-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماكرون.. بداية النهاية!

بقلم: د. عثمان عبد اللوش
  • 1107
  • 0
ماكرون.. بداية النهاية!

كان الرئيس الفرنسي، قد وصل بالكاد إلى المملكة العربية السعودية عندما سُحبت الثقة من وزيره الأول ميشال بارنيي في 4 ديسمبر 2024، وأسقِط التحالف غير المقدس الذي جمع كلًّا من حزب التجمع الوطني، اليميني المتشدّد لمارين لوبان، والجبهة الشعبية الجديدة والتي هي عبارة عن تكتل  مجموعة من أحزاب اليسار. حكومة بارنيي والتي تتقاسم السلطة مع الرئيس ماكرون منذ سبتمبر 2024، حجبت عنها الثقة بالأغلبية بإجمالي 331 عضو.

جاء التصويت في أعقاب استخدام بارنيي لبند خاص في الدستور يعرف بـ49.3 يسمح له  بفرض ميزانيته على البرلمان. وهذه المادة 49.3 استُعملت كثيرا في عهد الرئيس ماكرون، إلى درجة أن الوزيرة الأولى اليزابيت بورن كانت تلقب بالسيدة 49.3، لأنها ببساطة في كل مرة تستعملها لتمرير القوانين الحكومية على البرلمان.  مع العلم بأن البرلمان يستطيع حجب الثقة إذا صوّت النواب بالأغلبية ضد هذا القانون،  وذلك ما وقع في اليوم المشؤوم على الحكومة وخاصة على الرئيس ماكرون، إذ أطاح النواب ولأول مرة في تاريخ فرنسا منذ 1962 بحكومة بارنيي، التي لم تعمر سوى ثلاثة أشهر.

لقد كان قانون المالية الذي قدّمه بارنيي، بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير، لأن فرنسا مند مدة طويلة وهي تعاني من الحكومات المتعاقبة، من الرئيس ساركوزي الى هولاند وصولا إلى ماكرون، هذه الحكومات التي أغرقت فرنسا في المزيد من الديون والمديونية، وفي المزيد من عدم الاستقرار السياسي والديبلوماسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي…

مشروع الرئيس ماكرون الوسطي ينهار بسرعة في قمة ائتلاف الأقلية. لقد فشل بارنيي على الرغم من بذل قصارى جهده لتأمين دعم أوسع. وكان قد وضع 63 مليار دولار من الزيادات الضريبية، المصمّمة لتقليص العجز من 6.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 5٪ في المستقبل، وهذا إن صودق على قانونه للمالية.

في محاولته الأخيرة، تنازل بارنيي لصالح حزب التجمع الوطني، وأيضا لأصدقائه الذين يشغلون 140 مقعد في الجمعية الوطنية المكوّنة من 577 مقعد. ولكن بلا جدوى، مع العلم بأن بارنيي أعرب عن أسفه قبل التصويت على أن «فرنسا تمرّ بأزمة كبيرة وحادّة وغير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة بل وفي تاريخ فرنسا ككل.»

ويمكن للفريق الجديد والذي سيقوده رئيس حزب المودام، فرانسوا بايرو استخدام تدابير خاصة لتمرير مخصصات ميزانية هذا العام، من دون تعديلات التضخّم، إلى عام 2025. يمكن أن يكون العديد من الوجوه المنتمية إلى الوسط والمخضرمين أو المحافظين خيارات مؤقتة.

لقد دفع بعض السياسيين المنتمين إلى الوسط الرئيس ماكرون  لتعيين شخصية من اليسار المعتدل، في محاولة لتقسيم التحالف اليساري أو ما يعرف بالجبهة الشعبية الجديدة. ومع ذلك، عين  شخص من اليمين الوسطي وهو فرانسوا بايرو، فالمشكل الأساسي: في الجمعية الوطنية الفرنسية مازال قائما، وهو ذلك التقسيم إلى ثلاث كتل، وعدم وجود كتلة تملك الأغلبية، بل هناك عدم التجانس بينهم، وتناطح دائم، وهو ما يمثل عجزا مزمنا، واستحالة التوصل إلى حل وسط بين الأحزاب. كما أن الدستور الفرنسي يمنع الرئيس من حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة إلى غاية جويلية 2025.

