-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا يجب على العالم أن ينظر إلى ما يحدث في الكونغو الديمقراطية؟

ماجيد صراح
  • 1441
  • 0
لماذا يجب على العالم أن ينظر إلى ما يحدث في الكونغو الديمقراطية؟
WFP/Moses Sawasawa
امرأة تهرب من مخيم للنازحين في غوما، شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، جانفي 2025.

تسبب هذا الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، منذ بدايته عام 1996، بمقتل ونزوح ملايين الأشخاص، وتجدد مؤخرا حيث استولت الحركة المسلحة “أم 23” على مدينة غوما، في مقاطعة شمال كيفو، يوم 27 جانفي، بعد أن خلفت المواجهات بينها والجيش الكونغولي آلاف الضحايا ومئات الآلاف من المشردين.

توقفت المواجهات في المدينة بعد سقوطها في أيدي الحركة المسلحة “أم 23″، وأصبحت هادئة. “وصفها بـ’الباردة’ هو الأنسب”، يقول الصحفي إينوسان بوشو، من عين المكان، في تواصل “الشروق أونلاين” معه، ليضيف أن حتى أكثر شوارع غوما حيوية، أصبحت الآن تبدوا “محتشمة”.

فلا تزال العديد من الأنشطة الاقتصادية متوقفة بسبب عمليات النهب التي شهدتها المدينة. وحتى مع فتح الطرق لوصول البضائع، وإذا كان القلة من التجار الذين لا يزال لديهم أعمال يحاولون إعادة تشغيلها، فإن الانتعاش لا يزال محتشما، فيبدو واضحا أن السكان لا يملكون المال بسبب الخسائر التي تكبدوها في الحرب.

يقول لنا محدثنا: “لم يعد هناك إطلاق نار طوال اليوم كما كان الحال طيلة الأسبوع الماضي، لكن السكان يعانون من الصدمة، مع تسجيل أكثر من 3000 قتيل في المدينة، وهو رقم لا يزال مؤقتا وفقا للأمم المتحدة.”

ليضيف أن السكان لا يملكون وسائل للحصول على المواد الأساسية. “الأطفال ما زالوا في المنازل، والمدارس متوقفة عن العمل. العديد من العائلات لا تزال تحت وقع الصدمة. المستشفيات ممتلئة بأكثر من 2800 مصاب بطلقات نارية، بينهم حالات خطيرة، وفقا لمنظمة ‘أطباء بلا حدود’. كما تم الإبلاغ عن حالات اختفاء، من بينهم أعضاء سابقون في المجتمع المدني وبعض الموظفين الحكوميين.”

إضافة إلى اضطراب الكهرباء وشبكة الأنترنت، ما يصعب التواصل مع سكان هذه المدينة، كذلك لا يوجد أي طريق متاح للوصول إلى المدينة لمن هم في مدن أخرى داخل المقاطعة أو البلاد، كما لا توجد رحلات جوية من غوما منذ إغلاق المطار في 28 جانفي، كما تعرض برج المراقبة فيه للتخريب. ما جعل المنطقة معزولة، والطريق الوحيد للخروج هو الحدود مع رواندا.

ويضيف الصحفي أن الاشتباكات تدور حاليا* في محيط منطقة نيابيبوي في مقاطعة جنوب كيفو.

وعينت الحكومة الكونغولية حاكما عسكريا، في حين قامت حركة “إم 23” المتمردة بتعيين حاكمها ونائبين له. “الوضع مربك، والسكان يراقبون المشهد دون معرفة كيفية التعامل معه”، يعلق إينوسان بوشو.

بيد تشير بإطلاق النار على الرأس ويد أخرى تكبل الفم، لاعبو الفريق الكونغولي ينددون باستمرار “الصراع الصامت” في الكونغو الديمقراطية، قبل مباراة نصف نهائي “كان” 2024 بين ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية في ملعب الحسن واتارا الأولمبي في إيبيمبي، بأبيدجان، في 7 فيفري 2024. صورة: فرانك فيف/فرانس برس

استئناف الصراع دفع آلاف المدنيين إلى الفرار مرة أخرى للبقاء على قيد الحياة. فحسب “أطباء بلا حدود”، نزح أكثر من 400 ألف شخص في جانفي 2025، وقبل ذلك كانت المخيمات المحيطة بمدينة غوما مكتظة ب 600 ألف نازح، فيما استنفذت منظمات الدعم الدولية جميع تمويلاتها.

“هم في حاجة ماسة إلى الأمن والمساعدات الإنسانية. يجب أن تكون حماية المدنيين في هذا السياق من العنف المدمر أولوية لجميع الأطراف المتنازعة”، يقول المدير الإقليمي لشرق وجنوب إفريقيا لمنظمة العفو الدولية، تيغيري تشاغوتاه.

