-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المحلل الاستراتيجي حمدي يحظيه في قراءة تاريخية لعقدتها المزمنة:

هذه هي أخطاء فرنسا الجسيمة في عنادها مع الجزائر

حمدي يحظيه
  • 12294
  • 0
هذه هي أخطاء فرنسا الجسيمة في عنادها مع الجزائر

ارتكبت فرنسا، بسبب مناكفتها للجزائر، وبسبب عدم قراءتها قراءة متأنية للتاريخ، سلسلة من الأخطاء يمكن وصفها بـ”الغبية” أو يمكن إطلاق عليها اسم “الأخطاء القاتلة” التي يمكن أن تؤدي بفرنسا، في النهاية، إلى تحويلها إلى دولة فاشلة. فرنسا، رغم تصالحها مع الكثير من أخطائها التاريخية في العالم وتراجعها عنها، إلا أن عقدة الجزائر بقيت ترافقها، وبدل أن تكون براغماتية وتعترف بفشلها وتتصالح مع الأمر الواقع الذي تحاول معاكسته، اضافت إلى سلسلة الأخطاء خطأ آخر هو الاعتراف بالحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء الغربية.
في الذهنية الفرنسية المتحجّرة الآن، فإنّ الجزائر هي سبب طرد فرنسا من إفريقيا كدولة استعمارية في الستينيات، وهي سبب طردها بعد ذلك منها -إفريقيا- كدولة مهيمنة على الاقتصاد الإفريقي. في الواقع، إذا وقفت فرنسا أمام مرآتها الآن، وراجعت نفسها وقرأت التاريخ جيدا، ستكتشف أن سبب طردها هو حماقتها وتهورها وعنادها مع الجزائر، وأنها دائما تحاول تصحيح خطأ بارتكاب خطأ أكبر منه.

سنة 1960م.. نتائج الهوس الفرنسي بالجزائر
الأخطاء التي تتخبط فيها فرنسا اليوم، في إفريقيا، لم تأت من فراغ أو ناتجة عن ظواهر طبيعة غير مُحكّم فيها. حتى نفهم كيف أصبحت كرة ثلج الأخطاء الفرنسية كبيرة إلى هذا الحد. في إفريقيا، لا بد من وخز ذاكرة التاريخ قليلا. في سنة 1954م، فاجأت الثورة الجزائرية الفرنسيين الذين كانوا يرقصون ويغنون احتفالا بعيد “كل القديسين” الذي يتم تخليده يوم أول نوفمبر، واختلط صوت الرصاص الحي وصوت المفرقعات الاحتفالية في ليلة لن ينساها التاريخ. إلى غاية سنة 1959م ، حاولت فرنسا أن تطفئ نار الثورة الجزائرية ليستأنف الفرنسيون رقصهم وسياحتهم ونهبهم للجزائر، لكن من دون جدوى. تعاظم الثورة الجزائرية فرض على فرنسا أن تختار رئيسا جديدا- ديغول- تجلب الجنود والسلاح من مستعمراتها في إفريقيا، تستنجد بالخبرة من الحلف الأطلسي، وترتكب أبشع الجرائم للبقاء في الجزائر… لكن رغم ذلك كانت الثورة تزداد قوة، وكان صوت رصاص الانتصارات يدوي في كل مكان.
في التفكير الفرنسي آنذاك، كانت قيمة الجزائر تعادل قيمة كل المستعمرات الفرنسية في افريقيا، ثم بعد وقت وجيز انتقل التفكير إلى مرحلة أخرى متقدمة وهي أن الجزائر، بالنسبة لفرنسا، أصبحت أهمّ من كل مستعمراتها في إفريقيا، والاحتفاظ بها أصبح هوسا أو قضية حياة أو موت. انتهى التفكير الاستعماري الفرنسي إلى قرار ستدفع ثمنه لاحقا: قرّرت أن تمنح ستة عشر دولة إفريقية استقلالها في يوم واحد وتجلب جيشها وعتادها من تلك الدول إلى الجزائر لمحاولة القضاء على الثورة والاحتفاظ، في النهاية، بالجزائر “جزءا من فرنسا”. لنتصور أن فرنسا قلبت العملية: خرجت من الجزائر غداة إعلان الثورة بسرعة واحتفظت بالدول التي أعطتها استقلالها سنة 1960م، والتي ضحّت بعلاقاتها معها في سبيل البقاء في الجزائر. هل كان سيكون حال فرنساعلى ما هو عليه من السوء الآن؟ الجواب سيكون “لا” بكل تأكيد. بعد سنتين من ذلك القرار ظهر الخطأ: طردت فرنسا من الجزائر، ولم تستطع أن تستعيد علاقاتها مع الدول التي أعطتها استقلالها سنة 1960م.

