مواطنون في رحلة البحث عن الخبز المدعم

يشهد استهلاك وتبذير الخبز مستويات قياسية في رمضان، بسبب تفنن المستهلكين في شراء ما لذ وطاب من أنواع الخبز، تحت تأثير الصيام وشهوة البطن، حيث يرتفع نشاط المخابز التي تزيد من إبداعها في رمضان في تحضير أنواع وأشكل متنوعة من الخبز وبأسعار تصل إلى 100 دج لبعض الأنواع، غير أن العديد من العائلات محدودة الدخل وكثيرة الأفراد، تبحث عن الخبز المدعم بسعر 10 دج الذي غاب عن الكثير من رفوف المخابز، التي لم تعد ترى فيه مصدر ربح وعوضته بأنواع أخرى بعيدا عن أعين الرقابة، وهو ما وقفت عليه الشروق في جولة ميدانية في العديد من المناطق.
تحولت المخابز التي تبيع الخبز المدعم بـ 10 دج إلى استثناء، ولا أحد ينكر وجودها، في ضل إقدام نسبة معتبرة من الخبازين على صنع كمية قلية جدا من هذا الخبز التي تنفذ في وقت وجيز، ومخابز أخرى تخلت عنه نهائيا بأنواع وأشكال أخرى تبدأ من 15 دج أو 20 دج متحدية أعين الرقابة وحارمة المواطن من حقه في شراء خبزة بـ 10 دج وهي حالية أرخص مادة استهلاكية وملاذ “الزوالية” ومحدودي الدخل.
البداية كانت من بلدية بئر خادم بالعاصمة وبالتحديد في حي البساتين أين تبدأ أسعار الخبز من 25 دج في إحدى المخابز وهو خبز السميد، في حين يغيب الخبز العادي المدعم نهائيا، وتبيع هذه المخبزة العديد من أشكال الخبز المزينة بالجبن والزيتون والفلفل والطماطم بأسعار تتراوح مابين 20 و80 دج إلى جانب بيعها ما لذ وطاب من المرطبات والحلويات.
واصلنا جولتنا إلى عمق بلدية بئر خادم بالعاصمة أين تتواجد العديد من المخابز، وكشهادة حق وجدنا مخبزة واحدة فقط تبيع الخبز بـ 10 دج في حين تعتمد المخابز الأخرى على أسعار تبدأ من 20 د، حيث تتحجج أنها تبيع خبزا صحيا وكاملا بـ 70 دج، وهو الذي بات يطلبه حسبها العديد من الزبائن خاصة أصحاب الأمراض المزمنة والباحثين عن حمية غذائية دون التخلي عن استهلاك الخبز.
الخبز العادي غير مطلوب..
من بلدية بئر خادم انتقلنا إلى بلدية القبة، وبالتحديد في أحياء “بانوراما” و”البدر”، أين تبدأ أسعار الخبز من 20 دج، وهي أنواع تتعلق بخبز السميد أو “مونيس” ويصل سعر الخبز الكامل مابين 80 و100 دج، وهي مخابز لا تبيع الخبز المدعم طوال العام وليس فقط في رمضان، وفي حديثنا مع الباعة عن سبب غياب الخبز المدعم عن الرفوف أكدوا أن المواطن يفضل أنواعا أخرى أكثر جودة ولذة، خاصة في رمضان، على غرار خبز الحليب والدرسة والجبن والزيتون والمحشي وأنواع أخرى لا تعد ولا تحصى.
حجج للتهرب من المسؤولية..
انتقلنا بعدها من ولاية الجزائر إلى ولاية تيبازة، وبالتحديد في بلديتي دواودة والقليعة المتجاورتين، أين ينتشر العديد من الخبازين والذين يبيع أغلبهم الخبز ابتداء من 20 دج، وعند سؤالنا عن سبب غياب الخبز العادي بـ 10 دج، أكد بعض الخبازين أن الطلب عليه قليل وأغلب الزبائن يفضلون الأنواع المحسنة، على غرار “سكوبيدو” و”مونيس” وخبز الشعير أو النخالة، في حين يطلب آخرون أنواعا أعلى سعرا، على غرار الخبز الكامل وخبز “البريوش” والخبز المحشي بالجبن والدرسة والفلفل والطماطم وغيرها من الأنواع، في حين تحجج آخرون بأن الخبز المدعم تجاوزه الزمن وبات تجارة غير مربحة، ويعمد خبازون آخرون إلى صناعة كمية قليلة من الخبز العادي التي سرعان ما تنفذ لتبقى الأنواع الأخرى من الخبز، وعند سؤال للزبائن عن هذه المادة الاستهلاكية المدعمة يكون جواب الباعة أنها نفذت أو أنها ستكون متوفرة بعد ساعة أو ساعتين ما يضطر الزبائن إلى شراء الأنواع الموجودة.
