-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
منح اليهود الجنسية الفرنسية

مرسوم كريميو.. رفضه المقراني وثار ضده الفرنسيون

ك. فاروق
  • 1906
  • 0
مرسوم كريميو.. رفضه المقراني وثار ضده الفرنسيون
أرشيف
أدولف إسحاق كريميو

في يوم 24 أكتوبر 1870، تبنّت الحكومة الفرنسية 9 مراسيم جديدة تؤسس للحكم المدني، بعد سقوط نابليون الثالث، وظهور الجمهورية. كان المرسوم السابع من بين كل هذه المراسيم، هو الأكثر إثارة للجدل، لأنه منح الجنسية الفرنسية إلى 35 ألف يهودي في الجزائر. ولكن، ما الكواليس والأحداث التي انبثق منها هذا المرسوم المشؤوم؟

عرف هذا المرسوم باسم مرسوم كريميو، نسبة إلى صانعه، النائب أدولف إسحاق كريميو، وكان محاميا وأحد زعماء الحزب الجمهوري، ونجل تاجر يهودي من مدينة نيم، لبرالي، دعا إلى إلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء الرقّ في المستعمرات.

تولى عدة مناصب ثم ارتقى إلى منصب وزير العدل ثم ابتعد عن الحياة السياسية في فرنسا، نظراً إلى خلافه مع إدارة لويس نابليون، وبقي كذلك حتى عام 1869، حينما دخل البرلمان مرة أخرى. وقد تولى كريميو منصب وزير العدل مرة أخرى، عام 1870، في الحكومة الانتقالية التي حلت محل حكم لويس نابليون، بعد هزيمته العسكرية في العام نفسه. كما انتُخب كريميو عام 1871 نائباً ممثلاً للجزائر، ثم انتُخب عام 1875 عضواً لمجلس الشيوخ مدى الحياة.

اليهود في الجزائر

كان لليهود موقف غير مشرف من الاحتلال الفرنسي، حيث كانوا أعوانا مهمين في مخطط احتلال مدينة الجزائر. كما كان اليهود في أغلب الأحيان يبدون سرورهم بقدوم الفرنسيين. ففي مدينة الجزائر، كانوا يجثون على ركبهم في الطرقات، شاكرين الله ويقبلون الجنود، كما وضع وجهاء اليهود كبكري ودوران أنفسهم في خدمة المارشال دي بورمونت وزير الحربية، ورافقوا الجيش الفرنسي خلال توغلاته الاستراتيجية، كما حدث على سبيل المثال في 26 نوفمبر 1830 مع القوات التي كان يشرف عليها كلوزيل، وشاركوا أيضا بمدينة وهران عام 1833 إلى جانب الفرنسيين في رد الهجومات العديدة للجزائريين، كما صرح بذلك أحد القادة اليهود: “نحن ندافع عن أنفسنا بدفاعنا عن فرنسا”.

منذ الاحتلال الفرنسي في 1830، اختارت أغلبية اليهود أن تكون فرنسية. وهذا، لم يكن مفاجئا، نظرا إلى معدنهم الخائن، فقد تكيفوا بشكل سريع مع اللغة والعادات الفرنسية، وقد سبق قبل مرسوم كريميو أن استعطفوا نابليون الثالث وأرضاهم بمرسوم جزئي عام 1865 من خلال البند الثاني الذي يعتبر يهود الجزائر فرنسيين ولكن يخضعون لقانون الأحوال الشخصية الخاص بهم وليس القانون الفرنسي.

ولم يمنحهم هذا النصّ سوى حقّ التجنّس الفردي، بشرط تقديم تنازلات في ما يخصّ الزواج والميراث. كما انطبق نص هذا المرسوم على مسلمي الجزائر.

كريميو.. والهولوكست الفرنسي

حين أصبح كريميو وزيرا للعدل في حكومة الدفاع الوطني، بعد سقوط لويس نابليون، وذلك من 4 سبتمبر 1870 إلى 17 فيفري 1871 كوزير للعدل، وبينما كانت باريس محاصرة من جيشين ألمانيين، قام كريميو بتمرير ستة قرارات، من بينها مرسومه الذي يمنح الجنسية الفرنسية تلقائيا لخمسة وثلاثين ألف يهودي في الجزائر، ومرسوم آخر يلغي حق تعدد الزوجات عند اليهود.

لقي مرسوم كريميو معارضة شرسة من المستعمرين والمواطنين من الدرجة الثانية، خشية أن يسيطر اليهود علي البلديات عبر الانتخابات وتغلغلهم في الحياة السياسية، وسيطرتهم على الغرف التجارية.

كان تنفيذ مرسوم كريميو السبب في فوز التيارين الراديكالي والمعتدل، في صفوف الحزب الجمهوري، ونشأت بعده الحركة المناهضة لليهودية، التي استمرت إلى غاية سنة 1897، ولم تكن لها علاقة وطيدة بمعاداة السامية، كمذهب عقائدي وسياسي، بل كانت نابعة نوعا ما من الحركة الاجتماعية المعادية للسامية المنتشرة في أوروبا.

اندلعت بعدها أولى أعمال العنف ضد اليهود في القطاع الوهراني وتلمسان، سنة 1881، ثم اندلعت أحداث عنف لمدة أربعة أيام بمدينة الجزائر، من 29 جوان إلى 2 جويلية 1884، استهدفت في أثنائها دكاكين اليهود.

وطالب اليمين المتطرف بالطرق القانونية، وحتى عن طريق العنف، مراجعة مرسوم كريميو، واستولى المتطرفون المعادون لليهود، على البلديات، مثلما حدث بقسنطينة عام 1896، ووهران عام 1897، وعلى غرار مدينة الجزائر التي شهدت أحداث عنف سنة 1998، وشهدت أيضا مدن البليدة وبوفاريك وسطيف مظاهرات متبوعة بأحداث عنف ونهب ضد اليهود.

يزعم بعض المؤرخين أن المرسوم كان السبب وراء ثورة الشيخ المقراني والقبائل الموالية له، في ربيع 1871، بسبب المزايا التي منحت لليهود، ولكن الكثير من المؤرخين نفوا أن تكون لثورة المقراني أي علاقة بمرسوم كريميو.

لم يلعب الجزائريون، كما تبين الأحداث التي سردناها، دورا بارزا في الأزمة اليهودية، لأنها لم تكن تعنيهم بصورة مباشرة.

كريميو يعود من جديد

بعد سبعين عامًا، يوم 8 أكتوبر 1940، نشر في الجريدة الرسمية مرسوم آخر يلغي مرسوم كريميو، وينصّ البند الثاني فيه على أنّ الحقوق السياسية ليهود الجزائر تنظمها النصوص الّتي تحدّد الحقوق السياسية للمسلمين أصيلي أقاليم الجزائر.

بالإضافة إلى إلغاء مرسوم كريميو، تمّ إلحاق قانون في الجزائر بتاريخ 3 أكتوبر 1940، يتعلّق بوضع اليهود، وتمّ لاحقًا تطبيقه بدقة لا ترحم، وتلا هذا عملية تطهير للإدارة والجيش وإدخال تمييز عددي في جامعة الجزائر، واعتقال اليهود الأجانب في المعسكرات. وبعد هبوط الحلفاء في شمال إفريقيا، في نوفمبر عام 1942، تمت استعادة مرسوم كريميو وسط تكتمّ شديد، من خلال إعادة الجنسية الفرنسية إلى يهود الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!