-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
شارك في مهرجان فنيسيا ضمن فئة "أيام البندقية للمؤلفين"

هل زور فيلم “زفيرة” قصة بابا عروج وسليم التومي؟

زهية منصر
  • 3709
  • 0
هل زور فيلم “زفيرة” قصة بابا عروج وسليم التومي؟
أرشيف

شارك فيلم “آخر الملكات” في مهرجان فنيسيا، ضمن فئة “أيام المؤلفين”، (أيام البندقية) للدورة الـ79 لمهرجان البندقية السينمائي بإيطاليا، الذي تستمر فعالياته إلى العاشر من الشهر الجاري.
الفيلم يروي سيرة الأميرة زفيرة ووصول خير الدين بابا عروج إلى الجزائر في عام 1529 لمساعدة الجزائر العاصمة في مواجهة الغزاة الإسبان.

وهو من توقيع الفرانكو جزائري داميان أنوري وعديلة بن دير مراد. ويجمع عددا من الممثلين، منهم إيمان نوال، نبيل عسلي، دالي بن صالح، طارق بوغرارة..

يروي العمل جزءا من سيرة “زفيرة”، زوجة الأمير سليم التومي، حاكم الجزائر آنذاك، حيث يقال إن عروج اتهم بقتل زوجها سليم التومي، من أجل الزواج بها، لكنها فضلت الانتحار على أن تسلم نفسها لعروج.

أثارت قصة الفيلم الكثير من الجدل والنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل غياب أرشيف الفترة العثمانية.

وكتب الدكتور محمد دراج، أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، مقالا، نشر على نطاق واسع، اعتبر فيه أن ما جاء في هذا الفيلم تزييف وخروج عن الحقيقة التاريخية. ومما جاء في مقال الدكتور المعنون بـ “أباطيل يجب أن تمحى من تاريخنا”، أن حكاية انتحار الملكة زفيرة زوجة سليم التومي ليلة إجبارها على الزواج من عروج بعد أن لفق هذا الأخير لزوجها تهمة التواطؤ مع الإسبان، ومن ثم قام بقتله، تعتبر واحدة من خرافات التاريخ، التي يتم تلويث عقول العامة بها. والمؤسف، أننا نجد أناسا من قومنا ممن يحسبون على الثقافة والفن والأدب يروّجون لها على أنها حقيقة لا تشوبها شائبة”… “ولكننا، عندما نضع هذه الخرافة في ميزان النقد والتمحيص، نجدها لا ترقى لأن توصف بأنها رواية تاريخية، فهي لا تعدو أن تكون حكاية مختلقة تروى في ليالي السمر”.. وقال الدكتور محمد دراج في مقاله: “إن سبب مقتل سالم التومي ليس كما تروي الحكاية المزعومة، بل بسبب ثبوت تواطئه الفعلي مع الإسبان القابعين في قلعة البنيون.، وذلك بوقوع بعض رسائله التي كان يتبادلها مع قائد قلعة البنيون الإسباني، وتم عرض قضيته على علماء مدينة الجزائر الذين أفتوا كلهم باستحقاقه القتل وبأن دمه مهدور، وفعلا، نفذ فيه الإعدام بأمر من عروج، بناء على فتوى علماء الجزائر، وليس بناء على رغبة عروج في التخلص منه، كما يقول المفترون”.

ويضيف المتحدث أن “يحيى بن سالم التومي الذي لجأ إلى الحاكم الإسباني في وهران المدعو دولكوديت، اعترف بخيانة والده، وقال له يحيى بن سالم التومي بالحرف الواحد: “إن والدي انذبح من أجلكم”، بحسب ما ورد في أحد التقارير المحفوظة في أرشيف سيمانكاس بإسبانيا”.