خطأ فرنسا الفادح سنة 1975م
مثلما يقال، نسيت فرنسا كل أحقادها مع جميع الدول التي كانت لها معها حروب ومناكفات ونزاعات، ونسيت حرب المائة عام مع بريطانيا، ونسيت حربها مع ألمانيا، وكانت مستعدة أن تنسى حروبها مع الشيطان لو خاض معها حربا، لكنها غير مستعدة أن تنسى هزيمتها المذلة في الجزائر. إلى الآن، وربما إلى الأبد، لازالت فرنسا تحس بمرارة تلك الهزيمة التي لم تستطع أن تهضمها، والتي لم تكن تتصور أن تحدث لها مثلها مع شعب اسمه الشعب الجزائري.
في سنة 1975م، حين حشد المغرب الدعم لغزو الصحراء الغربية، وجدت فرنسا نفسها أمام طريق يتفرّع إلى طريقين: الأول، هو الطريق الصحيح منطقيا، وهو إنها -فرنسا- بحكم ماضيها الاستعماري في منطقة شمال غرب إفريقيا، وبسبب علاقاتها المتينة مع دول تلك المنطقة، ووجودها في مجلس الأمن، وحتى تخلق علاقات جديدة من تلك المنطقة، كان عليها أن تدافع عن القانون الدولي في قضية الصحراء الغربية وستكسب أكثر مما ستخسر؛ ستكسب علاقة جيدة مثالية مع ثلاثة دول هي الجزائر وموريتانيا ودولة الصحراء الغربية الفتية، وفي الوقت ذاته ستحافظ على علاقة جيدة مع المغرب بحكم فرض الأمر الواقع، كما ستكسب احترام الدول المدافعة عن تقرير المصير في إفريقيا والعالم. كانت آنذاك هي الدولة الوحيدة المؤهّلة لتطبيق القانون في الصحراء الغربية وفرضه بحكم الضغوط الكبيرة التي تمارسها على المغرب. الطريق الثاني الأعوج، الخارج عن مظلة القانون هوالاعتراف باتفاق مدريد لتقسيم الصحراء الغربية لمحاول الانتقام من الجزائر.

نسيت فرنسا كل أحقادها مع جميع الدول التي كانت لها معها حروب ومناكفات ونزاعات، ونسيت حرب المائة عام مع بريطانيا، ونسيت حربها مع ألمانيا، وكانت مستعدة أن تنسى حروبها مع الشيطان لو خاض معها حربا، لكنها غير مستعدة أن تنسى هزيمتها المذلة في الجزائر. إلى الآن، وربما إلى الأبد، لازالت فرنسا تحس بمرارة تلك الهزيمة التي لم تستطع أن تهضمها، والتي لم تكن تتصور أن تحدث لها مثلها مع شعب اسمه الشعب الجزائري.

بين اختيار السير في الطريق الأول الصحيح والقانوني، والسير في الطريق الثاني الذي عبّدته الضغينة والحسابات الخاطئة والضيقة والجشع وحب تصفية الحسابات مع الجزائر، اختارت فرنسا، وهي مغمضة العينين، الطريق الثاني. حسب تفكير فرنسا سنة 1975م، وبما أنها اختارت الطريق الخطأ، ستساعد المغرب وموريتانيا في حربهما على الشعب الصحراوي، وحين يُقضى عليه، تصفي حساباتها القديمة مع الجزائر، وربما تعود، ولو بطريقة غير مباشرة، إلى الجزائر أو الجنة المفقودة التي تظهر أضواؤُها وألوانها البيضاء من مدينة مرسيليا، وستربط الموانئ الفرنسية والأوروبية بإفريقيا عن طريق الجزائر والمغرب.
الأمر الآخر المهم الذي لم يغب عن تفكير فرنسا حين اختارت دعم المغرب سنة 1975م، هو إستراتيجية إحكام الطوق حول الجزائر، وتضييق الحلقة المحيطة بها بالسيناريو التالي: المغرب الكبير بعد احتلال الصحراء الغربية وموريتانيا والسينغال ومالي والنيجر.

