى مجموعة الكترونية وتواصلها مع أفضل المشايخ والأساتذة في العراق، لحضور حلقات عبر تطبيق المسنجر ضمن مجموعة “ورشيات” اختصر أميالا ومسافات قد تستغرق سنوات طويلة كان يقطعها طلاب العلم الشرعي سابقا، جعلها تشعر أنها تسافر إلى بغداد في ثوان، وعبر كبسة زر بالموقع الأزرق فقط، أين تجتمع طالبات العلم الشرعي بغرف الدردشة لتلقي دورس وحصص تنتهي بإجازة الكترونية، مكنتها حسب ما ترويه لنا زكية من التوظيف والعمل في تلقين متن النورانية للأطفال بمدرسة قرآن دار الرحمان بالعاصمة.
‏وتتحدث سلمى شابة لا تتجاوز ربيعها 24 عن زميلتها، فاختصاصها العلمي وتحصلها علي شهادة في هندسة الطرائق بجامعة هواري بومدين بباب الزوار، لم يمنعها من استغلال تقنيات تكنولوجية وتطبيقات من اجل تعلم أصول النورانية وتحصلها على إجازة الكترونية خلال ثلاثة أشهر، تقول سلمى أنها شاهدت الإعلان صدفة عبر موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، ولانحصار وضيق الوقت، قررت الانخراط بأحد الأفواج يضم 40 طالبا ومتابعة الدروس ضمن شروط يحددها الأساتذة، على كل منخرط الالتزام بها أو الحظر في حالة الإخلال.

“مقرأة الجزائر الالكترونية” تحد عالمي لتحفيظ القرآن عن بعد
عشرات المنصات والأكاديميات الرقمية انتشرت في الآونة الأخيرة بالفضاء الأزرق ومواقع خاصة عبر الانترنت للتعليم عن بعد بتقنية “الزوم”، انتعش نشاطها بظهور وباء كورونا واستقطبت آلاف المشتركين والطلبة، بعد تقديم برامج ثرية وفتح مجالس الكترونية للذكر الحكيم، من ابرزها “مقرأة الجزائر الالكترونية”وهي مقرأة إلكترونية رسمية تابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، موجهة للراغبين في تعلّم القرآن الكريم حفظا وتجويدا والقراءات من داخل الجزائر وخارجها، وفق التقنيات الحديثة المتاحة، يؤطرها نخبة من المشايخ المتخصصين من ذوي الخبرة العالية في تعليم القرآن وعلومه، وتنطلق المقرأة في بث حلقاتها الساعة الثالثة فجرا بتوقيت الجزائر إلي غاية منتصف الليل، هي عبارة عن خلية نحل “نشطة” ونموذج رائع عن الانضباط، فالحلقات قائمة على مدار ساعات يقابلها صبر من المشايخ والمدرسين وتدافع من الطلبة والمتمدرسين، فالبعض لا يكتفي بحلقة واحدة، بل ينهل من العلم علي مدار جلسات اليوم بأكمله.
وفي السياق، قالت الدكتورة راضية هلال، إطار بوزارة الشؤون الدينية ومشرفة بالمقرأة، أن الدراسة عن بعد لتعاليم القرآن وأحكام تجويده بالسند المتصل للقراءات العشر عبر الحلقات الالكترونية، ومجالس الذكر الافتراضية، خطوة عملاقة ودعم كبير للطلبة والمشايخ، كونها غطت بعض النقائص التي أفرزتها المدارس النظامية، من حيث قلة الأقسام وضغط البرامج بسبب ضيق الوقت، اذ تبرمج حصة واحدة لمدة ساعتين أسبوعيا، يقابلها حصص وحلقات يومية وعلي مدار ساعات عبر المنصات الرقمية، التي اختزلت الجهد المضاعف والوقت والاكتظاظ الذي تعاني منه بعض المدارس ودور القرآن علي حد قولها.
وأثنت الدكتورة هلال على مشروع مقرأة الجزائر الالكترونية، قائلة انها منصة متطورة رأت النور مطلع شهر جانفي الفارط بعد توقف المدارس والمساجد عن تلقين الدروس بسبب إجراءات الحجر الصحي، والتي يرتقب أن تتحول في المستقبل القريب إلي أكاديمية وكلية الكترونية تنافس في تدريس أحكام القرآن عالميا حسبها، ووصفتها الدكتورة هلال بالتجربة الرائعة، اذ يؤطرها رموز القراءة في الجزائر من كلا الجنسين بلغ عددهم 120 قارئ، للإشراف على آلاف الطلبة من مختلف ولايات الوطن، وحتى من دول عربية وإسلامية ومغتربين في دول أوروبية، واستقطبت المقرأة لحد الساعة 60 ألفا من طالبي العلم الشرعي وأحكام القرآن.
وأشارت المتحدثة أن أزمة انتشار داء كورونا كانت فرصة لإطلاق المشروع استمر لاحقا بقوة أكبر، نظرا للثمار التي حققها، بعد تفوق العديد من الطلبة في التدرج خلال تعلم أصول القراءات وإتمام الحفظ الكترونيا، مقابل ذلك منح المشايخ والأساتذة صبرا ونفسا طويلا في تصحيح التلاوات والأحكام عبر المسنجر والتطبيقات الأخرى وعلى مدار ساعات اليوم بأكمله، وقالت المشرفة “هلاّل” أن التّعليم عن بعد لتعاليم القرآن بديل ناجح يحتاجه الصغير والكبير وحلقة وصل بين الأجيال، ولا يتطلب إلا خطوات بسيطة، خاصة مع انتشار أحدث الأجهزة المستخدمة في ذلك، ونوهت المتحدثة إلى أن المقرأة تضم أقساما خاصة بالكبار ومحو الأمية من اجل الدراسة عن بعد، ولم يضطر من تعذرت عليه ظروفه التوجه نحو المدرسة والمسجد.