كل هذا بعيد كل البعد اليوم مع الأمل الكبير الذي كان يمثله ايمانويل ماكرون في الماضي فهو غير معروف وقتها، وكان الكل  يعتقد أنه سيقدم الجديد والكثير، وقد أسمعنا الكثير من الخطب الجيّدة مثل ذلك الخطاب الذي ألقاه في 2017 قبل الانتخابات الرئاسية،  عندما زار الجزائر وقال إن الاستعمار هو جريمة ضد الإنسانية، ولكن بعد مرور الوقت تبين، بأن ماكرون يغرّد خارج السرب، وخاصة بعد فوزه بالعهدة الثانية.

ماكرون هذا الشخص الغريب والمثير للجدل في كل شيء، في أخلاقه وعقليته وتصرفاته ونظرته للآخر وفي مساره الاجتماعي والسياسي. لقد حيّر الجميع عندما تزوج ذلك الشاب من معلمته التي تفوقه سنا، بل كان في سن احد أبنائها، وقد دفعها إلى الطلاق من زوجها لكي يتزوجها. هل هذا الشخص سويّ في تفكيره وعقله؟ هل يفكر بشكل منطقي؟ أيعقل أن يصبح هذا الشخص رئيسا للجمهورية؟

بالإضافة إلى هذا، لم يناضل الرئيس ماكرون في أي حزب، وليس له مسار نضالي معروف مثل بقية الرؤساء الفرنسيين السابقين. بل نضاله الوحيد هو العمل في بنوك روتشيلد، وبالتالي، فهو يعمل لصالح روتشيلد وزبانية بنوك روتشيلد.

وهذا ما نراه اليوم، عندما تجده يجري من بلد إلى آخر حاملا معه ثلّة من رجال الأعمال، ويحاول القيام بصفقات مع تلك البلدان، فهمُّه الأول هو خدمة بنوك روتشيلد وليس خدمة الشعب الفرنسي.

زيارته إلى المملكة المغربية، هي من أجل الصفقات التجارية، رغم أن مخابرات الملك محمد السادس كانت تتجسّس عليه وعلى وزرائه وحتى صحافييه، ولكن لم يعط أهمية لكل هذا، لأن رئيسه روتشيلد لا يؤمن إلا بالصفقات، نعم إلا المال والأعمال، فالمال لا رائحة له ولا دين.

نعم هكذا قبل الذهاب إلى المملكة المغربية، حيث قدّم للملك محمد السادس كل ما يريده  كالاعتراف بـ”مغربية الصحراء”، مع أن فرنسا تعرف جيّدا بأن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار، ولم تكن يوما مغربية والدليل خريطة المغرب التي كانت تحت الحماية الإسبانية والفرنسية لا تحتوي على الصحراء الغربية. وأنه عندما منح الاستقلال الداخلي في مارس 1956 وهذا بعد معاهدة “آكس ليبيان”Aix Les Bains، لم تطالب السلطنة المغربية وقتها بالصحراء الغربية، لا من فرنسا ولا من إسبانيا.

المهم في كل هذا هو تلبية زبانية بنوك روتشيلد. كما قام بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، من أجل نفس الغرض وهو لبيع منتوجات المؤسسات الفرنسية التي تدعمه، وكلها زبائن بنوك روتشيلد.

في عام 2022 عندما  خسر ماكرون أغلبيته البرلمانية. في جويلية الماضي، في الانتخابات المبكرة التي دعا إليها بتهور، تضاءل تياره أكثر فأكثر، وتقلص  نفوذ حزبه وأصبح تهديدا سياسيّا لفرنسا وأوروبا، ودراما شخصية له.

قد تمنع المحاكم مارين لوبان من الترشّح لمنصب الرئيس لمدة خمس سنوات، في قضية تتعلق بإساءة استخدام الأموال العامة التي سيصدر الحكم عليها في مارس 2025. إذا لم يكن الأمر كذلك، فهي المرشحة الأكثر حظًا لمنصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية لعام 2027.