هذا الصراع في هذه المنطقة من الكونغو الديمقراطية تعود جذوره إلى الإبادة الجماعية ضد التوتسي التي عاشتها الجارة روندا عام 1994.

فالمنطقة الحدودية عرفت نزوح بين مليون أو مليوني شخص من الهوتو، سواء من المدنيين أو المسلحين الذين شاركوا في الإبادة، إلى مقاطعتي كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية. ليقوم هؤلاء بتشكيل ميليشيات مسلحة في هذه المنطقة من الكونغو الديمقراطية، والتي كانت تسمى آنذاك زائير، لتتدخل رواندا عسكريا بدعم من أوغندا وبوروندي على وجه الخصوص في شرق زائير رسميا لطرد هذه الميليشيات عام 1996.

تعد الكونغو الديموقراطية الواقعة وسط إفريقيا، أكبر الدول مساحة في افريقيا جنوب الصحراء، وثاني أكبر دولة في القارة الأفريقية، بعد الجزائر، كما تعد ثالث أكثر الدول الافريقية اكتظاظا بالسكان بعد كل من نيجيريا وإثيوبيا. إضافة إلى هذا، تمتلك إمكانيات هائلة من المعادن.

فتمتلك البلاد النحاس والكولتان والكوبالت والذهب والألماس ومعادن أخرى، ولا يزال جزء كبير منها غير مكتشف.

“وفقا لإحصائيات عام 2023، تعدّ جمهورية الكونغو الديمقراطية ثالث أكبر منتج للنحاس في العالم. أما بالنسبة للكولتان، الذي يتركز بشكل أساسي في شرق البلاد، فيمثل ما بين 60 و80% من الاحتياطيات العالمية. ويُعتبر هذا المعدن من بين الموارد الإستراتيجية الحالية. بالإضافة إلى ذلك، توجد أيضا رواسب من الكاسيتريت والتنتالوم والليثيوم. وإلى جانب هذه الثروات المعدنية، تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية أيضا احتياطات من النفط والغاز، مما يجعلها بلدا غنيا بالموارد الطبيعية المتنوعة”، يقول لنا المحلل الإقتصادي والسياسي المقيم بمدينة غوما، دادي صالح داف، والذي يضيف أنه من حيث الاحتياطات المعدنية، يمكن أن تكون جمهورية الكونغو الديمقراطية من بين الدول العشر الأولى في العالم إذا أخذنا في الاعتبار جميع مواردها.

ومع ذلك، لا يزال جزء كبير من هذه الموارد غير مستغل بشكل كاف. “يتمثل التحدي الحقيقي ليس فقط في وجود الشركات التعدينية الأجنبية، بل بالأخص في ضعف القدرة الإنتاجية المحلية. فلا تزال عمليات استخراج هذه المعادن وعلى نطاق واسع تتم بطريقة تقليدية”، حسب صالح داف.

أطفال يعملون في إحدى المناجم في جنوب كيفو، جمهورية الكونغو الديموقراطية. صورة: UNICEF/Patrick Brown

هذه الإمكانيات من الموارد المعدنية الهائلة التي تحتويها هذه الجهة من البلاد، أصبحت وقودا لهذا الصراع الذي يجد جذوره كذلك في الماضي الاستعماري والمظالم التاريخية التي عرفتها البلاد.

فحسب الأمم المتحدة، لا تزال جمهورية الكونغو الديمقراطية قضية استراتيجية للقوى الإقليمية، نظرا لمواردها الطبيعية الاستثنائية هذه، ودورها الرئيسي في استقرار منطقة البحيرات العظمى.

ووفقا لمعطيات الأمم المتحدة، خلفت هذه الاضطرابات شبه المستمرة في البلاد مقتل أكثر من 6 ملايين شخص منذ 1998، عدد كبير منهم سقط بسبب الجوع والأمراض التي تسبب بها الصراع. لكن بالرغم من سقوط هذه الأعداد الهائلة من الضحايا، إلا أن هذا الصراع يستمر في صمت.

حين سألنا الصحفي إينوسان بوشو عن قراءته لسبب غياب هذا الصراع عن وسائل الإعلام العالمية أجابنا: “لا أعتقد أن الأمر يتعلق فقط بالإعلام، فحتى العديد من القادة في القارة لم يعبروا عن تضامنهم مع الشعب الكونغولي. أما بالنسبة للإعلام الدولي، فأعتقد أنهم منشغلون بأماكن أخرى، حيث تنصب جميع الكاميرات على أوكرانيا. التفاوت في التغطية الإعلامية بين ما يحدث في الكونغو الديمقراطية وما يحدث في أوكرانيا يعكس بوضوح الفجوة الحقيقية في العالم وفقا للموقع الجغرافي للدولة على الخريطة.”

*الأربعاء 5 فيفري 2025.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!