غرف الدردشة و”الزوم” سدت الفراغ

من جهتها، قالت الأستاذة “أمينة حساني” أستاذة مجازة بجامعة دمشق في سوريا، أن اللجوء إلى تعليم القرآن عن بعد من خلال التطبيقات وغرف الزوم والمنصات الالكترونية، حل بديل وممتاز أفرزته بعض الظروف لسد الفراغ رغم أنه لا يغني عن المشافهة، مشيرة إلى أن الأزمات الناتجة عن الأوبئة والكوارث الطبيعية مثل ما حدث مؤخرا قد يجبرنا أحيانا للتعليم وتقديم محتويات بحلقات الذكر الإلكترونية من اجل تدارك التأخر والتراجع في مستوى الطلبة، وأشارت أن آلاف الطلبة أكملوا مسارهم التعليمي بتفوق عبر مقرأة الجزائر وغيرها من المنصات الأخرى، التي فتحت المجال لاكتشاف قدرات مذهلة في سرعة تعلم أحكام التجويد والنظم عن بعد، إذ أن البعض منهم حفظ الختمة كاملة والبعض نصفها أو ما يفوق.
ووصفت الأستاذ أمينة حساني الفرحة والحماس اللذان ملآ غرف الدردشة بالكبيرة، قائلة إن التعليم عن بعد جدد الهمم وأزال الفتور نتيجة الأزمة الصحية التي عصفت بالعالم مؤخرا، إذ طبعت الأجواء بغرف الدردشة نشاط وتنافس شديد في إتمام الختمات، لتكون عودتهم قوية بعد تحسن الوضع الصحي من دون أي تراجع في المستوى.
بالمقابل، عرجت الأستاذة خلال حديثها عن فئة خاصة وهي النساء الماكثات في البيت التي كان لهن النصيب الأكبر من مزاولة التعليم عبر تلك التطبيقات والمنصات، وتقول أن البعض منهن يخضعن لقرارات صارمة بمنعهن من الخروج يوميا من طرف أزواجهن، فوجدن الحل البديل، بل وصفت إحداهن أن التعليم عن بعد أثمر عليها بسخاء، وتمكنت بفضله من تنظيم أمور بيتها والتفرغ للعلم الشرعي بالحلقات الالكترونية، في أي وقت ترغب، وهو حال ينطبق على الكثيرات والكثيرين ممن يقطنون بالمناطق النائية والولايات الداخلية ومناطق الجنوب الشاسع، وحتى من أفراد الجالية بدول أوروبية الذين اصطدموا بصعوبة التعلم في المقارئ العربية بسبب اختلاف اللهجات..
وختمت محدثتنا كلامها قائلة أن التعليم عن بعد لأحكام التلاوات والتجويد فتح المجال لأهل العلم الشرعي من أجل التطلع أكثر على العالم الافتراضي، والإبحار الرقمي واكتشاف أحدث التقنيات التكنولوجية.

مقالات ذات صلة