الخطأ الثاني: الحرب غير المباشرة على الجزائر
اختيار فرنسا، بطريقة غير مباشرة، طريق الانتقام من الجزائر وإضعافها، ومحاولة تصفية حساباتها معها وليّ ذراعها بواسطة المغرب كوكيل، وتوظيف قضية الصحراء الغربية كشماعة، قادها إلى الهاوية خمسين سنة، تقريبا، بعد ذلك. بما أن الجزائر لأسباب أخلاقية وتاريخية وقفت إلى جانب حق الشعب الفلسطيني وحق الصحراوي في تقرير المصير، فقد وقفت فرنسا إلى جانب المغرب نكاية بموقف الجزائر ومحاولة منها لتحقيق مآرب استراتيجية بعيدة المدى.
على مدى حوالي خمسين سنة تكفلت فرنسا، مستغلة تمتعها بحق النقض “الفيتو”، وبنفوذها في الاتحاد الأوروبي، بتصفية القضية الصحراوية في الأمم المتحدة لصالح المغرب لتحقيق مآرب إستراتيجية، اقتصادية في إفريقيا ولضرب الجزائر في مفصل مهمّ. بالنسبة لفرنسا لن ينجح لها أي مشروع أو إستراتيجية للربط بإفريقيا ما لم تُزَح صخرة الجزائر الصلبة الموجودة في منتصف الطريق والتي لا يمكن القفز عليها. كانت تعمل في كواليس مجلس الأمن والجمعية العامة، تصحح وتنقّح القرارات، تزيد وتشطب، تتآمر، تشتري الأصوات، تبتز، تبيع المواقف، وكلما ظهر ضوء في آخر النفق أو اقترب حل معقول وقانوني للقضية الصحراوية تهدد فرنسا برفع “الفيتو”.

جعلت فرنسا من قضية الصحراء قضية حياة أو موت بالنسبة لها كوسيلة لإضعاف الجزائر، وكان شعارها: لا يمكن أن تضيع الصحراء الغربية مثلما ضاعت الجزائر. حشدت فرنسا الدول التابعة لها في إفريقيا لكبح جماح إرادة التحرير، حاولت عزل قضية الصحراء الغربية ومنعها من حاضنتها الإفريقية، حاولت أن تُحدث انقساما في منظمة الوحدة الإفريقية أكثر من مرة، حاولت منع سيل الاعترافات بالجمهورية الصحراوية، منعت الوفود الصحراوية من المشاركة في الكثير من الفعاليات والمؤتمرات.

خلال هذه المدة الطويلة جعلت فرنسا من قضية الصحراء قضية حياة أو موت بالنسبة لها كوسيلة لإضعاف الجزائر، وكان شعارها: لا يمكن أن تضيع الصحراء الغربية مثلما ضاعت الجزائر. حشدت فرنسا الدول التابعة لها في إفريقيا لكبح جماح إرادة التحرير، حاولت عزل قضية الصحراء الغربية ومنعها من حاضنتها الإفريقية، حاولت أن تحدث انقساما في منظمة الوحدة الإفريقية أكثر من مرة، حاولت منع سيل الاعترافات بالجمهورية الصحراوية، منعت الوفود الصحراوية من المشاركة في الكثير من الفعاليات والمؤتمرات. كل هذه المعركة خاضتها فرنسا، ظاهريا، ضد الشعب الصحراوي بالنيابة عن المغرب، لكن، باطنيا، خاضتها ضد الجزائر لمحاولة إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.