ويجزم أستاذ التاريخ العثماني في جامعة الجزائر بأن “حكاية زفيرة هذه على أهميتها، لم يرد ذكرها لا تلميحا ولا تصريحا في أي مصدر عربي أو عثماني أو أيّ وثيقة أرشيفية أو مراسلة رسمية يمكن الاعتماد عليها، ولو على سبيل الاستئناس بوقوعها، بصرف النظر عن تفاصيل الرواية المتعلقة بها، والمصادر التي تحدثت بإسهاب عن مرحلة عروج مثل مذكرات بربروس أو كتاب الغزوات بكافة نسخه المحفوظة في مكتبات الجزائر وتونس وباريس، وكذا تحفة الكبار لكاتب چلبي وغيرها، لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الحادثة، ما يعطي انطباعا عن اختلاقها وكذبها… ويزداد سوء الظن بها ورودها فقط في كتاب أو كتابين فرنسيين هما دوتاسي وآخر نسيته، وهما لم يكونا معاصرين للأحداث ولا شاهدين عليها ولا ناقلين لها عن مصدر موثوق يمكن أن نعود إليه للتأكد من صحة النقل عنه، بل حتى المراجع الحديثة المعاصرة التي دونت من طرف مؤرخين أو باحثين جزائريين مشهود لهم، لم يذكروا هذه الحادثة لا من بعيد أو قريب، وأذكر هنا على سبيل المثال الأساتذة: سعد الله وسعيدوني وبلحميسي وبن خروف ومروش وسعيود وحماش وبن خروف وهلايلي. وقبل هؤلاء، الجيلالي والميلي والمدني، وقبل هؤلاء، مؤرخو كتب الرحلات والمذكرات والأسرى من الأوربيين… باستثناء هذا دوتاسي الذي ضربت لروايته الطبل والزرنة”.

هذا، إضافة، بحسب صاحب المقال، إلى كون جميع خصوم عروج المعاصرين له قاتلوه وقاتلوا أخاه كما قاتلوا من جاء بعدهما أيضا، لكن لا أحد منهم اتهمه أو عيره بأنه قتل سالم التومي بسبب زفيرة هذه”… “فلو كانت الحادثة حقيقية لاستعملوها ضده ولشنعوا عليه بها ولألبوا عليه الناس بسببها”… “ولكانت أكبر ذريعة للخروج عليه، لكن لا أحد ذكر ذلك، إنما كانوا يقاتلونه قتال رجال فقدوا امتيازات ومصالح ضيقة، وأحسوا بأنهم سوف يتلاشون من الوجود في حال تمكن عروج من تأسيس دولة مركزية قوية”، وهو ما حدث بالفعل لاحقا.

واعتبر صاحب المقال أن القصة بشكلها الذي يروج له، لا تعدو أن تكون من تدبير دوتاسي “وغيره من الحكواتيين ليصنعوا للسذج من العامة تلك الصورة الخيالية التي تنتهي بهمجية عروج الذي حاول اغتصاب زفيرة في ليلة زفافها، وانتحارها على طريقة المسلسلات الهندية”.

ويذهب صاحب المقال أبعد من ذلك، ويؤكد أنه بحث عن قصة زفيرة في مصادر التاريخ المعتمدة، التي تحدثت عن الفترة، وأشارت إلى مقتل سالم التومي، فلم يجد لذكرها أثرا، ولم يجد أحدا أشار إليها أو إلى وجودها كشخصية حقيقية، باستثناء ما أشار إليه دوتاسي أو من نقل عنه أو من نقل عمن نقل عنه حادثة الانتحار المزعومة، وحتى هو أو غيره عجز عن ذكر أي تفاصيل أخرى عنها أو عن غيرها من زوجات أعيان الجزائر وزعمائهم المحليين، فأين هي زفيرة هذه يا ترى… أكانت نكرة طول حياتها وحياة زوجها لتظهر فجأة في ليلة الزفاف المزعوم”.

وقد أعاد الفيلم النقاش حول أرشيف الفترة العثمانية في الجزائر، حيث طالبت عدة فعاليات بضرورة فتح هذه الفترة على الدراسات التاريخية الجادة والهادئة من قبل مختصين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!