زبائن يشتكون..
من ولاية تيبازة انتقلنا إلى ولاية البليدة وبالتحديد إلى بلديات بني مراد وقروار وأولاد يعيش، التي تحتوي على عدد كبير من المخابز، والتي توقفت أغلبها عن بيع الخبز العادي في رمضان بالرغم من أنها كانت تبيع هذا النوع قبل الشهر الفضيل، حيث تبدأ الأسعار من 15 دج للخبز المزين ببعض السنوج ويرتفع السعر إلى 20 و30 دج لخبز السميد، وتحجج الخبازون الذين تحدثنا معهم أن نشاطهم يبدأ بعد صلاة الظهر إلى قبيل المغرب، أين يصنعون كمية محددة من الخبز ويفضلون إنتاج الأنواع التي يطلبها الزبائن لأن الخبز العادي حسبهم بات غير مطلوب، وهو عكس ما أكده العديد من الزبائن للشروق الذين انتقدوا غياب هذا النوع من الخبز في رمضان، حيث أكد أحد المسنين في العقد السابع ” أنا أشتري يوميا 10 خبزات تتقاسمها ثلاث عائلات وعندي مصاريف أخرى لا تمكني من شراء الأنواع الأخرى من الخبز، وأضافت سيدة أخرى في العقد الخامس أن الخبز المدعم آخر ما تبقى من المواد الاستهلاكية رخيصة الثمن، وهي التي تعتمد عليها العديد من العائلات المحتاجة في إشباع أطفالها من الجوع منتقدة بشدة المخابز التي تحرم المستهلكين من هذه المادة المدعمة من طرف الدولة.
طوابير تكشف حاجة المواطنين إلى هذا الخبز
وفي أثناء جولتنا في حي فتال ببلدية بني مراد، صادفنا طوابير على إحدى المخابز، رغم توفر العديد من أنواع الخبز التي كانت تتزين بها الرفوف، غير أن الزبائن كانوا ينتظرون الخبز المدعم بـ 10 دج، الذي كان في الفرن، وهو ما يدل على حاجة المواطنين لهذا الخبز خاصة محدودي الدخل الذين يحسبون ألف حساب لكل دينار يخرج من جيوبهم.
الخبازون خاسرون في إنتاج الخبز المدعم
وفي هذا الإطار، أكد رئيس الاتحاد الوطني للخبازين، بن ناصر عز الدين، أن تكلفة إنتاج الخبزة تتجاوز 10 دج، وهذا ما يجعل اعتماد الخبازين على هذه المادة فقط يكلفهم خسارة كبيرة، مؤكدا أنه من أصل 23000 مخبزة بقيت 8000 مخبزة فقط سارية النشاط، وهذا ما يجعل هذه الشعبة مهددة بالزوال.
وقال بن ناصر في تصريح للشروق، إن الخبز العادي المدعم موجود في أغلب المخابز، ومن حق الخباز إنتاج أنواع أخرى وبأسعار محررة لتعويض خسائره، وقال إن 900 مليون خبزة يتم إنتاجها سنويا في الجزائر، 300 مليون خبزة منها ترمى في المزابل، منتقدا انتشار ظاهرة تبذير الخبز التي تتضاعف، بحسبه في رمضان، بسبب الإسراف في الشراء، وقال إن هناك العديد من المبادرات بالتنسيق مع وزارة التجارة لتحسين إنتاج الخبز والتخلص نهائيا من الخبز الأبيض المضر بالصحة، وتعويضه بخبز صحي تعتمد مكوناته على القمح والنخالة.
وأضاف محدثنا أن إنتاج الخبز تدخل فيه 23 مادة، منها مادتان أو ثلاث فقط مدعمة، وأضاف أن الخبزة بـ 10 دج هي حاليا أرخص مادة استهلاكية والتي يحرص أغلب الخبازين على إنتاجها، وبالنسبة إلى مشكل هامش ربح الخبازين قال إن هذا الأمر سيتم حله نهائيا بعد رمضان للحفاظ على استقرار هذه الشعبة.