نتيجة الخطأ الثاني الذي ارتكبته فرنسا سنة 1975م
قلنا، حين تحدّثنا عن الخطأ الثاني الذي ارتكبته فرنسا سنة 1975م بدعمها للمغرب ولاتفاق مدريد ضدّ الشرعية الدولية في الصحراء الغربية، إنها كانت هي الوحيدة من بين القوى العظمى المؤهّلة لحل تلك القضية طبقا للقانون الدولي بخلق تفاهمات بين مختلف الأطراف تكون نتيجتها تقرير مصير الشعب الصحراوي تحت إشراف الأمم المتحدة. بدل أن تفعل فرنسا ذلك ارتكبت الخطأ القاتل الذي تحدثنا عنه، وخاضت معركة شبه مباشرة مع الصحراويين ومعركة غير مباشرة مع الجزائر. في معاركها تلك سال الكثير من الدم من أنفها، وجرى التأثير على سمعتها وقوتها، ومن دون أن تدري، وبسبب انهماكها وتفرُّغها لمناكفة الجزائر والصحراء الغربية، كانت تفقد إفريقيا كحديقة خلفية بصمت، شئيا فشئيا، وكانت حدود هيمنتها تنكمش، وكانت مصالحها تتقلص وكانت قيمتها تنقص على المستوى الدولي.
إن الانشغال بقضية الصحراء الغربية للإيقاع بالجزائر استنزف طاقات فرنسا، وأوصلها إلى النقطة التي لا رجعة منها، فلا هي ووكيلها المغرب حسما قضية الصحراء الغربية للتفرّغ للجزائر، ولا هي حافظت على علاقتها مع الدول الإفريقية، ولا هي أقامت مشاريعها التي تنطلق من أوروبا نحو إفريقيا عبر المغرب مرورا بالصحراء الغربية.

الاعتراف بالحكم الذاتي أو الخطأ الفادح الأخير
الآن يمكن أن نقف على نتيجة حاسمة وهي أن كل شيء له علاقة بمخطط الحكم الذاتي الذي يحاول المغرب فرضه كحل لقضية الصحراء الغربية بدأ منذ اللحظة التي استفاقت فيها فرنسا من أوهامها ووجدت نفسها تقف وجها لوجه أمام الحقائق التالية: قضية الصحراء الغربية لم تصفّ لصالح فرنسا والمغرب؛ فرنسا طُردت من إفريقيا وبالخصوص من منطقة الساحل التي كانت تريدها أن تكون حزاما تخنق به الجزائر؛ خسرت علاقتها مع وكيلها المغرب الذي أصبح يتجسس على رئيسها. بدل أن تصحح الخطأ الذي ارتكبته سنة 1975م، وتتصالح مع الجزائر وتساهم بنشاط في حل قضية الصحراء الغربية طبقا للقانون الدولي، وتعيد التفكير في حساباتها في إفريقيا انطلاقا من الجزائر، قرَّرت أن تهرب إلى الأمام أكثر، وتعترف بالحكم الذاتي كحل غير شرعي لقضية الصحراء الغربية.
في الواقع، اعتراف فرنسا بالحكم الذاتي لم يفاجئ أحدا، ويمكن وضعه في خانة نوع من الانتحار السياسي. هناك شيئان مهمّان يجب معرفتهما عن هذه الخطوة المتهوِّرة: الأول، لا فرق بين اعتراف ماكرون في أيام حكومته الأخيرة وبين تغريدة ترامب في آخر أيامه في الرئاسة أو رسالة بيدرو سانشيز التي كتبها من خلف ظهر الحكومة والبرلمان. لقد أعلنت الحكومة الفرنسية اعترافها بالحكم الذاتي فقط حين عرفت إنها منتهية الصلاحية، ومثلما خلق اعتراف ترامب بالحكم الذاتي مشاكل لحكومة بايدن التي جاءت بعده بسبب تغريدته الغبية، سيخلق اعتراف حكومة ماكرون أكثر من المشاكل مع الجزائر للحكومة التي ستأتي بعده. الثاني، أن الصحراويين والجزائريين والأفارقة الشرفاء والأمم المتحدة كانوا مقتنعين، منذ البداية، أنه إذا كانت دولةٌ ما ستعترف هي الأولى بالحكم الذاتي فهي فرنسا، ويتعجّبون لماذا تأخّرت كل هذا الوقت، ومن ثمّة فإنّ الاعتراف لن يكون صدمة لأحد اللهم إذا كان سيكون صدمة لفرنسا نفسها مستقبلا.

