-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قراءة متأنية في قانون المحضر القضائي الجديد

بقلم: إسماعيل ڨطاف
  • 1100
  • 0
قراءة متأنية في قانون المحضر القضائي الجديد

أسبوع على صدور القانون رقم 23/13 المؤرخ في 05/08/2023 المعدل للقانون 03/06 المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي والذي ألحق مهنة محافظي البيع بالمزايدة بمهنة المحضر القضائي، كان كافيا لإثارة جدل في أوساط القانونيين والأعوان القضائيين، لاسيما لدى محافظي البيع بالمزايدة الذين تفاجؤوا بمسألة إدماجهم مع أعوان قضائيين آخرين وهم المحضرين القضائيين، بعد أن كانت المشاورات والاتصالات بين ممثلي هؤلاء الأعوان القضائيين مع مسؤولين بوزارة العدل الوصية عليهم، توصلت إلى تسمية جديدة “المحافظ القضائي” الذي يتولى مهام التنفيذ القضائي وكل عمليات البيع بالمزايدة والتقييمات.

أسبوع واحد كان كافيا لزرع الحيرة داخل أكثر من 200 ديوان عمومي يحمل لافتة محافظ بيع بالمزايدة والتقييم، بعد أن نص القانون الجديد في أحكامه الختامية في المادة 9 منه “يلحق محافظو البيع بالمزايدة الممارسون لمهنتهم، بمهنة المحضر القضائي، ويمارسون المهام الموكلة للمحضرين القضائيين ويخضعون لأحكام هذا القانون بمجرد صدوره”.

إن عبارة “… ويخضعون لأحكام هذا القانون بمجرد صدوره” لم تكن في محلها من المشرع، ونحن نعلم أن سريان القوانين من حيث الزمان تبدأ فور صدورها، وهذا ما يتنافى والمنطق القانوني الذي يستوجب الشروع في اتخاذ اجراءات تقنية في مقدمتها إلزام محافظي البيع بالمزايدة بإعادة الختم القديم إلى الجهة الوصية وهي وزارة العدل، مع طلب ختم جديد بالتسمية الجديدة “محضر قضائي”، وهي إجراءات قد تطول لأشهر لدى المطبعة الرسمية المخول لها طباعة الأختام الرسمية.

فكان على المشرع أن يراعي قبل نصه على هذه العبارة، صعوبات هذه المرحلة وعوائقها، كأن يترك فترة انتقالية معينة تسمح لهؤلاء الضباط العموميين بتحضير أنفسهم جيدا، قبل الدخول إلى مهنة جديدة، تتطلب إجراءات جديدة وتجهيزات حديثة وموارد بشرية عديدة.

حقيقة الأمر، أن تفعيل هذا القانون الجديد بالنسبة لمحافظي البيع بالمزايدة، يمر في المرحلة الراهنة، عبر استمرار هؤلاء الأعوان القضائيين في ممارسة مهامهم الأصلية للبيع بالمزاد العلني للمنقولات وتقييمها بصفة عادية، إلى غاية استلام الختم الرسمي الخاص بالتسمية الجديدة كمحضر قضائي، مادام أن تعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية وتكييفه مع عملية الإدماج هذه، مؤجل الفصل فيه من قبل نواب البرلمان بغرفتيه إلى الدورة الخريفية المقبلة.

نقطة أخرى شكلية في غاية الأهمية، تكمن في أن محافظ البيع بالمزايدة، باعتباره عونا من أعوان القضاء ومساعدي العدالة، المعين منذ صدور أول قانون ينظم المهنة سنة 1996، بقرار وزاري صادر عن وزير العدل حافظ الأختام، من المنطق القانوني، أن تنهى مهامه القضائية بقرار وزاري آخر صادر عن وزير العدل حافظ الأختام، وهو ما لم يحدث طوال أيام هذا الأسبوع، مباشرة بعد صدور القانون رقم 23/13، من قبل الجهة الوصية، التي التزمت طوال هذه الفترة الصمت ولم تصدر تعليمة توضيحية إلى رؤساء الغرف الوطنية والجهوية لمحافظي البيع بالمزايدة، لرفع اللبس عن مشروعية مهامهم خلال هذه الفترة الانتقالية، وتسيير الفراغ الذي أحدثه المشرع في أحكامه الختامية التي جاءت مبهمة وغير واضحة .

