-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لالة مغنية.. الجزائرية التي غلبت سلطان فاس

ك. فاروق
  • 4652
  • 0
لالة مغنية.. الجزائرية التي غلبت سلطان فاس
أرشيف
ضريح لالة مغنية

جزائرية حرة، تعود قصتها إلى أواخر القرن الثامن عشر، عاشت في مدينة سميت باسمها تيمنا، عند سفوح جبال تلمسان، تنتصب أشجار الزيتون الشاهدة على سيرة أو أسطورة امرأة أتت عابرة، فصارت رمزا لمدينة بأكملها، وامتدت شهرتها إلى ما وراء الحدود.

كانت مغنية الابنة الوحيدة لعالم صوفي، كان يدير زاوية شهيرة في المدينة، التي حملت في ما بعد اسم ابنته. ترعرعت لالة مغنية عاشقة للحرية، زاهدة مثل والدها في الدنيا، سلاحها الدين والعلم والفلسفة.

عندما توفي والدها، نحو عام 1760، طردت لالة مغنية من طرف ابن عمها، بعد أن كان من المزمع أن ترث هي قيادة الزاوية، فوالدها لم يكن له أولاد ذكور. لكن لالة مغنية لم تتنازل عن رسالة والدها، واستغلت علمها ومعرفتها العالية، لتكسب احترام كل علماء البلدة، وأصرت على أن تكون سيدة زاوية عملت جاهدة لإقامة صرحها، وقد كانت مهمة إقناع الرأي العام سهلة للغاية، بسبب سوء سمعة منافسها، وعدم تمتعه بشعبيتها وشهرتها.

كان ابن عمها غنيا، غير أنه لم يحظ مثلها بأي تعليم أو ثقافة أو معرفة، وكان متعاليا يملك خدما، على عكس لالة مغنية، التي كانت متواضعة وقريبة من الفقراء، وغالبًا ما كانت ترتدي زي الفلاحة، لتختلط مع العامة، سعيا منها لفهم معاناتهم ومشاكلهم.

إلى جانب معركتها للبقاء على رأس زاويتها، استمرت لالة مغنية في القراءة والتعلم، وتقديم الرعاية للفقراء، وكان همها ومهمتها نشر تعاليم الإسلام. ويقال، بحسب الأسطورة، إن لالة مغنية كانت تتمتع بكرامات كثيرة ومعجزات امتزجت بكثير من الخيال والفانتازيا الشعبية.

ذاع صيت لالة مغنية في كل الأرجاء، ووصلت إلى مسامع سلطان فاس آنذاك أصداء علمها وجمالها وثقافتها الواسعة، وأيضا معجزاتها، فأرسل يطلب يدها، غير أنها، بحسب الرواية، صدته وأعادت رسله بهداياه، فاستاء أشد استياء واستشاط بهذه الرفض القاطع غضبا، فهدد بإرسال جيش عرمرم لتدمير المدينة ومن فيها.

وأرسل بالفعل جيشا كبيرا لتدمير الزاوية ومن حولها، وقام بقتل السكان والحيوانات، وحرق المحاصيل والأشجار، وقام بسد الآبار والينابيع.

حرب النواعم

جمعت للالة مغنية أشجع نساء القبيلة، لتحفيز الرجال عل القتال.. فدارت هناك معركة طاحنة، انتهت بالنصر. فعاد الغزاة أدراجهم، يجرون أذيال الخيبة مرتين، الأولى لأنهم هزموا، والثانية لأن امرأة بلا سلاح لقنتهم درسا في القومية والحرية.. لكن، رغم النصر، كانت المدينة في أمس الحاجة إلى من يسد رمق الجائعين ويعيد إعمار البنايات المدمرة.

رغم معاناتهم، وثق السكان في لالة مغنية المحاربة، لكن الأسطورة تدخلت لتروي نسخة أخرى.. فقد توارث الناس سر جراب الحبوب الذي لا ينضب، فأكل منه الداني والقاصي، الفقير وعابر السبيل، الإنسان والحيوان، بما فيها الطيور المهاجرة. ومن جرابها عادت الأرض إلى خصوبتها واخضرارها، وتم بفضلها إعادة بناء البيوت وصارت مغنية وزاويتها جنة فوق الأرض.

نخلة الوداع الأخير

عندما دنا أجلها، في فجر عامها الأربعين، طلبت لالة مغنية من ابنها أن يدفنها تحت ظل نخلة، قيل إنها المكان الذي التقت فيه لالة مغنية براع يعزف على ناي، فأزعجها عزفه لكنها أعجبت به بعدها، واختلفت الروايات، بين من يؤكد أنها تزوجته وبين من يفند هذا الجزء من حياتها، كما تجزم بعض الراويات التاريخية بأن مغنية لا تنحدر من المنطقة، بل من مكان آخر، ولشدة ورعها، كانت تحج كل عام.. لذا، عرفت بالحاجة مغنية، وإنها استقرت في المنطقة، الواقعة بين جبال دلقن وترارة وجبل عصفولا بعد أن أعجبت بها، وهي في قافلة العودة إلى قريتها..

رحلت الحاجة مغنية، كما يطلق عليها سكان المنطقة، منذ مئات السنين، لكنها تركت سيرة عطرة ممزوجة بالخيال والخرافات، وقبتها القائمة إلى حد الساعة، شاهدة على معجزاتها، بل على تأثيرها في هذه المدينة البديعة.

وما زالت سلالة الحاجة مغنية موجودة في القرية، وأفرادها محترمون من قبل الجميع، لإيمانهم وجهادهم الطويل، فابن الحاجة مغنية مباشرة، قاتل إلى جانب الأمير عبد القادر، حتى قبض عليه واستشهد، إلى يومنا هذا، لا يعرف أحد أين قبره… حتى إن هناك من يقول إنه اقتيد إلى كورسيكا.

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!