-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أبناؤنا والكتب المدرسية

أبناؤنا والكتب المدرسية

ما رأيكم أيها القراء الأعزاء لو أخبرتكم أن نصف الكتب التي يحملها أبناؤنا في محافظهم الثقيلة جدا، والتي تقصم ظهورهم كل صباح ومساء لا فائدة ولا نفع يُرتجى منها البتة، بل هي مجرد خلاصة فهم وعصارة مشاريع وقرارات وقوانين ولوائح وزارة ولجان غير متمكّنة علميا ومنهجيا وواقعيا وحياتيا.. ولا علاقة لها البتة بالبيئة الجزائرية وخصوصياتها ولا بعلوم التربية والتعليم والنفس والاجتماع والاقتصاد والدين أصلا؟

وقد تستغربون أشد الاستغراب، وقد تتعجبون أشد العجب من هذه الجرأة التي وصفتُ بها الوزارة الوصية واللجان التي اختارتهم لإعداد مثل هذه الكتب والبرامج الدراسية البائسة، التي تقاضوا مقابلها عشرات المليارات، إذْ يُكلف تأليف كتاب واحد مليار وسبعمائة مليون جزائري كما أخبرني أحدُ المفتشين العامّين بالوزارة الذي حجَّ معي سنة 2019م في عداد ضيوف الملك سلمان بن عبد العزيز ضيفا مختارا يمثل الدولة الجزائرية، بل أخبرني صحبة مجموعة من المفتشين والمديرين المركزيين بالعجب العُجاب لحجم الفساد المالي والتعاملي والإداري وغيره في هذا الجانب المسكوت عنه في عالم تأليف الكتب المدرسية الجوفاء.. الذي آن أوان فتحه ليمتثل وليعاقَب كل من جنى على فلذات أكبادنا ودمّرهم تربويا وتعليما، وحطّمهم نفسيا وروحيا ووجدانيا وسلوكيا بمقارباته البيداغوجية المستورَدة والفاشلة والغريبة عن فردنا وقيمنا ومنظومتنا الحياتية.. ودمّرهم وجدانيا وعاطفيا، وسبّب لهم كل هذه التعثُّرات والانتكاسات طيلة عقدين من الزمن (2000-2021م).. والذي رفع من نسبة التسرّب والرسوب والإخفاق وكراهية طلب العلم، وبُغض مؤسسات التعليم عموما والمعلمين على وجه الخصوص.. وأرخص العلمَ وقداستَه وأطاح به من عليائه المقدَّسة.

وقد تطلبون مني بإلحاح وعجالة أيها القراء الأعزاء أن أعطيكم الدليل، بل الأدلة على حكمي السلبي، ووصفي المُسدَّد في صدور الوزارة واللجان المنتفعة من عالم البزنسة والتلاعب في ما يسمى بتأليف الكتب المدرسية زورا وبهتانا.. إذْ لم يعد لكم صبرٌ تواجهون به هذه التركيبة المرعبة التي سأخرج بها عليكم، ولكن ذلك لن يكون إلاّ بعد أن تدركوا قيمة المثل وحكمة ومقصد ضرب الأمثال في القرآن الكريم، إذ استشهدتُ في عنواني بمثل قرآني ضربه الله في أسوإ قوم وُجدوا على الأرض إلى يوم الدين، وهم اليهود الذين عصوا وخالفوا وقتلوا الأنبياء والمرسلين، وصاروا مضرب مثل في عدم الانتفاع بتعاليم الله ووحيه، فشبَّههم بالحمار الذي يحمل فوق ظهره الكتب والأسفار (مفردها سِفْر بالعبرية سيفر: أي كتاب)، وهكذا صار أبناؤُنا يحملون أسفارا لا ينتفعون بها، لأن عباقرة التربية والتعليم والمنهجية الذين اختارتهم وزيرة التربية السابقة في إعداد البرامج وتأليف الكتب قرَّروا بعبقريتهم الفذة وذكائهم الخارق، وربما –وهذا غير مستبعد- بتآمرهم على جيل أو جيلين من أبناء الجزائر العزيزة المجاهدة العربية المسلمة.. وفي غياب بل تغييب أهل العلم والمعرفة العبث بأكثر من خمس عشرة (15) مليون طفل وفتى وشاب يدرسون في المراحل التعليمة الثلاث.. وقد دلف قرابة المليون منهم إلى الجامعة في العقدين الآثمين الماضيين، وصاروا طينة خبيثة في التزوير ومعهم استحالت الجامعة إلى مجرد مانحة لشهادات الزور، وقد ربط الله بين رجس الأوثان وشهادة الزور فقال: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله)..