الملاحظ أن القانون رقم 23/13، سيطرح إشكالات عملية مع بداية سريان تطبيقه، إذ لا يوجد أي مانع لشروع نحو 3000 محضر قضائي منتشرين عبر جميع محاكم الجمهورية، من الشروع فور صدور هذا القانون، في ممارسة مهام البيوع الرضائية للمنقولات وعمليات الإيجار والتقييم للمنقولات التي كانت حكرا قبل صدور هذا القانون على محافظي البيع، غير أن الإشكال القائم، هل بإمكان محافظ البيع بالمزايدة بعد صدور هذا القانون أن يقوم بمهام التنفيذ والتبليغ القضائي التي كانت حكرا على المحضرين القضائيين، قبل استلام محافظ البيع بالمزايدة للختم الجديد، أم يواصل عملية البيع والإيجار والتقييم للمنقولات بالختم القديم، وبين هذا وذاك، لماذا تم استبعاد المحضرين القضائيين في التعديل الجديد من مهام تحصيل الغرامات لفائدة الخزينة العمومية، خصوصا أن الآليات التي أوجدتها وزارة العدل في السنوات الأخيرة لاسترجاع آلاف الملايير لم تجد نفعا، في مقابل نجاح هؤلاء الأعوان في التقليص من الأحكام الغيابية في المادة الجزائية؟

حماية قانونية مؤجلة 

فضلا عن هذه النقائص في الشق المتعلق بمهنة محافظ البيع بالمزايدة، فإن القانون رقم 23/13، حمل نقائص أخرى في الشق المتعلق بالتعديل الجديد على مهنة المحضر القضائي الذي يكون فيها حسب المادة 20 مكرر 2 “المحضر القضائي وكيلا في العمليات التي تدخل في مجال اختصاصه. تعد هذه الوكالة عقدا مدنيا يخضع للقواعد المنصوص عليها في القانون المدني”.

فهل يعني هذا أن تحرير هذه الوكالة تتم على يد عون قضائي آخر مثل المحضر القضائي  وهو الموثق، وهو مقصد المشرع في الفقرة الثانية من هذه المادة، الذي وقع في مغالطة وسوء فهم عندما أخضعها لأحكام العامة المنصوص عليها في القانون المدني، مع العلم أن محاضر المحضر القضائي وحتى محافظ البيع قبل الإدماج، تعد محاضر رسمية وترقى في بعض المحاضر منها، إلى مصاف السند التنفيذي، طبقا للفقرة 12 من المادة 600 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية؟

تضييق آخر على المكتب العمومي للمحضر القضائي، حمله القانون المعدل والمتمم  للقانون 03/06 المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي في المادة 57 منه بنصها “إذا ارتكب المحضر القضائي خطأ جسيما سواء كان إخلالا بالتزاماته المهنية أو تعلق بوقائع ذات طابع جزائي، مما لا يسمح له بالاستمرار في ممارسة نشاطه، يمكن لوزير العدل حافظ الأختام، توقيفه فورا”، وهي تناقض التشريع، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، حسب المادة 45 من الدستور، فلماذا لجأ المشرع في هذه المادة إذن مع ضابط عمومي، إلى التوقيف الفوري دون سماعه ولا التحقيق معه ولا حتى منحه حق الدفاع، الذي هو حق مكفول دستوريا، في وقت نجد نفس المشرع يتجه لرفع التجريم عن أفعال التسيير بالنسبة للموظفين العموميين والمسؤولين المحليين، دون الأخذ برأي وزير الداخلية والجماعات المحلية.

وما زاد من حدة التجاوزات المنافية للقانون، ما جاءت به المادة 11 مكرر من التعديل الجديد على مهنة المحضر القضائي بنصها في فقرتها الأولى “ينهي وزير العدل حافظ الأختام بموجب قرار مهام المحضر القضائي عند بلوغه سن سبعين 70 سنة”، وهي مادة تتعارض وتتنافى مع مبدأ المساواة الدستوري، فلماذا خص المشرع في هذا التعديل، فئة المحضرين القضائيين ومحافظي البيع بالمزايدة ـ قبل الإدماج ـ بالتقاعد القسري، دون غيرهم من أعوان القضاء ومساعدي العدالة، كالمحامين والموثقين، خصوصا إذا علمنا أن أغلبية محافظي البيع تجاوز سنهم، أو هم على عتبة السبعين، بينما ثلث المحضرين القضائيين، قد تشملهم هذه المادة، بينما قدمت أعمدة مهنتي البيع والتنفيذ طوال ثلاثة عقود، جهودا جبارة للإدارة بصفة عامة والعدالة الجزائرية على وجه الخصوص.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!