عند إعادة انتخابه في عام 2022، قال أحد مساعدي ماكرون إنه قال: «علينا أن نبدأ العمل من اليوم، لأنني لا أريد تسليم مفاتيح الرئاسة لمارين لوبان».

لقد تفكّك تحالف الرئيس ماكرون أكثر من أي وقت مضى. واتهم إدوارد فيليب، الذي شغل منصب وزيره الأول، الرئيس بـ«قتل» كتلته البرلمانية السابقة،  فقد تراجعت شعبية ماكرون إلى 23٪. ويقول أحد أصدقائه: «دعنا نقول فقط إنه لا يعيش أفضل أيامه».

ثانيا، لقد أعادت الانتخابات التشريعية الأخيرة تقوية البرلمان، وخلقت علاقة قوة مثلثية، وأحسن دليل على ذلك النفوذ الجديد للبرلمان،  هي  الإطاحة بحكومة الوزير الأول بارنيي، وتعدّ مارين لوبان المستفيد الأكبر.

على أقل تقدير، يقوم اليوم الماكرونيون بثلاثة أشياء، ويلتفون  حول مرشح واحد بعد ماكرون، ويحاولون تجدد مخزونهم من الأفكار، والبحث عن طريقة للتحدث إلى الناخبين الذين توقفوا عما يرون أنه غطرسة ماكرونية، فإذا لم يستطع الماكرونيون القيام بذلك، فكتلة المركز ذاهبة إلى الزوال، ولن يبقى بعد ذلك إلا اليمين واليسار.

لقد تفكّك تحالف الرئيس ماكرون أكثر من أي وقت مضى. واتهم إدوارد فيليب، الذي شغل منصب وزيره الأول، الرئيس بـ«قتل» كتلته البرلمانية السابقة، فقد تراجعت شعبية ماكرون إلى 23 ٪. ويقول أحد أصدقائه: «دعنا نقول فقط إنه لا يعيش أفضل أيامه».

والمهمة الأولى، لا يوجد نقص في الطامحين، فإلى جانب إدوارد فيليب، وغابريال أتال وبرونو لومار، بالإضافة إلى مجموعة من الطامحين الآخرين بين الاشتراكيين المعتدلين واليمين الوسط. وإذا لم ينتبه الماكرونيون، فقد يؤدي الاكتظاظ، إلى فتح الباب على مصراعيه أمام زعيم حزب فرنسا الفتية جون لوك ميلينشون. والحقيقة تقال، إن هذا الأخير هو الحزب الوحيد المنظم والذي يحمل مشروعا واضح المعالم، ويعدّ في فرنسا الحزب الوحيد المتماسك والقوي، والأكثر حضورا على الساحة، وهو الوحيد الذي يطالب بدفن الجمهورية الخامسة، وفتح الباب أمام الجمهورية السادسة.

كما تؤكد إعادة انتخاب ترامب على شرط ثالث، وهو الحاجة إلى فهم واحترام أولئك الذين يصوّتون، فالمفاضلات السياسية المعقدة التي تشكل السياسة الوسطية لا تصلح اليوم في فرنسا. والحيلة والخدعة، وقول الشيء وضده، أصبحت لا تجدي، فماكرون والذي جاء من اليسار في 2017، تحوّل إلى اليمين في 2022، والمصوّتون الفرنسيون عرفوا أن هذا الشخص لا يتصرف كرئيس لكل الفرنسيين، ولكنه جاء لخدمة مجموعة من رجال المال والأعمال، وليس ليقاتل من أجل الشعب الفرنسي لحياة أفضل.

إن دراما فرنسا اليوم هي تذكير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  بهشاشة حزبه وقدرته المتآكلة على تحقيق الاستقرار الذي تحتاجه فرنسا. وكما قال الكثير من السياسيين الفرنسيين بل وحتى الأغلبية من الشعب:  على ماكرون الرحيل!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!