وإليكم أيها القرّاء الأعزّاء تفاصيل هذه المهزلة التعليمية والتربوية والمنهجية بلغة الأرقام والعلم والمعرفة والمنهجية والخبرة والتجربة والأقدمية والكتابة والتأليف والقراءة المستمرة وتعليم الأجيال والتدريس المسجدي وتكوين الأجيال، إذْ أمضيتُ أربعين سنة في التربية والتعليم (1982-1992م تعليم ثانوي، 1993-2021م تعليم جامعي عالي)، وعضوية في أعمال المجلس الأعلى للتربية في الورشة الثالثة الخاصّة بالكتاب المدرسي.. عهد الوزير المحترم جدا (عمر صخري) سنوات 1996-1998م فأنا أتكلم عن علم ومعرفة وتجربة أيضا.. وعليكم أن تحكموا بأنفسكم:

1– مستوى البرامج الدراسية أعلى من مستوى التلاميذ بشكل عامّ، ويشمل كل المراحل الثلاث، والذي درس ودرّس يعرف مستوى التلاميذ والدروس المختارة لهم، فتلاميذ السنة الرابعة متوسط يدرسون في كتاب اللغة العربية نصوصا أدبية كانت تدرس في المرحلة الثانوية كدرس (حديث عيسى بن هشام من “مقامات بديع الزمان الهمذاني”) كان في السنة الثانوية الأدبية أيضا لا العلمية، ومثلها كثيرٌ من القصائد والدروس حتى في السنوات الأخرى. ولعلمكم فكتاب العربية مليء بالأخطاء.

2 – أسئلة الفروض والامتحانات مستواها عالٍ فوق مستوى التلاميذ، ومدّتها الزمنية غير كافية لإنجازها، وغالبيتها تعتمد على الشبكة المعلوماتية، وهي غير معتمدة علميا ومنهجيا وأكاديميا..

3– مستوى البرامج الدراسية في العلوم واللغة الفرنسية فوق مستوى التلاميذ، وهو برنامجٌ أُعِدَّ خصيصا لفرنسيين لا لأجانب يحاولون تعلم لغة أجنبية قدر المستطاع. والحال مثله في اللغة الإنجليزية، فهو مستوى لطلبة إنجليز أو متخلفين متأخرين لا لغة لديهم، كشعوب المستعمرات الفرنسية والإنجليزية البدائيين. فَلِمَ نخدم لغة غيرنا بمثل هذا التفاني، ونحقر لغتنا بمقابل هذه الخدمة الاستعمارية المجانية؟ لقد رأينا دولا وشعوبا تقدمت بلغاتها كالصينيين واليابانيين والروس والأتراك والإيرانيين والإسبان وغيرهم.. فحذار أن تعتبروا النهضة بوّابتها ترك اللغة الأصيلة وتعلّم لغة الأجنبي المستعمِر.. وليس كل أبنائنا مؤهّلين لتعلم اللغات الأجنبية التي يكرهوننا ويعزفون عن تعلّمها..

وإليكم الآن الكتب التي لا يدرس منها أبناؤنا حرفا واحدا، بل هي مجرّد أوزار في أوساق تحني بوسوقها ظهورهم، وقد دفعنا ثمنها دون الحاجة إليها البتة، وصرنا كآباء نشتري مطبوعات ومطويات وكتب الدعم التي برع في إعدادها واستغلالها سماسرةُ الدروس الخصوصية وقتَّاتي الحرام مقابل نقطة التقويم:

1– كتاب التاريخ ووزنه 417 غرام وثمنه 250 د.ج. (البرنامج الوزاري في واد وهو في واد آخر).

2- كتاب الجغرافيا ووزنه 378 غرام وثمنه 210 د.ج. (البرنامج الوزاري في واد وهو في واد آخر).

3- كتاب العلوم ووزنه 332 غرام وثمنه 207 د.ج. (البرنامج الوزاري في واد وهو في واد آخر).

4– كتاب الفيزياء ووزنه 285 غرام وثمنه 182 د.ج. (البرنامج الوزاري في واد وهو في واد آخر).

5– كتاب التربية المدنية ووزنه 220 غرام وثمنه 143 د.ج. (البرنامج الوزاري في واد وهو في واد آخر).

6– كتاب الرياضيات ووزنه 433 غرام وثمنه 273 د.ج. (البرنامج الوزاري في واد ونصفه في واد آخر).

ويقف بينهما كتاب الرياضيات الذي به فصولٌ غير مطلوبة، فأبناؤنا يحملون كتابا يستفيدون من نصفها فقط، والنصف الباقي ملحقٌ بسابقه، أي نصف وزنه هو: (217) غرام ونصف ثمنه هو 135 د.ج، أي مجموع ما يحمله أبناؤنا من الكتب دون فائدة يصير مقداره 2967 غرام، أي قرابة ثلاثة (3) كيلو غرام. ودفعنا ثمن كتب غير مستغلة يقدر بـ(1027د.ج).