فرنسا الآن منشغلة بأحشائها الممزّقة وبمشاكل اليمين ومشاكل المهاجرين ومشاكل الانطواء على الذات، وبالمقابل، تشهد الجزائر إقلاعا اقتصاديا لم يسبق له مثيل: بلا ديون خارجية، قرارها سيادي، اكتسبت مناعة داخلية ضد أي مخطط للتخريب، لها جيشٌ من أقوى الجيوش. ومن ثمّة، فإنّ ارتكاب هذا الخطأ -الاعتراف بالحكم الذاتي- في هذا الوقت لن يكون سحابة صيف عابرة، وستجري مراجعة كل العلاقات الجزائرية الفرنسية التي كانت في طريقها إلى الانفراج، وستوضع فرنسا في خانة الدول التي فُقدت فيها الثقة تاريخيا.

دعم فرنسا للحكم الذاتي الآن هو تكرار لدعمها سنة 1975 م اتفاق مدريد. في تلك السنة، كان ثمن وقوف فرنسا مع المغرب هو وعود مغربية بفتح المغرب والصحراء الغربية بعد الاستحواذ عليها وموريتانيا أمام فرنسا لمحاصرة الجزائر وخلق طوق معادي حولها. الآن، أيضا، هناك مقابلٌ رغم تغيّر الظروف والمعطيات مثل الضعف الفرنسي، وطرد فرنسا من الساحل الإفريقي. المقابل الآن هو: تعترف فرنسا بالحكم الذاتي مقابل أن يضمّها المغرب إلى المبادرة الأطلسية كمرحلة أولى لإعادتها إلى الساحل الإفريقي الذي طُردت منه. بالإضافة إلى هذا المخطط غير مضمون النتائج، لا يمكن التغاضي عن الابتزاز الذي قام به المغرب واليمين الفرنسي لفرنسا لإبعاد باريس عن تطبيع العلاقات مع الجزائر. إذن، الاعتراف بالحكم الذاتي هو إضافة خطأ جديد -فادح هذه المرة- إلى سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا في تعاملها مع عقدتها في الجزائر. يمكن اعتبار اعتراف فرنسا بالحكم الذاتي الآن محاولةً لتسجيل هدف في الوقت بدل الضائع. فرنسا الآن ليست هي فرنسا القوية سنة 1975م، وليست هي فرنسا المؤثرة في إفريقيا والاتحاد الأوروبي، وليست هي فرنسا التي تفرض آراءها، وهي الدولة الوحيدة من بين الدول التي تمتلك حق الفيتو المؤهّلة لفقدان مكانتها وفقدان حق الفيتو إذا حدث أبسط تغيير في النظام الدولي الحالي. فرنسا الآن منشغلة بأحشائها الممزقة وبمشاكل اليمين ومشاكل المهاجرين ومشاكل الانطواء على الذات، وبالمقابل تشهد الجزائر إقلاعا اقتصاديا لم يسبق له مثيل: بلا ديون خارجية، قرارها سيادي، اكتسبت مناعة داخلية ضد أي مخطط للتخريب، لها جيشٌ من أقوى الجيوش. بالتالي، ارتكاب هذا الخطأ -الاعتراف بالحكم الذاتي- في هذا الوقت لن يكون سحابة صيف عابرة، وستجري مراجعة كل العلاقات الجزائرية – الفرنسية التي كانت في طريقها إلى الانفراج، وستوضع فرنسا في خانة الدول التي فقدت فيها الثقة تاريخيا.
الذي كان يتوقعه العقلاء الفرنسيون هو أن فرنسا، بما إنها خسرت مغامرة دعم اتفاق مدريد سنة 1975م، كان حريّا بها أن تكون براغماتية، وبدل أن تكرر الخطأ ذاته الآن بدعم الحكم الذاتي، تدعم الحل الشرعي لقضية الصحراء الغربية وهو الاستفتاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!