تلاميذ السنة الرابعة متوسط يدرسون في كتاب اللغة العربية نصوصا أدبية كانت تدرس في المرحلة الثانوية كدرس (حديث عيسى بن هشام من “مقامات بديع الزمان الهمذاني”) كان في السنة الثانوية الأدبية أيضا لا العلمية، ومثلها كثيرٌ من القصائد والدروس حتى في السنوات الأخرى. ولعلمكم فكتاب العربية مليء بالأخطاء.

وعلى الدولة أن تُرجع لكل تلميذ مبلغ (1027د.ج)، وأن تُنقص من وزن المحفظة بمقدار 2967 غرام، أي قرابة ثلاثة (3) كيلو غرام. واضربوا هذا الثمن بعدد تلاميذ السنة الرابعة متوسط وستكتشفون كم نحن في حاجة إلى وزارة حكيمة، وإلى لجان متزنة ورصينة.

وإليكم الكتب المطابقة إلى حد كبير للبرنامج الوزاري، وهي:

1 – كتاب العربية ووزنه 422 غرام وثمنه 261 د.ج.

2 – كتاب التربية الإسلامية ووزنه 241 غرام وثمنه 142 د.ج.

3 – كتاب الإنجليزية ووزنه 368 غرام وثمنه 235 د.ج.

4 – كتاب الفرنسية ووزنه 395 غرام وثمنه 213 د.ج. وهو من حيث الوزن يأتي في الدرجة الثانية بعد كتاب اللغة العربية، وهو من فتوحات وعبقرية لجان وزيرة التربية والتعليم الجزائرية.

ومجموع الكتب التي يحملها التلميذ ويستفيد منها وزنها الإجمالي هو (5 ،1562) غرام، أي واحد كيلو غرام ونصف. وثمنها هو (5 ،996 د.ج) وما يحمله ولا يستفيد منه وزنه الإجمالي هو (2091) غرام، أي قرابة (2) كيلو غرام. فمن أين أتى لتلك الجهات واللجان الوصية هذا الفتح التربوي المبين؟

وعليه، فالوزن الإجمالي للكتب (3591) غرام أي أزيد من ثلاثة كيلو غرامات ونصف، وثمنها الإجمالي (2116 د.ج)، ولا ينتفع التلميذ سوى بكيلو غرام ونصف فقط.. وخسر والدُه مبلغ (1027د.ج).

وعلى الباحثين أن ينسجوا على منوال هذه الدراسة بقية الأقسام والمراحل لنرى عمق نكبتنا في أشباه الرجال والخبراء الذين يُعتمد عليهم في نهضة البلاد.. أللهم اشهد أنكم لن تنهضوا بمثل هؤلاء أبدا.. واشهد بأننا وأبناءنا في ظل هؤلاء حالنا كحال الحمار الذي يحمل أسفارا ولا ينتفع بها.. أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • قل الحق

    رحم الله زمان الاستاذ الشيخ عبد الرحمان شيبان و نصوص طه حسين و المنفلوطي و معروف الرصافي و ميخائيل نعيمة و جبران خليل جبران وووووو و عظم الله اجر ابنائنا في مدرسة اليوم التي هي ضحية الفيروس اللائكي الذي حاربه الشيخ في بداياته فعاد و ظهر بعد ما سمي بالانفتاح الديمقراطي في التسعينات و دمر كل شيء.

  • ديدوش مراد

    وزارة تتحمل قدر من المسؤولية لكن المسؤولية الكبري والخطيرة ستحمل وزرها المفتشون العامون الذين يراقبون ويمحصون ويصنفون ويغربلون الكتب وينقحونها من الاخطاء والاغلاط ويقدمون مقترحاتهم للوزارة كي تصحح . لكن المفتشون لا هم لهم الا مصالحهم الخاصة الشخصية ولا هم لهم بمستقبل الوطن ولا التلاميذ . الحقيقة مرة ومؤلمة ويجب ان تتقبلوها بصدور رحبة يا سادة . مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار وفوق كل مصلحة اخري

  • المهتدي بالله

    يجب أن يحال كل من اشترك في المؤامرة على أبنائنا طيلة العقود الثلاثة الماضية 1992-2019م إلى المحاكم ليحاسب على جريمته التي اقترفها في حق التربية والتعليم، وعليه أن يُرجع الأموال الباهظة التي تقاضاها مقابل كتب مفرغة من الهوية ..